صانع الحب وبائعه.. إحسان عبد القدوس




عبد الرحمن بدوي


هو صانع الحب وبائعه.. جعلني “لا أنام” وصرت أتساءل معه “أين عمري” فعشت حياتي بين “دمي دموعي وابتسامتي” والآن وأنا في خريف العمر كم صادفتني “العذراء والشعر الأبيض” باختصار كل منا كان بطلًا من أبطال رواياته وقصصه ما يقرب من 600 عمل فني منها 49 فيلمًا من أهم روائع السينما المصرية.. إنه فارس الرومانسية إحسان عبد القدوس الذي نعيش هذه الأيام على ذكرى 15 عاما على رحيله.

إحسان عبد القدوس الذي وُلد في الأول من يناير عام 1919 هو ابن السيدة روز اليوسف مؤسسة مجلة “روز اليوسف” الشهيرة و”مجلة صباح الخير”، ووالده هو محمد عبد القدوس الذي كان ممثلا ومؤلفًا.. درس إحسان في مدرسة خليل آغا بالقاهرة 1927-1931م، ثم في مدرسة فؤاد الأول بالقاهرة 1932م-1937م، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وتخرج في كلية الحقوق عام 1942م وفشل أن يكون محامياً.

ونشأ إحسان عبد القدوس في بيت جده لوالده الشيخ رضوان والذي كان متدينا جداً وكان يفرض على جميع العائلة الالتزام والتمسك بأوامر الدين وأداء فروضه والمحافظة على التقاليد، بحيث كان يُحرّم على جميع النساء في عائلته الخروج إلى الشرفة بدون حجاب. وفي الوقت نفسه كانت والدته سيدة متحررة تفتح بيتها لعقد ندوات ثقافية وسياسية يشترك فيها كبار الشعراء والأدباء والسياسيين ورجال الفن.

وكان ينتقل وهو طفل من ندوة جده حيث يلتقي زملاء من علماء الأزهر ويأخذ الدروس الدينية التي ارتضاها له جده، وقبل أن يهضمها يجد نفسه في أحضان ندوة أخرى على النقيض تماماً لما كان عليه، وهذه البيئة التي نشأ فيها إحسان أثرت في كتاباته، لينتج روايات تخطت المحلية لتترجم بعدة لغات أجنبية، حيث يعتبر من أهم الروائيين العرب، لما صنعه أدبه من نقلة نوعية في تاريخ الرواية العربية، حيث تميزت كتاباته بالتحرر، لتبتعد قصص الحب التي يكتبها عن العذرية.

وتصدرت سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة بطولة أكبر عدد من روايات إحسان عبد القدوس، حتى أنه قال ذات يوم: “أما الممثلات اللاتي استطعن أن يجدن تمثيل شخصيات قصصي في مقدمتهن كانت فاتن حمامة فقد استطاعت أن تصور خيالي عندما مثلت دور (نادية) في فيلم لا أنام، وعندما جسدت دور (فايزة) في فيلم الطريق المسدود، وأذكر أني ذهبت يوماً أنا ويوسف السباعي إلى الاستديو أثناء تصوير مشاهد من فيلم “لا أنام” ووقفت أنا ويوسف السباعي مشدودين ونحن ننظر إلى فاتن حمامة، فقد كانت تشبه البطلة الحقيقة للقصة التي كتبتها، كذلك من أفضل من جسدوا شخصياتي هم نبيلة عبيد ونادية لطفي ولبنى عبد العزيز وسعاد حسني”.

تعامل إحسان عبد القدوس مع ستة عشر مخرجاً، يتصدرهم حسين كمال برصيد تسعة أفلام، ثم صلاح أبوسيف الذى أخرج لإحسان ستة أفلام، بينها خمسة أخذت عن الروايات، وفيلم بعنوان (سقطت في بحر العسل) مأخوذ عن أقصوصة من كتاب (البنات والصيف) عام ١٩٦٠، وإحدى قصص (ثلاث نساء) ١٩٦٩. ويمكن القول إن أفلام أبوسيف الخمسة الأولى كانت الأقرب إلى أفكار إحسان الحقيقية، في (الوسادة الخالية) ١٩٥٧، لعبت بطولته لبنى عبدالعزيز أمام عبدالحليم حافظ، عرى فكرة الحب الأول، وكشف زيفها.


بعد أبوسيف.. يأتي حسام الدين مصطفي برصيد أربعة أفلام. أولها (النظارة السوداء) ١٩٦٣ وآخرها (أنا لا عاقلة ولا مجنونة) ١٩٧٦، وإنما أكثرها شهرة “الرصاصة لا تزال في جيبي”، كما قدم هنري بركات لإحسان ثلاثة أفلام، منها فيلم “في بيتنا رجل”.

وشارك إحسان أيضاً في صياغة وكتابة حوار العديد من الأفلام مثل فيلم “لا تطفئ الشمس”، وفيلم “إمبراطورية ميم” الذى كانت قصته مكتوبة على 4 أوراق فقط وأخرجه حسين كمال، كما شارك كذلك الكاتب سعد الدين وهبة والكاتب يوسف فرنسيس في كتابة سيناريو فيلم “أبى فوق الشجرة”.

ويعتبر إحسان عبد القدوس هو ثاني أكثر كتاب القصة والرواية إثراء للسينما.. كماً ونوعاً، لا يسبقه في ذلك سوى الأديب العالمي نجيب محفوظ، فقد بلغ عدد الأفلام المأخوذة عن أدب إحسان اثنين وأربعين فيلماً.. تتنوع مصادرها بين القصة، ٣٢ فيلماً بينها ثلاثة أفلام كل منها ثلاث قصص هي “البنات والصيف” و”ثلاثة لصوص” و”ثلاث نساء”، والرواية “عشرة أفلام”.
وكتب عبد القدوس أكثر من ستمائة قصة، تحول 49 رواية منها إلى نصوص للأفلام و5 روايات تم تحويلها إلى نصوص مسرحية و9 روايات أصبحت مسلسلات إذاعية و10 روايات تم تحويلها إلى مسلسلات تليفزيونية إضافة إلى 65 كتابا من رواياته ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والأوكرانية والصينية والألمانية.

تولى إحسان عبد القدوس رئاسة تحرير مجلة روز اليوسف، بعد ما نضج في حياته، وكانت له مقالات سياسية تعرض للسجن والمعتقلات بسببها، ومن أهم القضايا التي طرحها قضية الأسلحة الفاسدة التي نبهت الرأي العام إلى خطورة الوضع، وقد تعرض إحسان للاغتيال عدة مرات، كما سجن بعد الثورة مرتين في السجن الحربي.

كما تولى رئاسة مجلس إدارة المؤسسة بعد رحيل والدته السيدة فاطمة اليوسف عام ١٩٥٨ لكنه لم يستمر طويلاً حيث قدم استقالته إلى أحمد بهاء الدين الذي تولى رئاسة مجلس إدارة المؤسسة وقتها، انتقل بعد ذلك للعمل بدار أخبار اليوم وتولى منصب رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم مرتين الأولى خلال الفترة من ١٩٦٦ وحتى ١٩٦٨ والثانية من ١٩٦٩ حتى ١٩٧٤، كما عُين رئيسًا لمجلس إدارة أخبار اليوم خلال الفترة من ١٩٧١-١٩٧٤، انتقل بعدها للعمل ككاتب بصحيفة الأهرام، وفي عام ١٩٧٥ عُين رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام واستمر يشغل هذا المنصب حتى عام ١٩٧٦، عمل بعدها كاتبًا متفرغًا ومستشارًا بالأهرام.

وكانت حياة عبد القدوس حافلة بالجوائز والتكريمات، والتي كان منها منحه الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، كما منحه الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك وسام الجمهورية، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1989.

وفي مقدمة كتابه “أيام شبابي” كتب إحسان عبد القدوس، الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 1990: “يا قارئ خطي لا تبكي على موتي أنا معك وغداً في التراب ويا ماراً على قبري لا تعجب من أمري الأمس كنت معك وغداً أنت معي أموت ويبقى كل ما نشرته ذكرى فيا ليت كل من قرأ خطي دعا لي”، عاكسا ًبذلك قوة إيمانه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* الأهرام

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *