إيران تُهَشِّمُ كؤوس جلال الدين الرومي


علي عبيدات


خاص ( ثقافات )

تناقلت وسائل الإعلام الإيرانية في الأيام الماضية خبر حذف كلمة “خمر” من الكتب الفارسية التي تشمل كل الأجناس الأدبية كما جاء على لسان المسؤولين في وزارة الثقافة والإرشاد الإيرانية.

وقال رئيس هيئة النشر في وزارة الثقافة والإرشاد الإيرانية محمد سلجي في حواره مع مجلة “شيرازه” الإيرانية: “لم نوافق على طباعة أكثر من 500 كتاب جاءت فيها مفردات الخمر وأسماء الحيوانات والكلمات الأجنبية التي لها أن تشوِّه الثقافة الإيرانية”.

وأضاف سلجي: “لا نسمح بنشر المؤلفات التي تتحدث عن الخمر حتى وإن كانت تذم الخمر وتؤكد على إثمه”، بإشارة منه إلى الأعداد الكبيرة التي تصل إلى وزارة الثقافة والإرشاد الإيرانية ويرفض العديد منها بعد التحكيم.

وقال سلجي في تصريح آخر لموقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”: عندما يصلنا أي كتاب جديد للموافقة على نشره يخضع لاختبارات فريق من المتخصصين ويُعدَّل ليتناسب مع مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية”.

وأضاف سلجي: “حذفنا كلمة الخمر وبعض أسماء الحيوانات الغربية، بالإضافة إلى أسماء بعض الرؤساء الأجانب، بناءً على تعليمات جديدة”.

وبعد ساعات من حوار سلجي مع المجلة بدأت المواقع الإلكترونية والصحف بتداول الخبر الذي يمنع حضور كلمة خمر في الكتب ورفض أي كتاب يحتوي على دلالات الخمر، مما أثار حفيظة العديد من المثقفين الإيرانيين الذين رفضوا القرار جملةً وتفصيلاً لا سيما أن الأدب الفارسي مشهور بالخمريات واستخدام دلائل الخمر في السياقات الشعرية والنثرية.

وقال المترجم والخبير في الشؤون الإيرانية غسان حمدان لثقافات عن هذا القرار: “يحاول النظام الإيراني أن يُظهر قداسة كبيرة وعفة مصطنعة يصوِّر نفسه من خلالها بأنه منزَّه عن كل خطأ، وهم بهذا لا يعالجون أي مشكلة بحذف كلمة خمر من الكتب، بل يساهمون بخلق مشكلة، تماماً كمن يبتر الأعضاء بدلاً من معالجتها”.

ويضيف حمدان: “يكرر صانعو القرار في إيران أخطاءهم القديمة بنهج ديني متزمت – بقصد أو دون قصد- ولا أستبعد اندلاق تصريحات النفي في الصحافة الفارسية بعد ردة الفعل التي أبداها المثقفون في إيران ومن يعرفون جيداً مكانة وسيمياء الخمر في الأدب الفارسي الذي سيتشوه بهذا القرار الغريب الذي يراه النظام امتداداً لما يسمى بالثورة الثقافية التي بدؤوا بإشعالها منذ الثورة الإسلامية وتصل اليوم إلى عمق الأدب الفارسي، فكيف لنا أن نقرأ شعر الرومي مثلاً بدون خمرياته؟”.

وجاءت ردود الفعل على هذا القرار الذي بدأت وزارة الثقافة والإرشاد الإيرانية بمحاولة تخفيف حدَّته صادمة وقوية، لتتداول الصحف الليبرالية والمعارضة الإيرانية العناوين الرنانة لهذا الخبر بتصريحات وتعليقات للعديد من الكتاب والمثقفين الإيرانيين، ووصفوا القرار بالمتطرف والمشوَّه للأدب الفارسي.

ومما زاد الأمر سوءاً أن بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية نقلت أنباء عن مصادر حكومية تشير إلى حذف كلمة خمر من الكتب القديمة أيضاً، وأن الحذف لن يتوقف عند الكتب التي تصدر الآن وستصدر بعد هذا.

وقال الخبير في الشؤون الإيرانية بنده يوسف لثقافات: “هذا القرار امتداد لمقص الرقابة في إيران الذي ما زال قائماً على أهداف الثورة الثقافية الإيرانية، والتي تريد الثقافة على نهج طبيعة النظام الحاكم، وكلمة شراب – لو تم حذفها فالدولة الإيرانية الحالية تنسف الماضي لأنها تملأ التراث بكل أنواعه وأشكاله منذ الملاحم والأدب الشعبي مروراً بأدب العرفان ومولانا الرومي وعمر الخيام حتى نصوص الشعر الحديث.

ويضيف يوسف: “ولذلك، على الدولة الإيرانية أن تدرك هكذا أزمات ثقافية يتسبب بها مقص الرقابة الذي يضر بالأدب والأعمال المترجمة تحديداً، وواجهتنا كثير من الترجمات من العربية أو أي أدب أجنبي إلى الفارسية، وكذلك صعوبة الحصول على تصريح النشر بسبب الرقابة على مفردات ومشاهد وإيحاءات جنسية، ما أدى إلى البحث عن دار نشر في خارج إيران، وبذلك وجدنا دور نشر موازية، وتجربة الكثير من الكتاب الإيرانيين شاهد على ذلك، وحسبنا التشويه الذي أصاب بعض الأعمال الأدبية كما حدث بأعمال الشاعرة فروغ فرخزاد، وهم بهذا لا يحذفون كلمة خمر فقط إنما يحذفون سياقاً وفكراً”.

ويعرف عن الخمر أنه من أعمدة النصوص الصوفية باعتباره دلالة كبرى من دلالات معرفة الله والانغماس في الحالة الصوفية، ويشكل الخمر نسبة كبيرة من شعر جلال الدين الرومي الذي يتصدر شعراء الإنسانية، وكذلك حافظ الشيرازي وعمر الخيام حتى الشعر الفارسي الحديث الذي حافظ على إرث الخمر في النص النثري والشعري كما في أعمال سهراب سبهري وهوشناك ابتهاج وغيرهما.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *