*نصيرة محمدي
خاص ( ثقافات )
كلّ الطريق حكاية ملبدة بالضباب، ومعبدة بالبرد والغربة، ووجوه الذين عبروا الذاكرة، وتخبطوا في العمر كذلك العصفور الذي ظل يتخبط في قفصه سجينا ومعذبا، وكنتُ بلاغته الصامتة التي تحفر في فجر حريته، ونشيده الهارب.
ها أنا أنهض من أجلك صباحا، وبي رغبة لأحبك. لا أضل الطريق أبدا إلى عينيك اللتين أوقعتني بهما. حبّك السري والمضني حارق ومميت، فأنا عندما أعشق أموت. أنا مريضة بحبك. بقلبي وروحي وجسدي وحواسي كلها أحبّك.
هل أتوق رغم ذلك أن تنساني؟ شربتني، استنفذت هوائي، وفي كل برهة تدربني على الموت. “الحبّ دون أبدية يسمى قلقا، الأبدية دون حبّ تسمى جحيما”. مهددة بالأخطار والهجر والجراح والخوف، ربما احتاج العاشق لمن يقول له: “لا تقلق، لقد فقدت الحبيب”. المشاعر المجروحة في عينين مخمورتين قد يخلفها هجر لم يظهر كاملا كما أنه لم يختف كاملا أبدا. كيف لصوتي يخرج ويخدش العالم الذي لا يتمثلني إلا عاشقة متطرفة.
لا شيء قادر على ترميم عطب هذه اللحظة، لا النسيان ولا الهذيان سكبا شيئا من أنفاس العشق في كأسي المدمرة. في العتمة آثامنا الباذخة، وفي شحوب القمر وجع العشق.
عشقك المطحون في حقول عباد الشمس، وعطر الأوركيدا وزمهرير الطريق، وجحيم دانتي. هل صار القلب مقبرة لوردك الأبيض؟ هل أقرأ غيابك، أم صخبك في الأغاني، والجسد، ويدي المحمومة في صدر المسافات والنبيذ إذ يشرع الذاكرة الدامية، ويشع في العناق البعيد.
أقيم بين خراب مدينتين، وفي كفِ الرحيل ألعق دمع جميع العُشاق، وأنحني لجراحي المكابرة، وعُشاقي الجميلين. ألثم لغتي التي تتكبد عناء الترحال والجنون والذاكرة في نقطة العبور الأخير لحبيب يغادر في عيد العشاق إلى ضوء امرأة أخرى.
أنا المتجلية في عشق وثني أنهض بكل طولي وخرائبي وحرائقي وتجاعيد روحي لأعشق ثانية. هل تنسى امرأة رجلا لم يكن لها؟ هل ينسى جسر العُشاق قلبي وناري؟، كل هذا التفاح لي كذبة أخرى. إلى من تشدني، أإلى غريب يتوعدني، أم إلى حبيب حمّلته جرحي؟.
___________
شاعرة جزائرية