الجانب المظلم من شخصيتي



*بسمة النسور

عزيزي الجانب المظلم من شخصيتي: أعلم، يا صديقي اللدود، أنك إذا اعترضت على ورشة بناء مجاورة، باشرت عملها في وقت مبكر جداً، في مخالفة صريحة لمواعيد العمل وساعاته المصرح بها قانوناً، وقامت بتشغيل آلياتها الثقيلة المزعجة في الرابعة والنصف فجراً، وقبل أن يشقشق الضوء تماماً، فأنت، بدون شك، مشكلجي وكثير غلبة، بحيث لا تكف عن افتعال المشكلات والتدخل في شؤون الآخرين. وبالتالي، تضع نفسك في مواقف ليست لطيفة، معظم الأحيان، مثلما حدث عند بهتّ، ولم تعرف بماذا ترد على مشرف الورشة، المعلم مفتول العضلات بأسنانه الصفراء المتهرئة، حين تحداك قائلاً بعصبية، رداً على تهديدك له باستدعاء الشرطة: “اشمعنى أنت دونا عن خلق الله اللي منزعج؟ هاي الجيرة كلها سامعه وساكتة”. 

صحيح، أيها الجانب المظلم من شخصيتي:عليك أن تعترف أن الرجل الفظ كان محقاً في هذه النقطة بالذات. في الواقع، لم يعترض في الحي بأكمله أحد سواك، وكأنك غير سعيد بالازدهار العمراني الذي تشهده مدينتك لا سمح الله! لماذا لم تقتنع بأسباب المعلم، على الرغم من وجاهتها؟ يا أخي حرام عليك. الدنيا رمضان، وقد أوضح، بكل تهذيب، مدى رأفته وطيبة قلبه، وحرصه على أن ينهي عماله المساكين الصائمون أعمالهم، قبل اشتداد الحرارة. لم يكن هناك أي داع لتخبره أنك لمحت عماله يدخنون، ويتحرشون لفظياً بالعابرات على سبيل تزجية الوقت. قل لي بربك ماذا استفدت سوى كسب مزيد من الأعداء؟ وقد أخفقت تماماً، وخسرت كل أوراقك، حين وصفت الجيران الطيبين بالجبن والسلبية، لمجرد أنهم على النقيض منك: أناس مسالمون، لا يحبون إثارة المشكلات. تذكّر أنك أطلقت عليهم الأوصاف نفسها يوم (الثلجة الكبيرة)، لأنهم لم يتحمسوا لمقترحك بالتعاون معاً، لإزالة أكوام الثلوج عن مداخل البيوت. هم أحرار يا صديقي ( بعدين معك؟). قالوا لك هذه وظيفة أمانة العاصمة. وفي النهاية، ذاب الثلج لوحده من دون مبادرات بطولية منك.
ثم تعال إلى هنا. لماذا تظن نفسك أفضل من الآخرين؟ وتتصرف، طوال الوقت، مثل مصلح اجتماعي، على اعتبار أنك أكثر فهماً ودراية. مثلاً، الناس تعشق الداعية الظريف الذي يسرد نكاتاً، أنت تعتقد أنها عنصرية ومبتذلة، ولا توافق لمحدودية تفكيرك على فتاويه المتعلقة بحرمة انفراد البنت بأبيها، منعاً للفتنة (وأنت مال أهلك؟). ألا تستطيع الاحتفاظ برأيك المستنير لنفسك، بدل انتقاد ذلك العالم الجليل على “فيسبوك” وإثارة هذه الزوبعة الافتراضية من السخط. من ناحية ثانية، ما سبب كل هذا الغضب الذي انتابك، بمجرد أن سمعت عن صفع شاب فتاة في شارع الجامعة؟ بسيطة، لماذا تميل دوماً إلى تعقيد الأمور؟ وجد الشاب الفاضل أن البنت ترتدي لباساً غير محتشم. وبالتالي، ولأننا مجتمع التكافل والتضامن والإخاء، اعتبرها مثل أخته أو من (بقية أهله!). لذلك، قام بتأديبها قليلاً من أجل مصلحتها، فقط لأنها جاهلة وضالة. جرى ذلك على مرأى من جمهور متفرجين، جله من الرجال الأشاوس، تصادف وجودهم في الشارع نفسه، ولم يتدخل أي منهم، كون الشاب حارساً للأخلاق الحميدة، ولعله مندوب الله على الأرض كذلك. 
عادي جداً، أمور كهذه تحدث دائماً، وبسيناريوهات مختلفة. الاعتداء بالضرب ليس أشدها. لذلك، أرجوك، يا صديقي الجانب المظلم من شخصيتي، هششش! لأنك أرهقتني، كفَّ عن حشر أنفك في كل شيء، وتخلَّ عن وهمك المضحك بأنك قادر على إحداث أي تغيير يذكر في هذه البقعة المؤسفة من الكرة الأرضية، ودعنا، يا صاحبي، نتجرع كأس المرار هذا، بصمت مطبق وتام.
______
*العربي الجديد

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *