*شادي الأيوبي
أمام أحد أكشاك العاصمة اليونانية أثينا، وقف شاب ثلاثيني ليسأل عن نسخة من صحيفة “تو فيما” التي تصدر بنسخة ورقية خلال عطلة نهاية الأسبوع، اختار الشاب الصحيفة التي وزّعت نسخة قديمة من الترجمات اليونانية للقرآن مع طبعتها، وذلك ضمن سلسلة كتب عن الأديان والفلسفات.
مسؤول التسويق في الصحيفة، ج. ريغاس، أوضح في حديث إلى “العربي الجديد” أن مبيعات الصحيفة شهدت ارتفاعاً جيداً مع رغبة كثيرين في اقتناء النسخة المترجمة من القرآن، مضيفاً أن “هناك اهتمام ملحوظ بالترجمة، لكن نحتاج إلى عدة أيام لنعرف نسبة الزيادة بالضبط”.
المتخصّص في حركة الاستشراق اليوناني جهاد خليل والمشرف على تصحيح إحدى ترجمات القرآن، يقول إن هناك أكثر من ترجمة وأهمها ترجمة بنداكيس التي نشرت للمرة الأولى عام 1878، وأعيد نشرها عدة مرات قبل أن يضع لها الباحث ألكساندروس كاريوتوغلو مقدّمة في علوم القرآن في النسخة التي ظهرت في العام 1994 وأعيد طبعها في 1995.
يضيف خليل لـ “العربي الجديد” أن ثمة ترجمات أخرى مثل ترجمة ميناس زوغرافو – مارانغو التي نشرتها دار النشر “دارما” عام 1969 من دون النص العربي، إضافة إلى ترجمة تمّت بتمويل من رجل الأعمال اليوناني إيوانيس لاتسيس، وقد قام بإنجازها أساتذة من جامعة الأزهر عام 1978 ثم صدرت عام 1987.
ويقول إن هناك ترجمة قامت بها لينا ميليلي عام 1980 وصدرت بطبعات مختلفة عن دار “كاكتوس” للنشر، كما نشرت المترجمة اليونانية بيرسا كوموتسي نسخة عام 2002 مستندة فيها إلى الترجمة الإنجليزية التي قام بها مارمادوك بيكتهال، مع غياب ترقيم الآيات والنص العربي في الترجمة اليونانية.
ويكمل خليل أن ثمة ترجمة كذلك للورنس آرنج، وهي مستندة إلى ترجمة إنجليزية أيضاً، وطبعت في أميركا عام 1998.
في الحقيقة إن ترجمات القرآن إلى اللغة اليونانية موضوع جدير بالدراسة من عدة نواح. فهي من أهم أدوات المجتمع اليوناني، أو المهتمين تحديداً، لفهم الدين الإسلامي. في المقابل تعد الثغرات والأخطاء التي تحويها تلك الترجمات من أهمّ النقاط التي يستند إليها مهاجمو الإسلام، كما يستخدمها جميع من يقدّمون أنفسهم بألقاب مثل “خبير في الشؤون الإسلامية”.
تحتوي حواشي تلك الترجمات والشروحات القليلة التي ترافقها، نقاطاً خارجة عن نطاق النص المترجَم، وهي توضح للقارئ نظرة العقلية اليونانية – الأرثوذوكسية للنص القرآني والتاريخ الإسلامي والعلاقات بين الإسلام والأرثوذوكسية من ناحية التاريخ والجدلية الدينية.
كما تحتوي الترجمات مغالطات ونقاط سوء فهم، هي التي تحتويها عموماً الترجمات الغربية للقرآن. مثلاً، تذكر مقدّمة ترجمة دار “كاكتوس” للنشر الصادرة عام 2002 أن النبي محمداً كان مطلعاً على الديانات السابقة وأنه تأثر برافضي الوثنية الذين انصرفوا إلى حياة التبتل والرهبنة.
هذا الكلام يعني شرح الرسالة الإسلامية بمنطق رد الفعل على الوثنية الطاغية على الجزيرة العربية آنذاك. وهذا الفهم ليس بعيداً عن الفهم الغربي الحديث للديانات التوحيدية وغير التوحيدية التي تعتبرها فئات واسعة في الغرب ديانات شرقية. فهناك من يعتنق الإسلام أو فلسفات مثل البوذية، نفوراً من المدنية الحديثة وطغيان ماديتها.
إضافة إلى ذلك، تحوي الترجمات مغالطات يمكن تسميتها بالمحلية، أي إدخال الفهم الأرثوذوكسي للنص القرآني وإدخال اليونانيين الأرثوذوكس -بطريقة ما- في تفسير الآيات القرآنية. فمن المثير للاهتمام أن فئات واسعة من اليونانيين تعتبر أنهم المقصودون في بعض آيات القرآن الكريم، مثل قوله تعالى “ألم. غلبت الروم. وهم من بعد غلبهم سيغلبون”. وقد بنى بعضهم على هذا التفسير الخاص، الكثير من الآمال والنبؤات الجامحة التي تصل حتى آمالهم باسترداد الأراضي التي خسرتها الإمبراطورية البيزنطية في المشرق وغيره، وذلك “بشهادة كتاب المسلمين”، وفقاً لزعمهم.
كذلك يُلاحظ أن المترجمين اليونانيين لم يستعينوا بأي مسلم أو حتى مختصّ بالأديان، في معظم هذه الترجمات -باستثناء ترجمة ماريانا لاتسيس- مستعينين بمستشرق غربي بدلاً من مخاطبة مختص مسلم ينقل إلى القارئ الغربي معلومات مختلفة عن تلك التي يروّجها المستشرقون والغربيون المختصون بشؤون الدين الإسلامي.
ومع كل هذه التعقيدات، لن تجد في اليونان إلى اليوم ترجمة إسلامية خالصة للقرآن تحتوي شروحات وافية للنص ومناسبته، وتشرح غريب الكلمات بطريقة يفهمها القارئ اليوناني.
______
*العربي الجديد