*فيصل خرتش
يعالج كتاب «المخطوط العربي»، لمؤلفه خالد إياد الطباع كلّ ما يتعلق بموضوع الخط، من حيث تاريخ نشوئه وانتشاره وتطوره. إذ اعتنى النساخ في القرون الهجرية الأولى بوضع قواعد للمخطوط، ولمّا كثر عددها وتنوّعت أشكالها وتداخلت وتشابهت، ظهرت الحاجة إلى تركيز أنواعها، والاقتصار على أوضحها وأجملها، واستخلصت أنواعاً ستة، منها:
الثلث والنسخ والتواقيع والريحان والمحقق والرقاع، وكانت تستعمل في دواوين الإنشاء، وعُرفت أربعة أنواع من الخط المغربي، واقترحت التسميات التالية لها: قيرواني – أندلسي – فاسي – سوداني. ويشير الكتاب إلى أنه مرّ فن التجليد في مراحل عدة، واستعمل المجلدون في أوّل الأمر لوحين من الخشب جمعت بينهما أجزاء من القرآن الكريم أو بعضها..
وفي العصر الأموي أحدثت بعض التطورات، وصلت إلينا صفحات رقّ متفرقة من القرآن الكريم تعود إلى القرنين الأوّل والثاني للهجرة، وهي قريبة إلى المربّع، وبعضها يميل إلى الامتداد عرضاً، وهي مغلقة بلوحات من الخشب طعمت بقطع من العظم والعاج، أو غلفت بالقماش أو الجلد.
يلفت الكتاب إلى أنه تنوّع إنتاج الورق في العالم الإسلامي، وبدأت رحلة صناعته من سمرقند، وعُرفت منه أنواع مختلفة وأفضل الورق ما كان ناصع البياض صقيلاً، والظهور الأول للورق كان أيام الخليفة معاوية بن أبي سفيان، ثم كثر اشتغال العرب بصنعه في زمن الخليفة هارون الرشيد، وكانت الورقة تسمى بـ «الطومار».
عادة ما تكون صناعة المداد من المواد الأولية المتوافرة في البيئة التي تحدث فيها عملية النسخ، وتعرّف التعقيبة بأنها الكلمات التي تثبت في آخر صفحة، لتدل على أوّل كلمة في الصفحة التالية. القادمة..
وبدأت بالظهور في مخطوطات مؤرخة في القرن السادس الهجري، وأمّا ترقيم المخطوطات فالظاهر أنه بدأ في نهاية القرن الخامس الهجري، وجرت عادة النساخ على ذكر أسمائهم وتدوينها في آخر المخطوط، فيقولون: «نسخه فلان بن فلان بخطه». ويعدّ مكان النسخ أحد العلامات التقريبية لعمر المخطوط، إضافة إلى ذلك فإنه يقيد مكان النسخ في مدرسة أو مسجد أو جامع أو زاوية أو رباط، ونحو ذلك؛ فيمكن معرفة إنشاء هذه المشيدات من كتب الخطط والآثار.
إنّ شيوع التزيين في المصاحف وكتابتها بماء الذهب، بدأ في إطلالة العصر العباسي، واكتمل هذا الفن قبل نهاية القرن الثاني، ومن الدلائل الواضحة على ذلك أن الخليفة المأمون أهدى إلى مسجد «مشهد» مصحفاً مكتوباً بماء الذهب على ورق أزرق داكن.
والمؤلف هو المسؤول الأوّل عن مادة الكتاب ومحتواه، والموضوع الذي يتناوله المصنّف يساعدنا على معرفة مؤلفه إذا حصرنا العصر الذي أُلف فيه، وتعدّ تقييدات الوقف، إحدى أمارات دلائل تقدير عمر المخطوط ومكان نسخه، إذ يحدد على المخطوط مكان الوقف وتاريخه، فيكتب عليه أنّه وقف لمسجد كذا، أو لمدرسة كذا، أو حبس لجامع كذا، ولفظة «حبس» كثيرة الاستعمال في المخطوطات المغربية.
والتزوير والانتحال من الأمور الشائعة في علم المخطوطات، واشتركت فيها الفئات التالية: المؤلفون – الوراقون – المجلدون – النساخ – الملاك – تجار المخطوطات – المحققون – الرسامون. وأشهر الطرق المتبعّة في ذلك: التزوير بواسطة المحو والإضافة – تفكيك المخطوطة لاستبعاد بعض أوراقها ووضع أوراق أخرى..
ثم تجليدها تجليداً مستقلاً – إزالة الأختام الخاصة بالوقف وطمس اسم الناسخ – التزييف بالنقل المباشر مثل التزييف بتقليد الخط أو الرسوم أو الزخرفة – التزييف بالنقل غير المباشر، مثل التزييف بالكربون، ويكون باستخدام قطعة من ورق الكربون فوق الورقة المراد استخدامها.. ثم إمرار القلم عليها فتظهر المعلومة على الورقة، ثم يعيد المزور على المعلومة التي ظهرت من الكربون، التزييف بطريقة الضغط، ويكون بوضع المزور الأنموذج الصحيح الذي يريد النقل منه على الورقة المراد استخدامها، ثم يضغط بقلمه، فيحصل بالورقة السفلى على صورة الضغط لهذا الأصل.
وهناك أيضاً: التزييف بقلم الرصاص، ويكون باستعمال قلم طرّي منه، ثم يعمد إلى الورقة المخطوطة فيمر على ظهر المعلومة مرات عدّة بالقلم، وعقبها يمرّ المزور على المعلومة المراد نقلها بقلم حبر، ثم يستعمل الممحاة لمحو آثار الرصاص، التزييف بالبيض.
ويكون بضغط البيضة المسلوقة على الورقة المراد تزييفها فينطبع الرسم نفسه عليها، التزييف بالجلاتين، بوضع الورقة التي تحمل الأنموذج الصحيح، وتوضع قطعة من الجلاتين عليها، فتطبع عليها الكتابة المراد نقلها، التزييف بالشف بقلم الرصاص، ويكون بشف المعلومة المراد نقلها بقلم الرصاص.. ثم يعاد عليها بالحبر ثم يمحى أثر الرصاص، التزييف بالزنكوغراف، ويكون بالحصول على صورة سلبية للأنموذج الأصلي، ثم نقل هذه الصورة إلى كليشة زنك، فيطبع بها على الورق.
وكلّ هذه الأعمال تكون لأسباب دينية أو تحصيل مادي أو خطأ أو جهل. وفي الكتاب جدول تاريخي لدلائل تقدير عمر المخطوط ونوع الخط ومكان نسخه وتجليده وزخرفته وتذهيبه وتصويره، وفيه أيضاً معجم لأنواع الورق وقطوعه، وعددها الكاتب وسماها بـ 67 نوعاً.
_____
*البيان