*محمد موسى
في أولى مقاربات الدراما التلفــزيــونية الـهـولــندية لقــضية الهــولنديين المسلميــــن الملـتحـقـيــــن بالتنظيمات المتطرفة في الحروب الدينية المُتواصلة في الشرق الأوسط، يُبرز الفيلم التلفزيوني «إبني الجهادي» الذي عرضه التلفزيون الهولندي الحكومي، المحنة التي تتعرض لها أُسرة مسلمة تجد نفسها عاجزة عن التعامل مع أزمة كونية أكبر من قدراتها.
يدور الفيلم حول تطرف شاب هولندي من أصول مغربية قدم كنموذج لظاهرة الجهاديين المقلقة. بيد أن البطل الحقيقي في الفيلم، هو المهاجر الطيب والد ذلك الشاب، الذي سيراقب حياة عائلته وهي تنهار بفعل هزات العنف التي انطلقت من المدن السورية والعراقية لتصل بعدها إلى قلب مدينته الهولندية.
يلتزم سيناريو الفيلم سردية ترتكز إلى المعلومات المُتوافرة لما يحدث في الواقع الفعليّ، والتي جمعت من شهادات أهل وأصدقاء مقاتلين، وأحياناً عبر ما كشفته السلطات الأمنية الهولندية، أو من قصص الذين عادوا نادمين إلى هولندا. فبطل الفيلم مرَّ بظروف نفسية سيئة كثيراً بُعيد وفاة والدته. وما بحثه عن معنى لحياته في صراع عنيف مُعقد بعيد إلا رغبة في الهروب من واقعه. هناك أيضاً الفجوة الطبيعية بين الأجيال، فالابن الذي يعرف حقوقه ويُجيد اللغة الهولندية، غاضب كثيراً من طيبة الأب وما يراه من استسلامه لواقعه. فهو (الأب) يعمل منذ سنوات في مجزرة اللحوم ذاتها، ويحترم إلى درجات الخنوع زملاءه الهولنديين من حوله. هذه الصراعات الداخلية، وحفنة الأصدقاء المتطرفين الجُدد الذين سيحيطون الابن بالاحترام والاهتمام، ستدفع البطل إلى غربة حقيقية عن عائلته ومدرسته.
ينقل الفيلم بمشاهد واعية وعاطفية، التحولات السريعة التي تطرأ على الابن. فهو سينزوي في غرفته، ليشاهد من هناك أفلاماً عنيفة جداً على «يوتيوب»، لسوريين يقتلون أو يعذبون. وعندما يخرج من الغرفة، يُفرغ غضبه في أبيه وأخته وأخيه الصغير. ستتقطع تدريجياً صلات الابن الشاب بمحيطه المألوف، فيتوقف عن الذهاب إلى المدرسة، ويبدأ تدريبات بدنية استعداداً لرحلة يعرف المشاهد وجهتها النهائية.
وإذا كانت شخصية الابن الجهادي تلتزم الإيقاع ذاته على طول الفيلم، تتميز شخصية والده بالثراء المُغلف بالمأسوية. فهو يخوض معركة يائسة لمنع ابنه من السقوط عميقاً في جُبّ الشرق الأوسط، فيخفي جواز سفره، ويذهب إلى أمام الجامع المعتدل من أجل النصيحة، ويصطدم بأصدقاء ابنه، في فعل كاد يتطور إلى عنف جسدي. كما يذهب إلى الشرطة الهولندية في محاولة أخيرة لمنع الابن من التوجه إلى سورية.
وبموازاة معركته التي بدت خاسرة، كان على الأب مواصلة عمله وحياته. كمـا يبـدأ بمساءلة نفسه عن الطرق التي قطعها في حياته وفعل الهجرة نفسه.
يتجه الفيلم التلفزيوني إلى مزيد من السوداوية في ثلثه الأخير. ذلك أن الابن يواصل تشدده، كما تستمر محاولات الأب لثنيه عن غايته. وفي واحد من اللقطات العسيرة على المشاهدة، يهدد الابن أباه بالضرب ان لم يعد له جواز سفره.
بعد سفر الابن سيهدأ إيقاع الفيلم، ويحل القنوط بدل التوتر الذي طبع أكثر من نصفه. لكن هذا لا يعني نهاية الكابوس للعائلة، فالفيلم يختتم زمنه بمشهد صادم كثيراً، للابن الآخر المُراهق، وهو على أول دروب التطرف.
في مُجمله يبدو العمل الدرامي التلفزيوني الهولندي الأول عن تطرف بعض الشباب الهولندي المسلم، أقرب إلى الأفلام التسجيلية منه إلى الدراما الإبداعية، ونقلاً حرفيّاً أحياناً لقصص وحوادث من الواقع، عوضاً عن أخده مسافة مناسبة من ذلك الواقع، والعودة إليه ضمن معالجة فنيّة تتوخى البحث عن الذي غاب في التغطيات الإعلامية، والتفتيش عن تفاصيل مجهولة، وتسأل أسئلة جدليّة، بدل أن تُغرق الدراما مشاهدها بصور منقولة حرفياً من الحاضر القاتم.
_______
*الحياة