إلهام الجمال
هو مصري من طراز خاص.. صاحب عقل راجح ولسان لاذع ومواهب متعددة.. استطاع أن يحفر اسمه في ذاكرة التاريخ المصري كمسرحي متميز وصحفي متفرد..
إنه اليهودي المصري يعقوب صنوع..
يعقوب هو الابن الخامس لوالدين يهوديين، اختلفت الآراء حول أصلهما فبعض المصادر تؤكد أنهما سوريان والأخرى تؤكد أن والده أوروبي وأمه مصرية.
ولد يعقوب في عام 1839، وتقول الروايات أنه قد مات لوالديه من قبله أربعة أبناء. لذلك عندما حملت أمه فيه ذهبت إلى مسجد الشعراني ليدعو لها أن يحفظ جنينها، فبشرها بأن الله سيحفظه وأنه سيكون ولداً وأنها إن أرادت أن يعيش يجب أن تهبه لخدمة الإسلام والمسلمين، لذلك دفعه والداه اليهوديان إلى تعلم القرآن، بالإضافة إلى التوراة والإنجيل.
درس يعقوب الفنون والآداب في إيطاليا سنة 1853، ثم عاد في سنة 1855 ليعمل مدرساً لأبناء الخديوي يُدرِّس لهم اللغات والعلوم الأوروبية والتصوير والموسيقى.
فتن يعقوب بالمسرح وألف مسرحيات عدة انتقد فيها الأوضاع المصرية آنذاك، وأسس فرقة مسرحية كانت من أهم الفرق التي أسست لحركة المسرح المصري.
لم يكتف يعقوب صنوع بالمسرح كوسيلة للنقد والسعي نحو التغيير، لكنه أدرك أيضا قيمة الصحافة ودورها في التنوير، فأسس أهم الصحف وأشهرها وأوسعها انتشارا في تلك الفترة، وهي صحيفة “أبو نضارة زرقا” التي صدر العدد الأول منها في 21 مارس عام 1877، والتي تعد أول صحيفة كاريكاتيرية هزلية مصرية، ويذكر أن يعقوب صنوع كتب على صدرها أنها صحيفة أسبوعية أدبية علمية بها محاورات ظريفة ونوادر لطيفة، وفوائد مفيدة، ومقالات فريدة، وقصائد عجيبة، وأدوار غريبة.
ولأن يعقوب واصل عبر صفحاتها نقد الخديوي إسماعيل وسياساته، لم يستطع الخديوي أن يتحملها طويلاً، فقرر نفيه من مصر في عام1878. ليذهب يعقوب إلى باريس ويقضي ما تبقى من حياته بها.
إلا أن النفي لم يؤثر في مسيرته الصحفية، فأصدر من منفاه العديد من الصحف منها جريدة النظارات المصرية، وأبو زمارة، وأبو صفارة، والحاوي، وأبو نضارة لسان حال الأمة المصرية الحرة، والتودد، والمنصف، وأخيراً جريدة الأمة الإسلامية والتي صدرت بالفرنسية حيث كانت موجهة للقراء داخل فرنسا.
ومن الملفت للانتباه أن صحف يعقوب التي أصدرها في المنفى كانت تهرب إلى مصر، حتى أن الزعيم الوطني المصري أحمد عرابي كتب إلى يعقوب صنوع في عام 1884 رسالة قال له فيها:
أعترف أنك كنت أول من تعاطف مع الأمة العربية، لأنك كافحت من أجل قضية الحرية ثماني سنوات، وقد كانت صحيفتاك الحاوي وأبو نضارة زرقا أهم عون لي في نداء الأمة ونشر أفكار الحرية بين القاصي والداني، أكرمك الله باسم الأمة. توفي يعقوب في أكتوبر 1912 تاركا خلفه أرشيفا صحفياً يؤكد أنه عاش ومات مهموماً بقضايا هذا الوطن.
ــــ
* أرشيف مصر.