خلع الحجاب وفرضه: من ذاكرة الإيرانيات



علي عبيدات*


خاص ( ثقافات )

نزع الحجاب “علمانية”
تتداول الصحف الإيرانية هذه الأيام صوراً تعود ليوم الاحتفال بقرار خلع الحجاب “بالقوة” عن رؤوس الإيرانيات في عهد رضا بهلوي مؤسس الدولة البهلوية (1925 و1941) الذي نزع آخر حكام الأسرة القاجارية وجلس مكانه، وبعد عشر سنوات من حكمه نزع الحجاب عن رؤوس الإيرانيات عام 1936 بتعديل لقانون الأحوال الشخصية.
وكانت لزيارة ملكة أفغانستان (الملكة ثريا) وإصلاحات زوجها (أمان الله خان) أثر في تفكير رضا شاه بالسعي نحو العلمانية بعد أن رأى الملكة الأفغانية مكشوفة الرأس، وكذلك حلمه بأن تكون إيران علمانية على النهج التركي وسياسات مصطفى كمال أتاتورك الذي خيّر التركيات بين ارتداء الحجاب وخلعه، ومن هذا أيضاً قصة الناشطة هدى شعراوي عندما خلعت الحجاب (اليشمك) في استقبال الزعيم الوطني المصري سعد زغلول عام 1921. وحفز هذا رضا شاه ليعلن عن قانون خلع الحجاب في إيران.
وكان من المثقفين الإيرانيين العلمانيين أن أبدوا إعجابهم بهذه الخطوة على عكس غالبية رجال الدين الذين رفضوا هذا الأمر رفضاً تاماً، لا سيما أنه منع العمامة أيضاً في تلك الفترة، ويتداول الإيرانيون قصصاً كثيرة حول منع العمامة، وإحدى تلك الروايات أن رضا شاه أمر بارتداء القبعات بدلاً من العمامة، ووصل الأمر به إلى منع الذقن الطويلة والعباءة سعياً نحو إيران علمانية، رغم دخول الدين الطارئ على إيران قبل عشرين عاماً من قرار منع الحجاب وبعد أن التف الشعب الإيراني بكل أصوله ومنابته وطوائفه حول راية الدين (الثورة الدستورية 1905 و1907) وسُمِعَ صوت رجال الدين في تلك المرحلة للمرة الأولى، إلا أن قرار العلمانية عن طريق الحجاب وغيره من الحريات الشخصية جاء صادماً لكثيرين ومفرحاً للبعض.
فرض الحجاب “أصولية”
استمر الحال على ما هو عليه حتى الحرب العالمية الثانية ليعود الحجاب اختيارياً، وعمم هذا القرار بعد حكم الابن محمد رضا شاه (1925-1941) ومرت الأعاصير بإيران (ثورة مصدق، هروب الشاه إلى أمريكا، القمع، إعدامات اليساريين، ظهور شعراء متمردين منهم المتمردة فروغ فرخزدا) ومع إعلان الثورة في البلاد والإطاحة بمحمد رضا شاه، اعتلى الإسلاميون سدة الحكم (1979) بقيادة رجل الدين والسياسي روح الله الموسوي الخميني الذي حكم البلاد (1979/1989) وبدؤوا بمحاكمات الشوارع وأسلمة إيران التي كانت علمانية صرفة، وكان قرار الحجاب الإجباري من أول القرارات.
وفي هذه المرحلة عادت المرأة الإيرانية إلى قصة المنع والفرض، فكان الحجاب إجبارياً في كل شبر من الجمهورية الإسلامية، بعد منع الحجاب الذي كان يجبر كبيرات السن المحجبات على السجن في بيوتهن خوفاً من المحاكمة بسبب ارتداء الحجاب، وتوجب على المرأة الإيرانية عندها أن تلبس الحجاب مهما كان دينها أو فكرها وحتى عمرها، وانتشرت جماعة توازي جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية في كل شوارع إيران لتحاسب كل من لا ترتدي الحجاب، والحجاب هنا لم يكن غطاء الرأس فقط، بل عليها أن تخفي ما بين رأسها وركبتيها، وبهذا غابت عن طهران وسائر المدن الإيرانية الملابس الفرنسية التي كانت تسيطر على المتجول هناك، رغم مظاهرات الإيرانيات التي خرجت من المدن الإيرانية تندد بفرض الحجاب، عندما خلعن الحجاب في الشوارع العامة عام 1979.
ارتداء الحجاب “مودرن”
عرف عن إيران أنها الدولة الوحيدة التي فتحها المسلمون وأَسْلَمُوْهَا دون أن تَتَّعَرَبْ رغم أنها كانت تكتب أدبها باللغة العربية في قرون الإسلام الأولى وأتقنها الجميع، وكان قرار فرض الحجاب من هذا النوع، فحجاب الإيرانية يُظْهِرُ أكثر شعرها ومقدمة رأسها بحيث تذهب صاحبة الحجاب إلى مصففات الشعر اللواتي ابتكرن تسريحات للحجاب شبه الغائب عن الرأس، ويتهاون مراقبو الحجاب في إيران مع إظهار مقدمة الرأس والشعر المتدلي لكن لا يمكن التهاون مع الملابس القصيرة بإشارة إلى أن الجسد بذاته هو الأهم، فيرى المتجول في شوارع طهران حجاباً غريباً من نوعه يظهر من خلاله الشعر لكن لا يسمح ببروز تفاصيل الجسد.
حتى الآن، تندد المعارضة الإيرانية “خارج طهران” بالحجاب الإجباري وقمع الحريات الشخصية في طهران، وأبرزها “حركة مجاهدين خلق” التي تعد أكبر وأنشط حركة معارضة إيرانية منذ تأسيسها عام 1965 على أيدي مثقفين إيرانيين وأكاديميين كان لهم دور كبير بثورة 1979 إلا أنهم طردوا من إيران بعد الثورة الإسلامية، بالإضافة إلى المستنيرين والفنانين والكُتَّاب الإيرانيين الذين ينددون بالحجاب الإجباري منذ سنوات، دون فائدة.
وفي هذه الأيام يستذكر الإيرانيون الذكرى الثمانين لقرار منع الحجاب في إيران تزامناً مع سخطهم على قرار فرض الحجاب الذي يؤكد التحكم المطلق بالحريات بين القرارين والزمنين، فقد استُبدِل التاج بالعمامة وما زالت المرأة أداة.

*شاعر ومترجم من الأردن.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *