نصوص جلال الدين الرومي


*ترجمها عن الفارسيّة: مريم الحيدري

خاص- ( ثقافات ) بالتعاون مع مجلة “الفجيرة الثقافيّة” 

لا أظن أن جلال الدين الرومي يحتاج اليوم إلى مادة تعريفية، وقد تحول إلى وجه أدبي، وإنساني، وصوفي، وثقافي في العالم، شرقا وغربا.
نصوصه المفعمة بالحب، والجنون، والتي يبلغ أثرها إلى أعماق كل من يقرأها أو يسمع، باتت متداولة على ألسن محبي الأدب، والثقافة، وقيم الحب الرفيعة في كل مكان.
ولا تكمن أهمية مولانا جلال الدين الرومي في تراثه الأدبي، والصوفي فحسب، بل أظن لأنه مزج الشعر، بالعشق بشكل جنوني، وبلغ الذروة في الحب ليضمخه بالعصيان، والتمرد على أطر بُنيت قبله، سواء في المشاعر والحب، أو في الشعر والكلمات، فهو الشاعر العاشق الذي يقول: “لَأحطّمنّ الحرف، والحديث، والصوت، كي أكلمك دون هذه الثلاثة”.
1
يا لي أنا، لا لون، لا عنوان
ترى كيف أراني كما أنا الآن؟!
قلتَ لي: “آتِ بالأسرار في الوسط.”
أين الوسط يا ترى في ما أنا فيه؟
متى يسكن جريان فكري؟
وأنا الآن الساكن الجاري
بحري غرق في نفسه
يا للعجب مني، بحر أنا بلا ضفة!
لا تبحث عني في هذا العالم أو ذاك
فكلاهما ضاعا في العالم الذي أنا فيه
كالعدم، فارغ أنا عن المصلحة والضرر
ما أروعني بلا ضرر وبلا مصلحة!
قلتُ: “أيها الحبيب، أنت عيننا” قال:
“ما العين في العيان الذي هو أنا”
قلتُ له: “انت ذاك” قال: “صه!
فلم يأتِ على الألسن ذاك الذي هو أنا”
قلتُ: “لئن لم يأت على الألسن
فإليك هذا أنا، الناطق العديم اللسان!”
أسير في الفَناء بلا قدمٍ، كالقمر
فهذا أنا، الراكض دون أقدام!
صاح هاتف ما: إلى أين تركض؟ تأمّلْ
فيَّ، أنا، الظاهر الخفيّ
بعد لقائي شمسَ تبريز
بتُّ البحرَ النادر والكنزَ الثمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2
أنا غلام القمر.. فلا تحدّثْني إلا عن القمر
وعندي لا تتكلمْ إلا عن الشمع والسكّر
لا تأتِ بحديث الألم، ولا ترو إلا حكاية الكنوز
وإن كنتَ غير ذي خبر عن هذا، فاترك الأمر ولا تقل شيئا
جُننتُ اللية البارحة، فرآني الحبُّ وقال:
“ها قد أتيتُك.. فلا تصرخ، ولا تمزّق ثيابا، ولا تقل أي شيء”
قلتُ: “يا حبُّ، أنا خائف من شيء آخر”
قال: “لا وجود بعد الآن لذلك الشيء الآخر، فلا تقل شيئا
أنا سأتمتم في أذنك أحاديثَ خفية
فطأطئ الرأس مؤيدا فقط، ولا تقل أي شيء سوى بالرأس”
قمرٌ كالرّوح ظَهر في طريق القلب
وما ألطفَ الرحلة على طريق القلب.. فلا تقل شيئا
قلتُ: “يا قلب، ما هذا من قمرٍ؟” فأشار القلب:
ليس هذا بمقدارك، فانصرفْ ولا تقل شيئا
قلتُ: “أوجهُ ملاكٍ هذا، أم وجهُ بشر؟”
قال: “ليس ملاكا هذا ولا بشرا، فلا تقل شيئا”
قلتُ: “أخبرْني، ما هو هذا؟ سأنقلب رأسا على عقب”
قال: “ابق هكذا منقلبا، ولا تقل أي شيء
أيها الجالس في بيت النقوش والخيال هذا
قُم اخرُجْ من هذا البيت، شدّ رحالك، ولا تقل شيئا”
قلتُ: “يا قلب، كن أباً لي، أليس هذه صفة الله؟”
قال: “هذه هي، ولكن، بأبيكَ لا تقل أيّ شيء”
____________
3
يا من أخذت عقلي، عقلنا أنت
غصن الزعفران أنا، وأنت بستاننا المفعم بالشقائق
قلتُ: “لقد قتلني أساك”، قال: “كيف يجرؤ؟!
إلا يعرف الأسى أنك صديقنا؟” 
أنا حديقة أحرقَها الخريف
ارسمِ البسمةَ على وجه حديقتي، فربيعنا أنت
قلتُ: “من أيّ خيال، لنا وجع في الرأس”
قال: “اقطعِ الرأسَ، فأنت ذو الفقارنا”
كنتُ ماسكاً رأسي قائلا إني مخمور
قال: “مخمور أنت، لكنك لستَ مخمورا منّا”
قلت: “هائم أنا والله، كما الفلك”
قال: “هائم أنت، ولكن لستَ هائما بنا”
تحدّثتُ عن لَماه، فعضّ الشفة ملمّحاً
أن اكتمِ السرّ، فإنك حافظُ أسرارنا
يا بلبل السحَر، اسأل عنّا بين حين وحين
فإنك غريب، ومن ديارنا
طائر السماء أنت، لستَ طائر الثرى
وطريدة العالم الآخَر أنت، ومِن مُرُوجِنا
أفنيتَ نفسك، ووُجِىتَ في الحبّ
أضوء من الربّ أنت، أم أنت ربّنا؟
لا تثنية هنا، فما هذا الأنا وأنت؟
احسبِ الاثنين واحدا حين تكون معنا
اسكتْ، فثمة روح في أيّ حديث تبوح به
فلا تهب الروح لأحد، فقد أودعتَ لنا تلك الروح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4
ما أروع سيركَ يا روح الروح، لا تذهبْ بدوني
يا حياة الرفقاء، في البستانِ لا تذهب بدوني
بدوني لا تدوري أيتها السماءُ، ولا تسطعْ أيها القمر 
لا تنبتي يا أرض بدوني، ولا تسِرْ أيها الزمان
معك يروق هذا العالم، ويروق معك ذاك العالم
فلا تكن بدوني في هذا العالم، ولا تذهبْ بدوني إلى الآخَر
لا تعلمْ بدوني أيها العيانُ، ولا تقرأ بدوني أيها اللسان
بدوني لا تنظر أيها البصرُ، ولا تذهبي بدوني أيتها الروح
بنور القمرِ، يرى الليلُ وجهَه أبيض
أنا الليل، وأنت قمري، فلا تذهبْ بدوني في السماء
الشوك آمن من النار في ملاذ الورد
أنت الوردُ، والشوكُ أنا، فلا تذهب بدوني في البستان
ويل لمن يسير في هذا الطريق دون علامتك
لئن كنتَ أنتَ علامتي، فلا تذهب بدوني يا من لا علامة له
يسمّيكَ الآخرون العشقَ وأسمّيكَ أنا “سلطان العشق”
يا من هو أسمى من أوهام هذا وذاك.. لا تذهبْ بدوني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5
ثُرتُ مرة أخرى، أقسم بروحكَ أني على نحو
إن قيّدتَني بأيّ حبلٍ، سوف أمزّقه، أقسم بروحك
أنا ذلك المجنون المقيّد الذي أقيّد الديوان
وأعرف لغةَ الطيور، سليمان أنا، قسما بروحك
لا أريد العمر الفاني.. فأنت عمري العزيز
ولا أريد الروح المليئة بالأحزان.. فأنت روحي.. قسما بروحك
إن غبتَ عني، فسأُصبح ظلماتٍ وكُفرا
وإن ظهرت عليّ، أصبح مُسلما، قسما بروحك
كلما شربتُ ماء من الجرّة، رأيتُ خيالَكَ فيه
وإن تنفّست نفسا واحدا بدونك.. فأقسم بروحك أنني نادم
إن كنتُ بدونك فوق الأفلاكِ، فحزينٌ كغيمة داكنة
وإن كنتُ في البستانِ بدونك، فقسماً بروحكَ، كأني في السجن
سماعُ أذني، اسمُك، وسماعُ وعيي، قدحُك
عمّرْني إذن، فأنا محطّم، قسما بروحك
في الكنيسة وفي المسجد، أنت المقصود يا مرشدي
أينما وجّهتَ وجهَك، فأتجّه أنا، قسما بروحك
أتحدّثُ إلى الحبّ، فهو الأسدُ وأنا الغزال
أيّ غزال أنا، إذ أحرس الأُسودَ، قسما بروحك
أيا مُنكرُ، لا تُخفِ نكرانَك في داخلك
فقسما بروحك، إنّي أقرأ سرَّ مصيرِك
يا للألفةِ التي أبداها مع هذا القلبِ المعنّى، ذاك الذي لا ريبَ فيه
ألفةٌ، أقسم بروحكَ أنها قطعتني عن كلّ من أعرف
أنت عيدُ الروحِ الضحيةِ، وضحايا بين يديك العشاقُ
فخذني إلى مطبخِكَ، إني ضحيةٌ، بروحك
من عشقِ شمس تبريز، من الوثوب، ومن الأرق
بتُّ مشوّشا، بروحك، كما الذَرّة الدائرة أبدا.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *