*كفاح زيني
“على دفاتري المدرسية، على الأشجار، على رمال الجليد، أكتب اسمك: الحرية”، مطلع القصيدة التي كتبها الشاعر الفرنسي بول إيلوار، أوردها المخرج الكندي ديفيد كرونينبيرغ على لسان شخوص فيلمه “خرائط النجوم”؛ شخوصه القتلة، المجانين، مرضى السرطان، ومرتكبي سفاح القربى، لنكون أمام تناقض يستثير معاني جديدة.
الأحرف البيضاء العملاقة على تلة هوليوود، تترك أثرها الرمزي في خيال من يعبر “طريق موهولاند” الواصل إلى المدينة، لترتسم الأضواء والشهرة والحلم في خيال العابر، لكن وراء ذلك في أزقة هذه المدينة، هناك المأساة وحقيقة اغتراب الشخوص.
تصل “أغاثا” ذات الـ18 عاما (ميا واسيكوسكي) إلى هوليوود، عائدة من فلوريدا حيث بقيت في مصحة عقلية لـستة أعوام، نتيجة إحراقها منزل عائلتها واعتدائها جنسيا على أخيها “بنجي” ذي الـ13 عام.
وكون بنجي نجما هوليووديا، فعائلته المكونة من “الدكتور ستافورد” (جون كوزاك)، أخصائي علم النفس ذي الشهرة الواسعة، وزوجته “كريستينا” (أوليفيا ويليامز) يحاولان إبعاد أغاثا عن العائلة منعا لأي حالة تشوّه أو عرقلة لمسيرة النجم الطفل، إلاّ أن هذين الزوجين هما في الأصل أخوان عقدا قرانهما دون معرفة بذلك.
“أغاثا” المشوهة نتيجة حادثة الحريق تعمل لدى إحدى ممثلات هوليوود “هافانا” ذات الخمسين عاما، تقوم بالدور جوليان مور، التي حصلت على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان 2014 عن دورها في هذا الفيلم، وتخضع للعلاج لدى الدكتور ستافورد، نتيجة هلوسات تتعلق بأمها التي كانت إحدى نجمات سينما هوليوود، وماتت حرقا لسبب لم يتم الكشف عنه بشكل مباشر، إلاّ أنه يبدو متعلقا بـ”هافانا”.
تتقاطع رمزيا قصة كل من نجمي الفيلم “هافانا” و”بنجي” اللذين ينتميان إلى جيلين مختلفين، فكلاهما يرى أشباحا ويضيع في الهلوسات، فهافانا ترى شبح أمها، وكذلك بنجي يرى شبح طفلة قضت بالسرطان قد التقى بها قبل وفاتها بأيام في المشفى، إلاّ أن المفارقة تكمن في أن الشبح يتحدث بلغة أخته المشوهة.
النجمان يخوضان تجربة سينمائية تتعلق بحياتهما، فهافانا تقوم بدور في فيلم كانت قد أدّته أمها، وبنجي يؤدي شخصية نجم سينمائي في أحد الأفلام، والاثنان يبرزان صفات هوليوود (الاغتراب، الغرور)، ومصير كليهما تحدده “أغاثا” التي يتقاطع تشوهها الخارجي مع تشوههما الداخلي.
إذ أنها تقتل “هافانا” بعد أن أغرمت بصديقها سائق الليموزين، وتعلن زواجها “الرمزي” على أخيها الذي قتل أحد الممثلين الأطفال في الفيلم الذي يؤديه نتيجة هلوساته، أما أمهما فقد انتحرت حرقا وتوفي والدهما نتيجة هذه الصدمة.
نرى ماضي هافانا يتكرر في عائلة بنجي، كل شيء مُعاد، أشباح الماضي حاضرة دوما والجميع مصيره الموت، إذ أن المأساة تلتهم الشخوص التي تتخبط في معاناتها النفسية، حيث انزاحت إنسانيتها على حساب أدوارها في مجتمع النجوم، وقد تمّ حذف كل رغبة داخلية وكل تفصيل حياتي على حساب تكوين أيقونات تلائم عالم البريق في هوليوود.
شخصيات الفيلم الذي كتبه “بروس واغنر” كل أفعالها كانت في سبيل الحفاظ على بريقها على حساب الداخل المتعفن، في تقاطع مدهش مع مدينة هوليوود اللامعة التي تخفي المأساة داخلها.
شخوص الفيلم البراقة تمارس القتل وسفاح القربى -ولو كان مجازيا-، هي شرّ خالص وتعيش في عالم لا يعرف سوى الشر، فكل دوافعها توحدت في سبيل الحفاظ على المكانة، وكل شيء مبرر في سبيل ذلك، لتسجن في أمراضها النفسية، ولتموت بالتالي حرية التعبير عن دوافعها الإنسانية، هذه الحرية التي تردّدت على لسان “أغاثا” طيلة الفيلم.
عام 2001 شارك المخرج الأميركي ديفيد لينش بفيلمه “طريق موهولاند” في مهرجان كان، وكان الفيلم عن هوليوود المتعفنة من الداخل، وهو يروي قصة فتاتين تحلمان بالشهرة، جاءتا إلى أرض الميعاد “هوليوود” لتحقيق ذلك، إلاّ أنهما لم تحققا الشهرة وسقطتا في فخ هوليوود، لتتضح معالم المدينة المليئة بالشر والقتل وصراع الديوك.
ربما يتقاطع فيلم “خرائط النجوم” مع الفيلم السابق، خاصة أن الفيلمين من نوعية “السايكو”، إلاّ أن كرونينبيرغ لم يصور أفرادا أرادوا المجد فقتلوا، بل صور أفرادا نالوا المجد وماتوا أثناء سعيهم للحفاظ عليه.
______
*العرب