* ضحى عبدالرؤوف المل
يعالج فيلم (star wars the force awakens) بموضوعية مستقبلية نظرة الإنسان المعاصرة التي تختلف عبر الزمن، إلا انها تتشابه دائما وتعيد الانسان الى القتال اليدوي مهما زادت تطلعاته، ومهما اخترق المجرات او تفوق تقنيا على نفسه. الوفاء، الخيانة، القتل، الحياة، النور، العتمة، تحدي المصاعب، الحصول على بارقة امل لإعادة الابن الضال إلى حضن والديه، وهي منافسة الماضي لتصحيح المستقبل، فهل يمكن هذا؟
رؤية اخراجية ذات نظرة معاصرة في صورة مشهدية خيالية تحتاج لفهم النص العابق بمقاومة الجانب المظلم في النفس وفي الكون، أي ضمن الحروب التي تقضي على كل شيء في الحياة، والتي تحتاج الى مقاومة من نوع خاص مقاومة عقلية بعيدة كل البعد عن العاطفة والانفعالات التي لا يلجأ إليها أصحاب الجانب المظلم.
إلا ان للاختراعات والنماذج في الفيلم من ألبسة وصناعة طائرات، ومركبات ورجال آليين هي وليدة تخيلات النص، وجماله العلمي في قسم منه. اذ يبدو الكاتب “جورج لوكاس” قد وضع نفسه ضمن توازن سينمائي لا يمكن الخروج منه إلا عند العودة الى الإنسان الذي يعجز عن فهم نفسه.
حرب النجوم وصحراء كبرى ورمال توحي بمناطق عربية ربما! هي الامتداد التخيلي لعالم يكتظ بالعشوائيات التي تحارب لتحيا فقط او بالاحرى تعيش لتأكل وتتكاثر حيث تعيش الفتاة المقاتلة، والتي تحمل بذرة المواجهة التي تبحث عنها قوى الظلام لتقضي عليها وتكتمل الحياة بسيادة القوى المظلمة. اذ ربما عليك التفكير في طريقتك قبل ان تبدأ المقاومة تشتد وتكون ضحية النفس الساعية إلى حكم العالم، وهذه الخلاصة في هذا الفيلم مبنية على الحوارات القصيرة التي من شأنها إثارة التخيلات التي يلاحقها المخرج بالمشاهد المركبة فنيا بجمالية سينمائية تتسع معها الصورة، وتترك في النفس جمالية خاصة.
“كانت تدير حجر السقاية هذا لألف عام“ جملة مبنية على تخيلات عديدة وأزمنة غابرة ربما، هي تنبؤات تتخذ أشكالا عديدة للشر، ومخلوقات سريالية غريبة بأبعاد تصويرية وكرتونية ثلاثية الأبعاد مع شخوص استعان بها المخرج للدخول إلى عوالم تخيلية اكثر اتساعا، وبحيلة اخراجية لها جماليتها وتقنيتها، وما بين نبضة النور وقوة الظلام ابن يقود الجبهة القتالية ضد والديه، وما بين المقاومة والاستسلام يتذبذب “فين“ الهارب من النظام الاول الذي يحارب الطقيليات التي يعتبرها مرتدة عن نظامه، ويجب التخلص منها، فهل فيلم المجرات او حرب النجوم هذا يضعنا امام سيناريو مليء بالحيوية والتفكر؟
مشاهد من الطبيعة الخلابة وجريان الماء وسحره بالإضافة الى الفضاء والمجرات أضافها المخرج جاي جاي أبرامز، وأسلوب القتال الجامع بين التقنية والبدائية، وان بدا الفيلم للوهلة الأولى تجاريا، إلا انه يحمل في طياته العودة إلى العصور القديمة بمسمياتها الرمزية كحجر السقاية والنسر المحلق والسيف المضيء و”الانتماء الحقيقي الذي تبحثين عنه ليس في ماضيك بل هو في مستقبلك” فقوة الحياة تتدفق في الانسان الحامل لنطفة الخير والطاقة، وهذا مبني على رؤية كونية جمعها المؤلف مع المخرج، لتكون ضمن مفاهيم سينمائية تخيلية هي في الحقيقة إسقاطات نفسية على أبطال استطاعوا التمييز في ادوارهم حتى تلك الشخوص الثلاثية الابعاد.
الجيداي او الانسان النوراني الباحث عن السلام، والذي يمتلك القدرة على محو الشر ومقاومة قوى الظلام، والنظام النجمي المهيمن على العالم بفكرة الامتلاك الفكرية قبل الواقعية، وان بمحاربة الذهن الذي انحصر بين الاثنين، لتفوز في النهاية “راي“ وتبني العالم بفطرة الإنسان الأول، وإنما بمستقبل نجمي جنح إليه المؤلف، واستطاع اختراقه المخرج بفن مزجه مع ثلاثية الأبعاد والوجوه الكرتونية المثيرة للخيال دون أن ننسى الإنسان وما يحمله من عواطف ومشاعر.
موسيقى تصويرية للمؤلف “جون ويليامز” توازنت مع حركة الصورة وسرعتها وخيال ذهني يقود السمع نحو بصرية الضوء الخاطف او المتقطع ضمن المشهد التركيبي المتلاحم مع الموضوع وفق قدرات تقنية بسيطة جدا ومعقدة في آن واحد، فالمشهد الواحد جمع تقنيات عديدة في منظر واحد عبر خلفيات السيناريو، وتخيلاته والعودة الى حرب النجوم. انما برؤية نسيجية ذات موضوعية في المقاومة، وتحقيق الانتصار الشامل على عدائية الإنسان في الارض والقوى التي يمتلكها، فإما ان تكون مع الخير او مع الشر وقد نجح الفيلم في تحقيق المنطق المفاهيمي لقوى النور والظلام.
_____
*جريدة عُمان