ترجمة: د.علياء الداية
خاص ( ثقافات )
إنها تخوم الدائرة القطبية، كما تتراءى في أقصى درجات الدهشة والإبهار.
هذا هو الأثر الساحر الذي تحدثه مشاهدة صور “تينا تورمانين”، فهي تستحوذ بالتأكيد على إعجاب كل الأشخاص الذين تأسرهم الطبيعة بجمالها.
كنا قد نوهنا في وقت سابق بأعمال “تينا تورمانين”، أما الآن فحان الوقت لزيارتها من جديد. ابتهجنا بالفعل حين اكتشفنا أن رصيدها الفني قد ازدهر بقوة وكثافة خلال هذه المدة، مشتملاً على الحياة البرية في قسوتها وصفائها، وعلى الغموض السرمدي لجمال الطبيعة في مسقط رأسها “بوسيو” في شمال “لابلاند” في فنلندا. “الصور كلّها ملتقطة من على بُعد 100 متر حتى 130 كيلومتراً المحيطة بمنزل الطفولة”، هذا ما تؤكّده تينا.
مصوّة فوتوغرافية علّمت نفسها بنفسها، وكان دافعها الأساسي هو حب الطبيعة، ونزهاتها الخلوية بصحبة آلة التصوير. “حين أمتلك الوقت الكافي ذات يوم، أرغب في العودة إلى صوري القديمة الأصيلة التي خزنتها في علب الأحذية، وأن أؤلفّ عنها كتاباً”، هذا ما أخبرتنا به. كثيراً ما يحظى الحضور الذاتي للفنان في صوره بالثناء والاهتمام، ولكنه لا يكاد يلحظ في صور تينا الفوتوغرافية، غير أن استخدام كاميرا كانون Canon 5D Mk3، ينطوي على الإبهار في مشهدية الصورة بأسلوب متميّز وطموح، فالأشجار والسماء والثلوج تبدو أشبه بشخصيات حقيقية. إن صور تينا تتجسد في حساسيتها العالية لحيوية البيئة والطبيعة على شكل لوحات بورتريه للمناظر الطبيعية، بما فيها من البراري ومحيطها المتذبذب حيناً، والهادئ الثابت حيناً آخر، في لامبالاته بعالم البشر.
كما تنداح الظلال الداكنة لرفيقي السفر، الرجل وكلبه، وتمتدّ مفترشة الأرض في مقابل سماء تحتضر بألوانها الخضراء المشعة؛ هذه الظلال تشبه ضربات فرشاة، بطبقاتها الثقيلة على القماش، في مواجهة السماء الشاسعة بزينتها الليلية.
تتوهج ألوان الخريف وهي تشعل مهرجاناً قوياً من درجات الأخضر والأصفر، لتحلّ محلّ تلك الألوان النمطية الخريفية الحمراء والمائلة إلى البني.
أما الموجة الوردية الهائلة فكأنها تكريم قطبي لـ ديفيد إلفيك، في فيلمه “المسافر البللوري” في عام 1973، في أجواء أسطورية تحيط بها الانفجارات النجمية التي تندلع باتجاه الغلاف الجوي للأرض.
فيا لها من متعة حقيقية، أن نلمح ليالي الخريف في سحرها وهدوئها وفخامتها ولانهائيتها…
ها قد التقينا بالمصورة “تينا تورمانين” نتجاذب أطراف الحوار حول جديدها:
ـ متى بدأت بالتصوير الفوتوغرافي؟
ـ منذ عام 1998 بدأت ألتقط الصور، كنت حينها في السابعة عشرة. اهتمامي كان منصباً على الأفلام والأسلوب الوثائقي في التصوير الفوتوغرافي، وكل ما له صلة بالناس والحياة من حولي في منطقة هلسنكي. استمررت في التصوير باستخدام الأفلام حتى عام 2007، وقد تخللت مسيرتي سنوات لم أمارس التصوير فيها. ثم اشتريت أول كاميرا رقمية لي من نمط DSLR في عام 2010. وحتى عام 2012 لم أكن قد التقطت الكثير من الصور، إلى أن عدت أدراجي إلى الشمال من جديد، وبدأت ألتقط صور المناظر الطبيعية تحديداً. في بدايات أعوام الألفين، حاولت جاهدةً ولعدة سنوات أن أنتسب إلى معاهد فنية وأحظى بفرصة فيها، ولكنهم لم يسمحوا لي بذلك قط. فما كان مني إلاّ أن واصلت اهتماماتي واتخذت مسارات أخرى في حياتي.
ـ ما هي آلات التصوير التي تستخدمينها؟ وبشكل خاص ما الذي تستخدمينه لتصوير ليالي الخريف؟
ـ حالياً، أستخدم كانون Canon 5D Mk3. ولكني أنتظر لأرى ما هي الإصدارات الجديدة التي ستنزل إلى السوق هذا العام.
ـ ما هو شعورك وقد تمكنت من التقاط الصورة الجميلة لانعكاس كوكب الزهرة على الماء؟
ـ كنت ألتقط الصور طول الليل. كنت منهكة تماماً وقد انتهيت لتوي من التصوير، وأنا أقود السيارة عائدة إلى البيت. ثمة طريق بين بحيرتين، ومن نافذة السيارة أبصرتُ ذلك الوميض المتلألئ المنعكس على صفحة الماء. وكان عليّ حينها بالضبط أن أتوقف لألتقط الصور. كان هذا مثالياً، التوقيت الصحيح في المكان الصحيح. كانت تلك لحظة تحوّل، حين تكون الشمس في طور البزوغ، بينما مايزال في وسعك رؤية النجوم.
إنها لحظة خاصة لا يمكنك الحصول عليها بسهولة. قد يكون في وسعك التقاط موضوعات كهذه إن كنت أكثر اهتماماً بالتصوير الفلكي، وعارفاً بحركات الكواكب ومواعيدها، أما أنا فأرصد تحركات القمر والشمس فحسب.
ـ ما الذي يلهمك في عملك؟
ـ الحياة نفسها. الطبيعة جميلة، وهي مكان من المريح أن يحتوينا ونكون فيه. هناك أيضاً تلك اللحظات السحرية، وفصول السنة التي تختص بمشاعر متنوعة.
ـ كيف تنشئين أعمالك وتعدّلينها؟
ـ حين يكون ذلك ممكناً، فإنني أصوّر دائماً من دون استخدام الحامل ثلاثي القوائم، أستخدمه ليلاً فقط. وأنا أعشق أسلوب الطريق: أشِر ثم صوّر!
في الليل أستخدم الحامل الثلاثي القوائم، ثم أقوم بعدة لقطات تجريبية، ثم آخذ لقطة نهائية. أحبّذ التقاط القليل من الصور ومعايشة تركيبة المكان، بدلاً من التقاط مئات الصور المتشابهة من دون تفكير.
ـ ما هو وقتك المفضل للخروج والتصوير؟
ـ في الشمال لا تتوافر أيام مثالية لتصوير المسطحات المائية والسماء المليئة بالنجوم، ففي الصيف هناك أربع وعشرون ساعة من الشمس، وفي آخر الخريف تكون الأيام طويلة بما يكفي، لذلك فهناك أسابيع قليلة فقط متاحة للتصوير قبل أن تتجمد البحيرات.
ـ ما الذي تمارسينه من أعمال إلى جانب التصوير؟
ـ أعمل موسمياً كطاهية في منتجع وفندق للتزلج.