“أريج الريحان”.. رواية إسبانية عن آخر هزائم المسلمين بالأندلس


*علي بونوا

خاص ( ثقافات )

”تم العثور قبل سنوات، أثناء أشغال إعادة بناء أحد المنازل في الحي ”البيازين” الغرناطي، على 54 مخطوطا باللغة العربية ووثيقة مخطوطة على ورق سميك بحروف عربية أندلسية كانت مخبأة وسط جدار. كانت بعض المخطوطات قد تأذت جدا بفعل الرطوبة والحشرات. وعقب إخضاعها لعملية طويلة من الترميم وبعد ترتيبها وتبويبها تم التمكن من ترجمة نصها ونقله في هذا الكتاب”.

بهذه الأسطر يفتتح الكاتب الإسباني (مارثيليانو غاليانو) روايته التاريخية التي اختار لها عنوان (أريج الريحان) والتي يحكي فيها قصة فتى موريسكي من غرناطة يدعى (سعيد) ويسرد فيها على لسان هذا الأخير أحداثا شيقة وقعت في سنوات مضطربة من أواسط القرن الخامس عشر الميلادي حين كانت إمارة الأندلس تقترب من نهايتها الحتمية. مرحلة تعاقب فيها الملوك والأمراء على عرش قصر الحمراء، في مسلسل من الخيانات والمؤامرات والانقلابات.

يطلعنا السارد من خلال شخصية (سعيد) على الحياة اليومية لسكان غرناطة إبان تلك الأوقات العصيبة لحروب الاسترداد التي كان الملوك الكاثوليك يشنونها على المدينة خلال حكم بني الأحمر. ويصف بطل الرواية سعيد، وهو من أب مسيحي اعتنق الاسلام وأم مسلمة، المكان الذي ترعرع فيه والعادات السائدة في منزل عائلته ونمط العيش العربي في الحواضر الأندلسية.

كما يحكي أيضا عن دقائق أموره الخاصة من قبيل بداياته مع النساء وعن علاقته المميزة مع جده، الرجل القوي والمثقف، وكيف غرس فيه حب الكتب التي سيخاطر بحياته من أجل إنقاذها من المحرقة بعد قرار الغزاة الجدد منع تداولها وقراءتها. هكذا يحس القارئ لرواية (أريج الريحان) وهو يواكب مسار هذا الموريسكي الغرناطي كما لو أنه يعيش معه تلك الأحداث ليكون أحد الشهود على الخمسين عاما الأخيرة من تواجد المسلمين في الأندلس.

رغم انحداره من وسط اجتماعي متواضع تمكن (سعيد) من ولوج مجال النخب السياسية والعسكرية وصار فارسا في محيط البلاط ومن هذا الموقع المتقدم يطلع القارئ على مجريات الأمور وينقل له أهم الأحداث ومنها مشاركته في الدفاع عن حوزة المدن التي كان يحاصرها النصارى كحصار الملك فرناندو لمدينة مالقة وهو حدث خصص له الكاتب فصلا كاملا من الرواية. كما يسرد مرارة تلك المعاناة التي تجرعها، على غرار باقي مسلمي الأندلس، بعد الهزيمة في الحرب والرزوح تحت وطأة عار وذل الإذعان على يد المنتصرين.

ويرافق القارئ عبر (أريج الريحان) بطل الرواية أثناء جولاته في مختلف بقاع الأندلس ومدن المغرب الإسلامي ويكتشف من خلال سفرياته السهرات الحمراء الباذخة لسلاطين وملوك الطوائف وتنعمهم برغد العيش وسط الحريم محاطين بما لذ وطاب من الأطعمة والأشربة. كما تنقل الرواية قرائها إلى ساحات المعارك الطاحنة والملاحم العسكرية الحاسمة كتلك التي جمعت القوات المسيحية بقيادة (رودريغو بونثي دي ليون) بجيش أبو الحسن في موقع الحامة بغرناطة.

وتتخلل فصول الرواية ذات الطابع السردي الشيق مقاطع وصفية أبدع الكاتب/السارد في رسمها ينقلها بألمعية فريدة مثل مشاهد الأحصنة والجياد المسرجة بالمخمل القرمزي والجلسات داخل إقامات معطرة بروائح المسك والريحان وزيت الصندل…

والملاحظ أن الكاتب غاليانو يظهر من خلال روايته (أريج الريحان) عارفا وخبيرا بتفاصيل التاريخ الإسلامي لإسبانيا خصوصا تلك الحقبة التي بدأت فيها حروب الاسترداد وما نتج عن ذلك من اضطهاد للأندلسيين المسلمين الذين كانوا يقيمون في مدن النصارى وانتهت بتسليم مفاتيح آخر مملكة إسلامية بغرناطة من طرف أبي عبد الله للملوك الكاثوليك إيذانا بتبدد حلم استمر لثمانية قرون.

ولعل الإطلاع الواسع للكاتب الاسباني (مارثيليانو غاليانو) على تلك الجوانب التفصيلية من التاريخ الأندلسي مرده إلى كونه من مواليد مدينة طليطلة التي كان يضرب بها المثل في التعايش السلمي بين الديانات الثلاث (اليهودية، النصرانية والإسلام) أيام المجتمع الأندلسي. هذا بالإضافة إلى الاهتمام الشخصي للروائي الطليطلي بالبحث في المصادر التاريخية الإسلامية خصوصا أن غاليانو لجأ إلى هذه المصادر لتوثيق وتحقيق الأحداث التي أسس عليها روايته لأنه لم يكن يثق كثيرا في المصادر المسيحية، كما صرح هو بذلك، باعتبار أن المعطيات حول الحياة اليومية للسكان الأندلسيين المسلمين لم تسجل إلا في كتاباتهم.

نبذة عن الكاتب الإسباني:

الكاتب الروائي (مارثيليانو غاليانو روبيو) من مواليد سنة 1942 في مدينة طليطلة. هاجر إلى ألمانيا وهو مازال صغيرا. كان يشتغل طيارا مساعدا في الخطوط الجوية بمدينة فرانكفورت. انتقل لاحقا رفقة زوجته وأولاده للعيش بالعاصمة الاسبانية مدريد. مكنه عمله في الطيران من السفر والتعرف على مختلف المدن والعواصم العالمية: نيويورك، شيكاغو، القاهرة، بوينوس آيريس، نيروبي، ليما…

نشر العديد من يومياته على صفحات مجلة (روندا إبيريا) التي توزع على المسافرين خلال الرحلات الجوية. غاليانو قارئ نهم وكاتب راكم العديد من المشاركات في المسابقات الأدبية التي تأهل للأدوار النهائية لأغلبها. متخصص في كتابة الرواية التاريخية. أصدر روايته الأولى سنة 2009 وهي (أريج الريحان) وقد لاقت استقبالا لافتا من لدن النقاد والقراء. وفي 2013 صدرت له الرواية الثانية تحت عنوان (أسير غرناطة) وهي أيضا رواية تاريخية تدور أحداثها حول اعتقال الوزير الغرناطي لسان الدين بن الخطيب بمدينة فاس المغربية.
________
*كاتب، مترجم مغربي وباحث في الأدب الإسباني

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *