القاهرة- «شوقي وحافظ» لا يمكن أن تأتي باسم أحدهما من دون أن يكون مشفوعاً بالآخر، ففي كل المناسبات التي تحتفي بهما، تقام المؤتمرات باسميهما معاً، وحين يدور الحديث عن التجديد، نقرأ اسميهما معاً أيضاً، باعتبارهما من أعمدة مدرسة الإحياء الشعرية، التي تحتفظ بأصولها عند محمود سامي البارودي، زعيم هذه المدرسة الشعرية.
حياة كل منهما تكشف أنهما جاءا من بيئتين مختلفتين تمام الاختلاف، لا يشتركان في شيء سوى تقارب بداية الميلاد ونهاية الحياة، فحافظ إبراهيم جذوره مصرية أباً عن جد (24 فبراير/شباط 1872 21 يونيو/حزيران 1932) ولد في أسيوط جنوبي مصر، ثم انتقل إلى القاهرة ليعيش في كنف خاله، بعد وفاة أبويه، كان صغيراً ويتيماً، يتنقل مع خاله من بلد إلى آخر، وفي كل الأحوال كان ضيق الرزق حليفاً له، لكنه تعلم مبادئ القراءة والكتابة في أحد الكتاتيب، ليعمل بعد ذلك في مكتب محام، ثم يلتحق بمدرسة الحربية، ويسافر مع قوات الجيش في حملته على السودان، وتنتهي به الحياة موظفاً في دار الكتب، وقد حاول شوقي أن يتوسط له للعمل ب«الأهرام»، لكن المحاولة أخفقت، وكان سريع البديهة خفيف الظل، منفقاً من دون حسابات، يجالس الأدباء والبسطاء على المقاهي، حتى يقال إنه كان ينجز عمله في دار الكتب على مقهى قريب من الدار.
أما أحمد شوقي (16 أكتوبر/تشرين الأول 1868 14 أكتوبر 1932) فقد ولد وفي فمه ملعقة من الذهب، لأب كردي وأم تركية، وكانت جدته لأمه وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، ذلك القصر الذي أصبح شاعراً له، وقد تخرج في كلية الحقوق، وسافر في بعثة دراسية إلى فرنسا، وفي عام 1915 نفي إلى إسبانيا بسبب ولائه للقصر، لكنه عاد إلى مصر عام 1920 وكان نادراً ما يخالط الناس، حتى إنه لم يكن يجيد إلقاء شعره، في حين أن حافظ كان يخلب الألباب بإلقائه المتميز.
دائماً ما يقارن النقاد بين الشاعرين، وقد تميل الكفة نحو طرف عن الآخر، ففي كتاب طه حسين الشهير: «حافظ وشوقي» يحكي عميد الأدب العربي عن لقاء ضمه وأحمد لطفي السيد، قال له أستاذ الجيل: «لقد خدعني حافظ عن نفسه، كما خدعني شوقي عنها، كنت ألقى حافظ أول عهده بالشعر، وكان يسمعني كثيراً من شعره، فلا يعجبني، فقلت له ذات يوم: أرح نفسك من هذا العناء، فلم يخلقك الله لتكون شاعراً، ولكنه لم يقبل نصحي، وحسناً فعل، فمازال يجد ويكدح، حتى أرغم الشعر على أن يذعن له، وأصبح شاعراً، وكنت شديد الإعجاب بشعر شوقي أقرؤه في لذة تكاد تشبه الفتنة، وأثني عليه كلما لقيته، فمازال شوقي يكسل ويقصر في تعهد شعره، حتى ساء ظني بشعره الأخير».
جمعت بين الشاعرين المحبة والمنافسة الشعرية معاً، ويبدو أن النقاد قد وضعوهما في هذه المنافسة، لكن علامات المحبة بينهما تتجلى في النوادر التي تروى عنهما، فقد داعب حافظ «شوقي» قائلاً: «يقولون إن الشوق نار ولوعة/ فما بال (شوقي) أصبح اليوم بارداً» ورد عليه شوقي رداً غليظاً حين قال: «أودعت كلباً وإنساناً وديعة/ فضيعها الإنسان والكلب (حافظ)» لكن شوقي هو الذي قال أيضاً: «يا حافظ الفصحى وحارس مجدها/ وإمام من نجبت من البلغاء».
هذا لا يعني أن العلاقة بين الشاعرين كانت تسير على هذا النحو، فقد كتب حافظ يوماً قصيدة لشوقي جاء فيها: «يا سيدي وإمامي/ ويا أديب الزمان/ قد عاقني سوء حظي/ عن حفلة المهرجان/ وكنت أول ساع/ إلى رحاب ابن هاني/ لكن مرضت لنحسي/ في يوم ذاك القران/ وقد كفاني عقاباً/ ما كان من حرماني/ حرمت رؤية شوقي/ ولثم تلك البنان/ فاصفح فأنت خليق/ بالصفح عن كل جاني».
وكان حافظ من الأريحية على النحو الذي دعا فيه لمبايعة شوقي أميراً للشعراء، في احتفال عام عقد خصيصاً لهذه المناسبة عام 1927، ومما قاله: «أمير القوافي قد أتيت مبايعاً/ وهذي وفود الشرق قد بايعت معي» لكن الشعب خلع على حافظ لقبه «شاعر النيل» وعندما بلغ شوقي نبأ موت حافظ قال: «قد كنت أوثر أن تقول رثائي/ يا منصف الموتى من الأحياء/ لكن سبقت وكل طول سلامة/ قدر وكل منية بقضاء/ الحق نادي فاستجبت ولم تزل/ بالحق تحفل عند كل نداء».
__________
*الخليج الثقافي