*نجيب طــلال
خاص ( ثقافات )
نـهاية :
———-
الوفــاة / التهلكة/ المـوت / الحتف / المنية / تتنوع المفردات ؛ والمحصلة تلك – النهاية – نهاية كل موجود في الوجود؛ باعتبار أن الوفاة حقيقة ثابتة وموجودة لا مفر منها- لأن- كل نفس ذائقة الموت مهما كان مقامها في ( المثلث) ووضعـها في (المربع) وطمعها في البقاء؛ سواء أكانت في أعلى أو أسفل المثلث . ولاسيما أن الكل يتشبث بالحياة في مربعه الاجتماعي، لأن الأمر يخرج عن سياق الأمل والطمع أوالتوقـع والتشبث ؛ باعتبار أن المنية دائما خارج إطار الزمان والمكان( وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير [ سورة لقمان الآية 34] حتى تقع؛ ومن خلالها يتحدد الزمان والمكان – الهالك – وكم من أمم أهلكت ؟ وكم من رجالات غادرتنا ؟ في غفلة اللحظة وتأرجح إيقاع الزمان؛ كما وقع مساء الجمعة برحيل المبدع الرائد والفنان الشامخ – الطيب الصديـقـي – وإن كان رحيلا شبه متوقع حسب حالته الصحية؛ فرغم إبراز صورته التي تجسد ضعف الإنسان أمام دنو النهاية من لدن الفنانة – زيطان – بعد زيارتها له؛ والاطمئنان على حالته الصحية؛ ولقد قامت بإشارة قوية ومبطنة:تشير فيها أن رائدنا يحتاج لسند معنوي؛ سند الأحبة[…] فقليل في ألأقلية التي زارته وآزرته ؛ ولنكن أكثر مكاشفة، ففي السنوات الأخيرة تم تهميشه علائقيا ونسيانه إعلاميا ؛ مما انمحت معالم ذكرياته وصورته المعتادة في عيون الناس؛ التي أسس على إثرها مسرحا باسم مسرح الناس [ !!!]
لكن المثير(بعيد) الإشعار بوفاته أمسى العديد من الفنانين والمسرحيين والأدباء والشعـراء يرددون عبر هواتفهم و صفحاتهم ومواقعهم التواصلية؛ ترنيمات حزينة ؛ ولكنها عجيبة وغريبة؛ تحتاج وتحتاج بكل صدق إلى تحليل عميق سيميائيا وقراءة رصينة بسيكولوجيا [ فقدنا أسد الخشبة/ بلغني للتو نبأ وفاة الفنان الكبير الطيب الصديقي/ نزل الخبر علي كالصاعقة/ عزاؤنا واحد في من صنع وعينا الفني والإبداعي / عزائي للمسرح المغربي إثر فقدانه لركيزته الأساسية / عشت ليلة بيضاء بعد سماع خبر وفاته/ أخبرني الأصدقاء هاتفيا بوفاة رائد المسرح؛ فارتبكت من شدة الفاجعة /انهمرت دموع حارقة من عيني بعد إعلان خبر وفاته/ عزاؤنا واحد في وفاة عميد المسرح المغربي/ بكل أسى فقدت فنانا مثقفا وفنانا مسرحيا بحق/ نبأ وفاة الفنان الكبير الطيب الصديقي، نبأ جد محزن لا يمكن بسهوله استيعابه / …/ ولقد أصبحت يتيما بعد فراقه/ ولقد أصبحنا يتامى بعد موته /…/ إذ جميل أن تطفو مشاعـر الحـزن والأسى بهـذا الشكل؛ على فقدان رمز من الرموز الثقافية والإبداعية في بلادنا والعالم العربي. وإن كانت هنالك مبالغة ومزايدات لغوية؛ أكثر منها مشاعرية؛ لأن الإشكالية لا ترتبط بالنوايا بل بالتصرفات وتصريف ما يمكن تصريفه كدعم مستقبلي في حق الراحل؛ لكي يظل رائدا حقيقة في حفريات التاريخ المغربي؛ كما كان في حياته الفنية والإبداعية ؛ حتى يكون الطيب طيبا في تربته ؛ أما الإطناب في مفردات النعي واختيارها بدقة متناهية من لدن البعـض والبعض الآخر يتفنن في ؛ مسرحة الـحـدث؛ بأشكال ملتوية؛ وبعض البعض ركب على المصاب الجلل؛ من زاوية ما يخفيه المستقبل؛ وذلك بتثبيت صور شخصية في مواقع التواصل – وإن كان الآمر- حق مشروع ؛ ولكن ليس في مجال موكب جنائزي مهيب؛ له طقوسه وترنيماته وخصائصه ؟؟ فهل في المصاب الجلل؛ والبعض يصرح أنه أمسى يتيما بعد رحيل الأستاذ الأغر – الطيب الصديقي- غفر الله من ذنبه ما تقدم وتأخـر؛ فكيف طاوعته رغبته في التقاط صور( له) عـبرهاتفه النقال ؟؟؟ إذ أعتقد بأن مثل هاته الأساليب الإلتوائية والحـر بائية؛ أضحت متجاوزة.
لـــمـــاذا ؟؟
——— عـدد لا يستهان به من رجالات الفكر والابداع في بـلادنا؛ قضوا نحبهـم ؛ بعدما قدمـوا خدمات جليلة وتضحيات مهمة في الميدان؛ ولا أحد يذكرهـم أو يتذكرهــم؛ وهنا لامجال لذكر بعض الأسماء والوجوه؛ لأن الأمـر لا يحتاج لتوضيحات؛ فلو ذكرنا الراحل الطاهـر واعزيز سواء كمسرحي في زمان الفعل الفني الحق؛ أو كفيلسوف؛ سيجرنا إلى قوة وطاقة المرحوم عبد الصمد الكنفاوي الذي يعد من اعز أحباء ورفاق الراحل – الطيب الصديقي- ومعزته تفترق بينه وبين المرحوم – ع القادر علولة- فالذي لا يعرفه العديد من المسرحيين؛ يوم قتل المسرحي – علولة – برصاص الغدر ؛ بكى الصديقي بكاء حارا عليه واعتكف أسبوعا بعد دفنه كحداد استثنائي؛ وفي هـذا الإطار؛ فالراحل من كثرة أصدقائه في المجال الرياضي والسياسي والفني ؛ ليس له إلا صديق وحيد والذي كان لا يفارقـه ؛ ألا وهو الراحل – مصطفى سلمات – فالطيب الصديقي يعتبره رفيق الدرب بامتياز.وبفراقه انكسر جزء من أجنحة أبا الطيب؛ الذي كان يرفض الألقاب؛ وينزعج منها؛ بحكم أنه رحمه الله كان يعتبرها جزء لا يتجزأ من الخنوع والإذلال؛ لمن كان يعـزهـم. وبالتالي فالسيرورة التاريخية؛ كشفـت زيف ولغـو ما يصدر من كلام وأفكار أثناء رحيل ذاك أو تلك؛ ولكن حينما نطلع عـيانيا؛ فالسجل التاريخي مملوء بمعـسول الأقوال والمقولات والأفكار النيرة؛ والمشاريع المتميزة؛ دون فعل ملموس ولو نسبيا ولا إثبات لصدقية ما قيل؛ والسبب أمران :
1) مزايدة رخيصة أمام الجموع ؛ وأهل وأبناء الهالك؛ تحمل نوايا إثبات الذات؛
2) القائل لم يجد ما سينفعه من منافع آنـية أو مستقبليـة ؛ فتوارى خـلف مرحوم آخر وخطاب آخـر
والذي سيهمس في الكواليس؛ بأننا نخرف أونمارس الكتابة المنفلتة من عـقالها أو له الجرأة لتفنيد كلامنا مقارعة بالحجة المضادة ؛ فليـقم بتحيين ما قيل وما كتب إبان رحيل محمد مسكين/ المهدي الودغيري/ / سالم يفوت/عائد موهوب/ حوري الحسين/ العربي الدغمي/ الجابري/ المنجرة/ محمد الدحـروش/ فاطمة شبشوب/ عبد الله راجع/ محمد الطوبي/ الطيب العلج عـلما أن هـذا الأخير هناك مؤسسة باسمه تحت إشراف – مصطفى القباج- ماذا أنتجت لحد الآن ؟ وهناك مؤسسة أخرى باسم الراحل محمد شكري؛ تحت إشراف صديقنا عبد اللطيف بنيحي؛ ماذا قدمت بدورها من خلال أصحاب لغو الكلام؟ وهاته الأسئـلة تجـرنا لسؤال اللحظة؟
هـل سيظل رائدا ؟؟
***********
في تقديري؛ وتجارب الأزمنـة تذكي مقولة – كلام الليل يمحوه النهار – والـحالة تلك ؛ لا يمكن أن يستثنى مــنها رائد المسرح المغربي؛ هو رائد وعمدة المسرح؛ بدون منازع ؛ ولكن تقلبات الزمان وعدم ترسيخ عطائه وتوهجه؛ في حفريات التاريخ؛ ستمحي ريادته في مجال الإبداع المسرحي؛ والفعل النقابي ابتداء من 1957 حينما قرر (الاتحاد المغربي للشغل) آنذاك و الذي كان يضم العديد من الفعاليات و الأسماء إنشاء مسرح عمالي، وفي تلك الفترة كان سعيد الصديقي يشغل منصب مدير ديوان عبد الله إبراهيم، وتقرر أن يؤسس المسرح الذي كان يضم في عضويته كلا من صديق الصديقي، حسن الصقلي، عائد موهوب/ علي الحداني/ ع الرحمان الكردودي/ بن جلون، المهدي الخبيلي، لطيفة الصقلي، الطيب الصديقي. هذا الأخير استطاع بموهبته وقدراته تحقيق تفاعل حقيقي لمفهوم المسرح العمالي؛ والذي لم يتطور فيما بعد لأسباب سياسية؛ وحضور قوى السلطة في نسف المشروع؛ بدء من منع مسرحية( مدينة النحاس) وتمرد الطيب الصديقي على الأوضاع السياسية؛ وانخراطه في عوالم اللامعقول وتيار العبت؛ بعد انسداد الأفق وتضييع الأمل المعقود.
هنا لسنا في تحليل شخصية الراحل عنا – أبا الطيب- بل إشارات عابرة؛ لتبيان أنه لم يكن مسرحيا يمارس إبداعا خارج إطار المبدأ السياسي والنقابي؛ بمعنى أنه كان يحمل مشروع قضية إنسانية؛ ضد القهر والجوع واللاعدالة اجتماعية؛ وهذا يبرز في عملين أساسين – مقامات بديع الزمان الهمداني – أبو حيان التوحيدي- والمثير أن العديد من المهتمين؛ يتحاشون هذين العملين في مناقشتهم؛ ويركزون على الحراز؛ وهذا يدفع بنا: بعد نـهاية الطـيب هـل سيظل رائدا ؟ ممكن في حالة ما إذا قمنا بإعادة قراءة أعماله قراءة مغايرة ومختلفة؛ وفي نفس الإطار البحث الجدي عن أسباب تبرئة ذمته من تنظير كان يسمى- الاحتفالية؟ أما حشو العبارات والكلمات؛ فلن تحقق ما حققه – أبو الفتح الاسكندري- في حياته