*نادين البدير
قبل زمن كرست عشرات المقالات للكتابة دفاعاً عن حقوق المضطهدات فى الأرض. استمر الأمر زمنا ثم توقفت. لم يكن العمل مجدياً، بل مملا جداً. أغرب ما فيه (وتعرفه ناشطات أخريات) هو موقف المعاكسة والمشاكسة. فكلما زادت حدة المقال بطرح مسألة حرية المرأة زادت حدة الشتيمة النسوية لكاتبة المقال وأصبح النقد لاذعا.
قد تحكى لامرأة تقليدية عن حريتها الاقتصادية وحقها فى التصرف بأموالها فتهواك وتشجعك. وتحكى لها عن الحرية السياسية فتصمت، الأمر لا يعنيها كثيرا. أما أن يطال الأمر حريتها الاجتماعية فويل لمن يمس قيودها.
مساواتها بالرجل تعنى انتهاكاً لأنوثتها، حقها فى الاختيار تفسره بالعبث والانسلاخ عن التقاليد والأخلاق.
لا أعلم كيف تثق بتسلط رجل على جسدها وعقلها وترفض سلطته على محفظتها؟!
ترفض منحه صك وكالة يبيع بموجبه ويشترى بمالها كيفما يشاء، لكنها تمنحه صكاً على حريتها. تريده رجلاً ذا سيادة تمنعها من الخروج والدخول والتفكير كيفما تشاء.
الأمر لا علاقة له بالرجل. فداخلها يلعن الحرية الشخصية، ربما ماض طويل من القمع أجبرها على الخوف من الاستقلال.
ثم تتمادى لتحكم أن بقية النساء لسن مؤمنات طاهرات إذا لم يسلمن مصيرهن لذكر، أى ذكر.
لم يؤثر بى النقد النسوى كثيرا، لكن حكاية غيرت اهتماماتى، كانت مع قريبة دائمة الشكوى من مآس تعيشها مع بيئتها. على مدى سنوات لم يمر يوم دون أن تذرف الدموع. فكتبت عن القضية عموما ولم أشر لاسمها بالطبع، جُن جنون الجميع، وجُننت حين علمت أنها كانت تحرضهم واصفة المقال بالخارج عن الأعراف.
واجهتنى غاضبة، انهالت بكلمات كاللكمات. سألتها: ألم يكن ذلك نتيجة شكواك وأن غيرك ملايين يعشن نفس الواقع؟! لم ترد. تظاهرت بعدم السماع.
أغلقت أذنيها. لعلها أصيبت بالبكم.
استمرت بتوجيه اللوم. فالمقال يتنافى والتقاليد. وأنا أغلقت أذنى أيضا.
عموما لم أكن ناشطة نسوية بالمعنى الحقيقى، لم أكن نوال السعداوى مثلا. كانت مجرد محاولة.
لكنى قررت نسيان تلك المحاولة ونسيان قضية المرأة برمتها. تخيل أنك تريد لمسجون الخروج وهو يلعنك ويحكم القبض على أغلاله!!
وعلى العكس تماماً فحين تحكى عن حقوق الرجل ينتشى الأخير ويؤكد موافقته.
والغريب أن غالبية من شجعنى طيلة حياتى، بدءاً من المنزل وصولاً لامتهانى الإعلام، كانوا رجالاً. وغالبية من انتقدنى لحد التجريح كن نساء!
عجزت عن تفسير تلك الازدواجية. ثم توقفت عن التفسير. لأن تحليل الثقافة الفكرية لمجتمعنا أمر معقد جدا.
حتى ثورتها فى الشوارع العربية ضد أنظمة الحكم كانت لصالح الآخر السيد وأهدافه السياسية. إذ تعود كل مساء إلى البيت تبحث عن ذكر يقف أمام المنزل ليسألها: أين تخرجين وكيف تفكرين؟
لا أعلم لِمَ أكتب عن ذلك الآن. ربما غضب دفين بداخلى أردت له أن يشفى وينتهى عبر تحويله لصفحة تزيح عنى ذاكرة سخيفة.
__________
*المصري اليوم