*آماليا داود
خاص ( ثقافات )
يؤسس الكاتب التونسي وليد سليمان، في مجموعته القصصية ” كوابيس مرحة “، منشورات وليدوف 2016، علاقته مع القارئ إن ” القصص عقد ضمني بين القارئ والراوي “ص 49، ويكتب لها نموذج عقد قانوني يلزم كل من القارئ والكاتب ” بالنظر إلى النص بكل ما يتطلبه من الجدية “ص51، ويضيف أن هذا العقد ممكن ، لكنه كمحاول ” النقاد والمنظرين ” لسجن فن القصّ في قوالب جاهزة وآليات ، و” يبتعد عن غايته الأساسية التي هي الإبداع “ص52.
كوابيس مرحة من وحي عالم ادجار آلان بوالذي دعا إلى التحرر في الكتابة ليصل الإنسان إلى درجة من الترفع ليبنى عليها مدخلاً للوهم أوللتذكر ، وأغلب قصص وليد سليمان تنتهي نهاية واضحة أورمزية ، لتفتح لعقل القارئ مجالاً للتساؤل والتفكير ، فهذه القصص ليست من النوع الذي يفرض عليك أفكارها ، بل من النوع الذي يجعلك قادراً على التحليق منها لعوالم أخرى .
قصص وليد سليمان تخرج عن النمط التقليدي للقصص ، برؤيا ساخرة للواقع ، باحثة عن الحلم حتى لوكان كابوساً مرحاً ، وبخفة من يعلم كيف يتقن فن تمرده على القوالب ، فالكوابيس تتراوح بين الأساطير والكوابيس والواقع ، وتتداخل مع معادلات رياضية وشخصيات متمردة على القاص ، وقصص مستوحاة من واقع المواطن التونسي ، والوضع السياسي لتونس ، مثل قصة : حكومة الأنوف الطويلة ، وزارة الشؤون الميتافيزيقية ، جزاء الاغتصاب ، وسيلفي مع إرهابي والعجوز والشرطي ، وكلنا عقيل ، وكلها قصص تعالج الوضع في تونس بقلم ساخر ، مقتضب وبصورة رمزية أحياناً لكن بطريقة مبتكرة لروي الأحداث ، وكأنها من ضمن تلك الكوابيس التي تزور الكاتب وهونائم ، لكن تلك الكوابيس يراها وهومستيقظ ، ويحاول السخرية منها بنفس الطريقة .
وفي قصته “حوار في مقبرة” الذي ينتهي بخطاب يوجهه لسان القاص بالسخرية اللازمة لانتقاد وضع ليس فقط تونس ، إنما معظم البلاد العربية ، التي تشجع شعوبها على الكآبة والموت ، وتقصر في واجباتها تجاه المواطنين ما عدا واجب الدفن .
وفي قصة أخرى ” كلنا عقيل ” استخدم أيضا وليد سليمان الأبطال من عالم الحيوانات ، كالكلب عقيل الذي كان المنقذ البطل لمنع حصول هجمة إرهابية ثانية ،بينما ضجت كل مواقع التواصل بمصطلح كلنا عقيل دون معرفة حقيقية من هوعقيل ليظهر آخر الأمر أنه كلب.
في قصة ” نزهة بحرية ” ، استطاع الكاتب أن يرسم رمزية بحث الإنسان عن النجاة ، من خلال قصة سائح وصاحب الزورق المثقوب ، الذي يطمئنه أن باخرة لا بد ستنقذهم ، وعندما يرى السائح الباخرة يرى كلمة تايتنك مكتوبة عليها .
وعن قصة الشخصيات المتمردة ، شخصيات الرواية التي يحق لها أن تتمرد على خالقها ، ويصرح الكاتب لتلك الحالة بإمكانيتان واحد منهما تقترح أن الكاتب أصبح مختلاً عقلياً ويجب على الشخصية الروائية أن تبلغ السلطات عنه ، والثانية تقترح على الكاتب أن يقدم بلاغاً ضد شخصياته ،وفي نهاية القصة يقول :” بالحكمة وحدها نستطيع ان نواجه هذا النوع من الكوارث اللاطبيعية .” ص 80
العوالم التي قدمها وليد سليمان عوالم رشيقة بلغة سردية مشوقة وسلسة ، وعلى تلك الكوابيس أن تكون مرحة بخفتها التي تنتقد الأشياء ، الصغيرة والكبيرة ، التي تمس حياتنا والتي تمس أحلامنا ، والقلق الموحي بزواله أو على الأقل انتقاده لأجل متعة الهروب من الكابوس .