*ترجمة مريم حيدري
ولد الشاعر والمترجم شهرام شيدائي عام 1967. ورغم ابتعاده عن الضجيج الإعلامي إلا أنه كان من أهم وأجمل شعراء التسعينيات في إيران. صدر له ديوانان، الأول «نارٌ لنارٍ أخرى» (1994) و«الضحك في بيت كان يحترق» (2000)، كما أنه قدم للغة الفارسية ترجمات رائعة لشيمبورسكا وأورهان ولي وشعراء آخرين. وأصدر عام 2000 مجموعة قصصية بعنوان «يطردون اللاجئين».
العالم المليء بالتعاسة، والظلام، الشعور باقتراب الموت، وإدراك العذابات البشرية، هذا مجمل ما يكوّن عالمَ الشاعر شهرام شيدائي. تتميز لغته الشعرية بالبساطة رغم التعمق والتأمل الكثيفين في شعره، وبعض السوريالية، وحضور الموت الذي لم يكد يغادر نصه، وكأنّه كان مهيأً ليرحل مبكراً، إذ توفي عام 2009 إثر صراع طويل مع مرض السرطان.
هنا ترجمة لقصائد ومقاطع مختارة له:
1
أحتاج إلى كلمة
كلمة تأخذني من فوق الأرض.
أنا مثل ساعة مريضة
وأتألم بدقّة.
الصمت دبّابة
تدور على أرض أفكاري
تترك آثارها
ومن هذه الآثار
يرسم الطبيبُ خريطةَ روحي على الطاولة
وبتأثّرٍ، يضع يده على الآثار:
ـــ ما أعمقها من أخاديد!
وفجأة تتنفّس الخريطة
ترتعش الطاولة
ويصرخ الطبيب: الحرب العالمية!.
2
رجلٌ عجوز يجلس بهدوء إلى جواري على المقعد
ويرتجل: ثمة جاسوس
-ويدير برأسِه نحو الجهتين-
ثمة جاسوسٌ دخل أحلامي.
غرابٌ يهبط مثل صخرة من الشجرة
يجلس على كتفه
ويصرخ في أذنه بصوت آدميّ:
ـ أيها الأحمق! لمَ تحدّثتَ ثانية؟
شيء ما يعضّ المجانين
ويأخذ الحاضرون بالتصفيق.
«نيتشه» كان يهمس في أذن أحدهم:
– أنا سائق دبّابة.
3
تحدّثتَ دون أن تعرف
كنتَ حيّاً دون أن تعرف
ودون أن تعرف، مُتَّ.
اسألِ الساعةَ، تساعدْك
تحدّثْ عن الطقس، يساعدْك
تذكّر اسمَ أمّك
أو شكلاً، أو تصويرَ أحد ما
بسرعة! ابدأْ من شيءٍ صغير
الألوان مثلاً، مثلا اللون الأصفر
الأخضر، أسماءٌ لبضعِة أشجار
اضغطْ على مخٍّ لا يوجد
الفصول، أو الثلج مثلا
أسرعْ، استعجلْ
جِدْ شيئاً لكينونتك، تجرّأْ
فقد تتذكّر الأشياءَ الأخرى
أسرعْ! وإلا
تكون حقّاً
قد اعتدتَ
موتَك.
4
مصالحة؟ هدنة؟ تراجع؟
تماماً في اللحظة التي
كان يجب أن يَقتُل واحدٌ
الآخرَ.
5
ما الذي تغيّر بين النّاس؟
أرقام الأحذية، أرقام النظارات، ألوان الثياب
أو المحنةُ التي لا تتغير أبدا؟
الضحك
في بيتٍ كان يحترق:
-اللسانُ الذي كنتُ أتكلّم به
كان قد احترق.
لن يسكنني أيُّ فكرٍ بعد الآن
وربّما من هنا يدخل الخطرُ كياني.
الصمتُ
كلمةٌ صنعناها لبُكمِنا
وإلا، لا سرَّ يكمن في أيّ شيء.
لا أحد يتحدّثُ عارياً
شعراء علم الآثار
الشعراء العاطلون عن العمل، بكلماتٍ استُخدمتْ كثيرا.
ما الذي يضطرّنا للتشبّث بالأشياء
وبالكتابة؟
ومن أجل استعادة أيّ «زمنٍ»… نولد؟
أليس إنذاراً
موتُ الآدميّين؟
لمَ يربُط النّاسُ أنفسَهم بمحراثِ الفلسفة؟
وما هو الذي يُحصَد منّا في هذه المزرعة
ما هو؟
أنا أكره الالتفافَ بين الكلمات
ما الذي سوف يُنقذنا من هذا الوهم -الحياة-
ومن هذا الوهم -الموت-؟
ماذا يعني الطائر؟
عن أيّ شيءٍ في الشجرة ينبغي أن أتحدّث
كي لا يمرّ الوقتُ فيَّ؟
الضحك
في بيتٍ أكبر
يَسلِب الترابُ منه لسانَه
شيئاً فشيئا
ويفرده على نفسه
مثل قطعة قماشٍ يفردونها على الأموات.
6
المكان الفارغ لكلمة ما
أخذتها أنت من حياتي
يجعلني أركض.
■ ■ ■
أخذنا الجثةَ من البحر
والركض قد توقّف
إنها ليست المرة الأولى لموتك.
■ ■ ■
المكان الفارغ لأحد ما
أُخِذ من بيننا
يجرّنا نحو الفراغ، بدوائر محشوة بالضغط
■ ■ ■
كان مغطى بشرشفٍ
والبعض أسود.
■ ■ ■
المكان الفارغ لوجهٍ ما، لصوت ما
ثم مرض التفكير
مستنقع الذكريات
■ ■ ■
خاتم الخطوبة
في اليد التي بقيت خارج الشرشف
الأصابع المنتفخة
■ ■ ■
كنت أبحث عن بضعة أسماء وبضعة أفعالٍ
خارجة عن المُخ
أبحث عن أشياء يمكنها أن تُنهيه
■ ■ ■
الشاطئ أغرب الشواطىء
لم ينظر أحد إلى أحد
سوى على الرمال،
الظلال نحو الظلال
■ ■ ■
جديّة الموت
لم تفسح المجالَ للكلمات للأحاديث للنظرات
وكان النمرُ قد اختفى
وفي لا وعيِنا جميعا
كان يسير على نحو غريب
اليوم الأول.
اليوم الثاني.
اليوم الثالث.
7
ما هذا الصوت يا أبي؟
لا شيء يا عزيزي، من المؤكد أنك حلمت.
مرة أخرى.
أبي! ما هذا الصوت؟
…
– الأشياء في الليل، تُخرج النهارَ من نفسها.-
8
تحت الوادي
نهرٌ يلتفّ
وينبح نحو السماء
نحو الغيوم نحو القمرِ الجائع
هذه هي اللغة هنا
اللغة الأمّ لهذا الوادي
يمكنك أن تكون أهدأ
يمكنك أن تكون قاتلا أُطلِقَ سراحُه
وأن تركضَ أسرعَ، ببقجة تحت إبطكَ، أسرعَ
تركض نحو بيتك
وترى الضوء ما زال يشتعل
وزوجتك خلف الشبّاك
وتصرخ من بعيد: ها أنذا! عدتُ.
اسمك يركض خلفك
وبُعيدَ خطوات
تكرهُه أنت
ثمة ظلام، ولا أحد يرى
تضع اسمَك بين أسنانك
كما لو أنك تأكل
ثم تهجم… تهجم نحو الأسماء
ثمة ظلام، ولا أحد يرى
اسم زوجتك… مدينتك… ابنك
تبلعها كلّها بغيظ.
تهبط من الوادي
ينبغي أن تأكل من هذا النهر المُنكلِب
عطشان، تخاف أن يجعلك النهر مكلوباً
تعود، أشدّ عطشاً
تخاف، تخاف من اسمك
تخاف من أن تكون قاتلا حقاً
ثمة ظلام، ولا أحد يرى
هكذا يفعل النهر، وكذلك أنت.
تنبح نحو السماء
وتحفر الأرضَ بقدميك الخلفيتين
تهجم… نحو القصائد التي كتبتَها
تهجم… نحو السماء… نحو الغيوم… نحو القمر
تصرخ: نعم، في ما سبق
نعم، الشعر في ما سبق
ثمة ظلام، ولا أحد يرى
كنت أكتب الشعرَ في ما سبق أما الآن فأنا قاتل
ثمة ظلام،
ولا أحد يرى.
■ ■ ■
واقف قرب البحر
كان ثمة ظلام
ولا أحد يرى
وأنت كنت الشخص الوحيد الذي تحدثتُ عنه طيلة حياتي.
أشعلتَ نارأً قرب البحر
وفكرة العودة إلى مكانٍ ما
تحترق في النار.
____
كلمات
العدد ٢٧٩٥