أسئلة النّص، أسئلة الكتابة.. في إبداعات أحلام مستغانمي



*محمد المحسن


خاص ( ثقافات )
(-عـابر سرير- رواية تستضيف قلق الاسئلة المستعصية..)
تصدير : 
” الرواية هي الكتاب الوحيد المضيء عن الحياة، إنها تساعدك على ألا تكون ميتا في الحياة. وهي توازنك ضد رياح الدمار التي تهب عليك من كل الجهات” .
(د-هـ-لورنس)
إذا أردنا أن نمارس قراءة نقدية-تصنيفية تبحث في آليات اشتغال اللغة الواصفة، انطلاقا من التراكم الحاصل في الخطاب النقدي العربي المعاصر الذي يشتغل حول النصوص الإبداعية المتداولة في الوقت الراهن، فإننا لن نبتعد عن جادة الافتراض والتصور بأنه تراكم لا يخرج عن ثلاثة إمكانات: الإمكان الأول ويراهن أصحابه ورواده على تأسيس نوع من القراءة النصية التي تبحث في تمظهرات واشتغال النصوص من منظور التصورات الشكلية، وتمتد صيغ هذا الإمكان من حالة الكشف عن البنيات النصية إلى حالة البنيات الرمزية بالنسبة إلى منطق اشتغال المتخيل ومنظوماته في مراوحتها بين اللغة والايحاء والترميز. أما الإمكان الثاني فتتجه ممارسات أصحابه نحو ملاحقة الكتابة من حيث هي ممارسة ابداعية جمالية ذات حمولات معرفية وإشكالية بالنسبة إلى خصوصية الخلفية العامة لهذه الكتابة في علاقتها بالأدب وتكون الأجناس الأدبية من منظور الخرق والانزياح والتحولات والامتدادات. بينما يتجه الامكان الثالث إلى التركيز على أسئلة الذات والمجتمع من خلال النص والكتابة في علائقهما المتبادلة مع الرؤيات والاديولوجية بكل معانيها المحايثة.
إن هذا التمييز/التصنيف الذي نذهب إلى افتراضه وتصوره هنا، لا يعني أن هذه الإمكانات الثلاث قائمة بالفعل في كل مسار نقدي عربي معاصر، أو يعني أنه واجب بالضرورة، خاصة بالنسبة إلى كل تجربة نقدية على حدة، وإنما أقمناه في أفق استراتيجية محاولة توصيف الممارسات النقدية القائمة لنسعى من وراء ذلك إلى محاولة إيجاد نهج يوحد بين أسئلة النص وأسئلة الكتابة وأسئلة الذات والمجتمع. ذلك أن أي مشروع إبداعي –في تقديرنا الخاص- لا يخرج عن هذه الأقانيم الثلاثة، فالكاتب (أي كاتب) يقترح نصوصه على المتلقي “القارئ/الناقد”) من خلال أسئلته الخاصة حول الأدب ومن خلال رهان الكتابة ووظائفها، إلى جانب أنه ذات تنشد إلى المجتمع وتنشد البحث عن وعيها الممكن به .
بناءا على هاتين القناعتين المذكورتين يمكن مقاربة رواية (عابر سرير) للكاتبة الجزائرية -أحلام مستغانمي- وقبل محاولة الولوج إلى الكون المتخيل فيها ومحاولة تجميع بعض القضايا التي يؤطرها النص وتكشف عنها لعبة الكتابة ذاتيا ومجتمعيا، لابد من الإشارة إلى منطلقين أساسيين في هذه المقاربة وهما: 
أولا: لا يمكن أن ندرك حقيقة هذا الكتاب بمعزل عن كتابات (أحلام مستغانمي) ومن هذا المنظور يمكن تصور “شعرية نصية عامة” لمجمل الكتابات على ضوء الخصوصية والقراءة اللتين تقيمهما كتجربة خاصة، أولا كممارسة للكتابة الصحفية وثانيا كروائية.. ونطرح هذا ونحن مقتنعون بالتقاطعات والتداخلات التي نتصور أنها واردة بين كل هذه المستويات على مستوى النص والكتابة، وعلى مستوى الذات والمجتمع إلى حد المراهنة على إمكان تصور قراءة تناصية (lecture intertesctuelle) بين كل نصوص (أحلام مستغانمي) على امتداد ما يقارب عقد من الزمن. ولعل ما سيعيننا على هذه القراءة وهذه الشعرية النصية، اطلاعنا على ثنائيتها الروائية: “ذاكرة الجسد” 1993 و”فوضى الحواس” 1998 .
ثانيا: إن “قراءة” المتن الابداعي لدى (أحلام مستغانمي) تمثل في تقديرنا -بالمعنى التقكيكي الذي نخلعه على مفهوم القراءة- أفقا للتساؤل حول خصوصية ما يسمى الكتابة لدى المرأة العربية، ليس من منظور العزل والمفاضلة بين أدب الرجال/كتابة الرجل وبين أدب النساء/كتابة المرأة بالشكل التعسفي المتداول في التقد والتنظير التقليديين لهذا الأفق، وإنما من منظور القراءة الحفرية الخاصة برصد ممكنات المتخيل والرمز والتباعد والتأطير والمجازات الأخرى التي تؤسسها (أحلام مستغانمي) بالمقارنة مع كاتبات وكتاب عرب آخرين .
فما هي –انطلاقا من كل ما أشرنا إليه وأثرناه- خصائص ومميزات “عابر سرير” داخل هذه الشعرية النصية المطروحة ؟ وما هي تعالقات هذه الخصائص والمميزات مع النصوص الأخرى لدى (هذه الكاتبة) ؟
قبل الاجابة عن هذين التساؤلين وسواهما مما قد تثيره القراءة التقكيكية للنصوص في حد ذاتها تنبغي الإشارة – انطلاقا من التصورات التي طرحناها في بداية هذه المقاربة- إلى أن أسئلة النص وأسئلة الكتابة ثم أسئلة الذات والمجتمع في المتن الإبداعي لدى (أحلام مستغانمي) أسئلة متعددة، ومنها أسئلة هذه الكتابة كميثاق استطيقي تشكلي يفترض الانطلاق من النموذح العام الذي تقيمه النصوص داخل سيرورة الأدب العربي المعاصر والإنطلاق في نفس الوقت من النموذج الخاص بالنسبة إلى سيرورة التوزع بين ممارسة الكتابة الإبداعية في مختلف تجلياتها وكتابة الرواية بالتحديد. ولعل أبرز ما يعمق الإحساس بوجود خصوصية وقراءة في هذا السياق هو نمط العوالم الممكنة التي تشيد بكل رموزها وعلاماتها ومؤشراتها خاصة منها بنية الشخصية المحورية (خالد بن طوبال) التي ما فتئت –تتناسل- في ثنايا المجموعة كاملة. وإذا كانت رواية “فوضى الحواس” تبدو نصوصا متقطعة في الظاهر لاسيما وأنها تختزل ملفوظات تتكرر في شكل عناوين لفصول الرواية: طبعا .. حتى .. دوما .. قطعا .. ذلك لأنها تراهن على إمكان “القص” كميثاق استطيقي، إلا أنها في الجوهر نص سردي متوحد باعتبار النبرة الخاصة في تشكل الشخوص وهي تتماوج بين خطابات المؤلف (المؤلفة)، وخطابات السارد وخطابات المتلفظ و/أو خطابات “المتكلم” (بالمعنى الباختيني) وبين ممكنات تلقي المسرود له الذي يشترك في عمليات التخيل والانخراط . ومن ثم تنهض رغبة الكتابة (رغبة الكاتبة) ورغبة القارئ – المتلقي علائق اتطولوجية حول الذات، حول المرأة/الرجل، حول “العالم العربي” إلى حد أن الملفوظ في “ذاكرة الجسد” مثلا يتحول إلى ملفوظ متراكب بقدر ما تجمع بين صوت المؤلفة وهي تستدرج السير الذاتي والتسجيلي، بقدر ما تتلاشى نبرة الواقعية لصالح متخيل بلا ضفاف. ويقود مثل هذا التراكيب الى قيام نمط من عمليات التشاكل التى تفرز البنيات النصية، وعمليات أخرى للتماثل تترتب عنها بنيات رؤيوية أساسها الاقصاء والعزلة والتمزق والأسى. وهي بنيات تغلف فضاءات الرواية المذكورة بكل تداعياتها، كما توجه البرنامج السردي وتتحكم في سلوك الشخصيات التي تؤول من جهتها الى مرجعية شبه سير ذاتية وتسجيلية بدورها رغم الطابع التخيلي والتخييلي، وتتأكد مثل هذه الفرضية في بعض ملامحها عندما نراهن على تقريب حمولة الملفوض الحكائي من “لغة” (ملفوظ) الكاتبة التي تتخذ في أغلب الأحيان نبرة درامية وماسوية مشبعة بالفجيعة خاصة عندما تنشد هذه المرجعية المذكورة الى- حرب- لبنان كذاكرة محفزة: 
في كل معركة كان لك جثة. في كل مذبحة تركت قبرا مجهولا. وها أنت ذا تواصل بموتك منطق الأشياء. فلا شيء كان في انتظارك غير قطار الموت. هنالك من أخذ قطار تل الزعتر، وهناك من أخذ قطار (بيروت 82) أو قطار صبرا وشاتيلا… وهناك من هنا أو هناك، مازال ينتظر رحلته الأخيرة في مخيم أو في بقايا بيت.. ( ذاكرة الجسد ص 250) 
لعبة الاختفاء والأنكشاف… من خلال ايحائية العنوان: 
تكمن ايحائية العنوان عندما تقرن التساؤل الفلسفي- الأنطولوجي حول الكتابة بتساؤلات أخرى يتخذ بعضها طابعا استطيقيا على مستوى تشكل النص وتشكلات الخطاب والملفوظ فيه، ويتخذ بعضها طابعا اشكاليا يقف عند حدود الميثاق التشاكلي و بقية المواثيق الأخرى التي (قد) تنبثق من منضومة كل النصوص، ومن تلك الأسئلة: عن أي “سرير” تتحدث رواية”عابر سرير”؟ إن أبرز مكون يستبد بهذه الرواية هو ممكن التردد والتوتر بين لحظة القول رمزيا ولحظة البوح بالفعل كذات متعالية. ومن ثم يتأسس صراع عنيف بين المسكوت عنه والمباح الى حد الأنخراط في جدلية تصاغ من خلالها ثنائية الإختفاء والإنكشاف (الخفاء والتجلي)، بين أن تتكلم الذوات أو تلجأ الى الصمت، الى السكوت الإرادي المبعد، بين أن تختار الذوات الاعتراف، أو أن تبايع –تآسيا- نفيها الذاتي. وهكذا تتحول رواية “عابر سرير” إلى نص مطارد لا يقر له قرار، ويتوزع بين ذوات مختلفة تشترك كلها في العزلة على هامش نصوص أخرى هي “نصوص” المجتمع والحياة و”نصوص” المؤسسات الرمزية التي تجنح لمحاصرة الذوات ومحاصرة “الكلام” وهذا يعني أن –المسكوت عنه- في “عابر سرير” هو سلطة ايهامية تتخذ عبره الكتابة لدى –أحلام مستغانمي- طابع لحظة اقتناص لمن يريد أن “يتكلم” لغة أخرى غير لغة المهادنة، ولحظة اقتناص لمن “حرم لذة القول” لذلك يتحول الصوت السردي في تضاعيف “اللغة” المباشرة للرواية (اللغة الأدبية) الى صوت مضاعف (double ) يروي عن طريق استدعاء ( من طرف الساردة) لصوت يحكـــى (صوت الشخصية) كل ذلك من من أجل تغييب سلطة الواقع المترجرج. 
إن الأمر يتعلق- في تقديري- بلعبة أشبه ما تكون بالثنيات ( أو الطيات) plis le التي تتجلى في شكل أصوات “تقول” (أحيانا تصرخ وأخرى تبوح ومرة ثالثة تعارض أو تدين) وقد تلتصق مع استعارة أخرى هي الأيقاع عن طريق شرك القص والحكي، فيبرز صوت “الكاتبة” الذي يواجه كائناته المتوزعة بين الواقع والمتخيل قائلا: “بح بما يمور في داخلك ولا تخف” ولعل هذه الأستعارة هي التي قد تجعل عنوان الرواية يستضيف عنوانا آخر متفرعا عنه (فرعيا له) هو “حكايات في الحب”. ومن ثم نستعيد كمتلقين لكتابة ( أحلام مستغانمي) في هذه الرواية صورة (شهرزاد) التي تحكي من اجل ألا تموت (أو تؤجل على الأقل موت مثيلاتها على يد-السياف- القابع خلف الباب، كل باب، بما في ذلك أبواب ” الرواية”.
المسكوت عنه في رواية -عابر سرير- ميثاق مشترك بين صوت “الكاتبة” و”أصوات” شخصياتها. فهي الشخصيات- لا تتكلم- الا بعد أن يؤذن لها بالكلام، وعندما تقول هذه الشخصيات “الأصوات” الذي لا يقال (…) تغلق الكاتبة الباب أو تفتحه بمقدار، وتلغى جلسة (مسافات) الأعتراف وتحتفظ لنفسها بالسر، وقد تقيم جلسة أخرى مع شخصية أخرى في مشهد آخر، من يستدعي من؟ من يحاصر من؟ ثم انه- الصمت ميثاق للحفريات في “الذي يقال” كل المشاعر التي تستنجد بالبوح هي مشاعر نصف كاذبة. إن خدش حميمية الآخر لا تتأتى الا بالتعري الدميم للبوح. هذا كلام تعلمته منك في ذلك الزمن البعيد أيام كنت استجدي منك اعترافا بحبي فتجيب: “أي طبق شهي للبوح لا يخلو من توابل الرياء. وحده الصمت هو الشيء العاري الذي يخلو من الكذب” عابر سرير ص 192. 
… يؤليمني انك مازلت لا تعي كم أنا جاهزة لأدفع مقابل لقاء معك. عيون زوجي مبثوثة في كل مكان… وأنا أجلس اليك في مقهى غير معنية ان مت بسببك في حادث حب. أنا التي لم أمت بعد، فلكوني عدلت عن الحب و تخليت عن الكتابة. الشبهتان اللتان لم يغفرهما لي زوجي. نفس المرجع ص 191. 
“الصوت” الذي يتحدث في المقطع الأول هو صوت شهرزادي قبل أن تقع شخصيته (شخصيتها) في قبضة السياف (أو قبضة شهريار) الذي سيمارس عليها –اكراهاته- ويجعلها حبيسة في مدارات مجلس الأمن المؤسساتي (المؤسسة الزوجية) ومن ثم نراها تستعيد –شبق- الأزمنة المشتهاة المغلفة بالحب والجنون، علها تنجو من الموت البطيء. من أزمنة الموت السرمدي الى الحياة…
أما “الملفوظ” في المقطع الثاني فهو يؤكد عبر معجمه “اللغوي” كل تلك الاكراهات ويترجم في الآن ذاته حالة التشظي التي تعيشها (حياة) (شهرزاد) داخل قفصها “الذهبي” ويعكس بالتالي محاولة “الخروج” عن النواميس الإجتماعية وكذا الميثاق الزوجي بكل أبعاده الدينية والأخلاقية لاسيما ونحن نعلم معنى “الخروج” خاصة” الخروج عن الطاعة” أو “الخروج” بمعناه السياسي (أحيانا الثوري رغم بلانكيتة الميتافيزيقية) في بعض أشكاله ومضامينه وتجلياته. الخروج الثاني لا نصوص له سوى الكتابة بالدم، سوى الموت والأستشهاد (راجعوا أخبار الخوارج والتوابين الزنج والقرامطة).. ومن هنا تخرج (شهرزاد) سواء تلك التي نستحضرها عبر المتخيل العربي/الأسلامي أو التي تعيش بين ظهرانينا و تمارس هو يتها المصادرة ” تخرج” و يكون –خروجها- صرخة في وجه النص المؤسساتي ورفضا عنيدا لكل أشكال الوصاية. ومن هنا كذلك يتحول القارئ- عبر عملية القراءة المنشطة- إلى (شهريار) بدوره، يتابع سيرة الأنثى المتمردة-من خلال-“محضر” يسجل المخالفة، لأن الميثاق الأجتماعي/الثقافي يرفض هذا “الجنوح الأنثوي” ولهذا السبب ربما قالت (حياة) (شهرزاد) في صورتها الأخرى ” عيون زوجي مبثوثة في كل مكان” ص 191 نفس المرجع- أفضل ألا نلتقي في فندقي بل في مكان آخر اختره أنت، على ألا يكون فيه طبعا جزائريين ص 201 المرجع نفسه.. غير أن “صوت” المرأة ليس وحده الذي يعبر إلى تضاعيف الرواية “عابر سرير” و/أو يمارس سلطة “القول” سلطة “الكلام” ان صوت “الرجل” بدوره يعبر الى مواثيق الخطاب ويتخذ كذلك نبرة الأحتجاج لاسيما عندما نقابل صوتا مع صوت آخر، عندما نضع ملفوظا ما ضد الملفوظ .. وكنت تزوجت امرأة لتقوم بالأشغال المنزلية داخلي، لتكنس ما خلفت النساء الأخريات من دمار في حياتي، مستنجدا بالزواج الوقائي عساه يضع متاريس تجنبني انزلاقات الحياة، وإذ في ذلك الزواج اغتيال للحياة. ذلك أن ثمة من يبتزك بدون أن يقول لك شيئا، ذلك الابتزاز الصامت للضعفاء الذي يجيز له التصرف بحياتك مذ وقعت في قبضته بحكم ورقة ثبوتية … عابر سرير ص 179 .
يشيد هذا المقطع تقابلات أساسية مع غالبية المقاطع والأحداث التي تضمها رواية “عابر سرير” بين دفتيها. التقابلات المفترضة تجعلنا نراهن على خصوصية ما في الميتافيزيقية بين الرجل والمرأة، مما يترتب عن ذلك سقوط التعارض الصوتي بالمعنى الباختيني ومن ثم تتكامل الأصوات لتؤسس من جهتها استعارة انطولوجيا موحدة رغم تصدعها، أنطولوجيا الإقصاء المشترك الذي تعيشه المرأة بموازاة الرجل قريبين على بعد، بعيدين على قرب.
لكي تتحقق هذه الاسعارة الدفينة تستقطب رواية “عابر سرير” امكانات اللغة الإيديولوجية (بالمعنى الباختيني دائما) وهو الأفق الذي يجعل لغة الرواية سجالية مع الذات والواقع والمجتمع من حيث استلهام الموضوعات (التيمات) وسجالية في ذات الآن مع النصوص الأخرى (أكاد أقول مطلق النصوص) بما في ذلك النصوص التشريعية والفقهية. إن ما تخلقه –أحلام مستغاتمي- بهذا هو خطاب المحاكمة والاعتراض والرد، وتحفز ذلك بدفع الآخر إلى أن “يتكلم”: نوع من الاستفزاز الدفين الذي يجعل كل الشهرزادات غير متشابهات وكل الشهريارات – الشهريارين بلاغة ونحوا- غير متشابهين ومتشابهين .
إن الكتابة لدى- أحلام مستغانمي- من هذا المنظور- كتابة اشكالية لأنها لا تقف عند حدود الوعي المسبق في تصور وضع “المرأة” كواقع أمر أو كأمر واقع، إنما تسعى إلى أن تظل كتابة شذرية أساسها إلغاء المسافات بين التسجيلي والواقعي والتشكيلي. ومن هنا تنهض في كتابات -أحلام مستغانمي- تلك النبرة الفاجعة التي شنتها تجربتها عبر “ذاكرة الجسد” و”فوضى الحواس” نبرة التمزق والتشظي وتفتت الهوية الميتافيزيقية. ومن هنا ثانية تتحول هذه الكتابات إلى مختبر يحاول أن يستضيف في كونه المغلق قلق الأسئلة النصية والتجريب، التحميض، التركيب والتمويل.
إنها كتابة قلقة وقلق “المكتوب” وبين هذه وتلك تستمر الإبداعات في التوالد والإشعاع يجمعها أفق واحد ووحيد. وعلى من يقرأ (أحلام مستغانمي) أن يتركها جانبا ليدركها أكثر حيث هي، وحيث لا توجد إلا كحورية تتهددنا بالومض والإنتشاء رغم نغمة الإنكسار والهزيمة. قدرنا المشترك.. 
محمد المحسن
(شاعر وناقد وكاتب صحفي -عضو بإتحاد الكتّاب التونسيين-)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحلام مستغانمي: خريجة كلية الآدب في الجزائر ليسانس أدب عربي.حاصلة سنة 1982 على دكتوراه في علم الإجتماع من جامعة السربون في باريس بدرجة “ممتاز” تحت إشراف المستشرق الراحل جاك بيرك.
ترجمت أعمالها إلى اللغات الكردية و الفرنسية و الإيطالية و الصينية و الإنكليزية.
حائزة على جائزة نجيب محفوظ للرواية سنة 1998.
“عابر سرير” هو الجزء الثالث من ثلاثيتها:”ذاكرة الجسد” و”فوضى الحواس”

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *