عيناها.. حكاية حب إيرانية في زمن الدكتاتورية



*إيناس المنصوري


خاص ( ثقافات )


رواية “عيناها” للكاتب بزرك علوي (1904- 1997) هى أحد اهم الاعمال الروائية الإيرانية التى ترصد إيران ماقبل الثورة الإسلامية ، وقد اشتهرت كرواية سياسية أكثر من اعتبارها رواية عاطفية لتضمنها قصة حب شديدة الرومانسية.
صدرت لأول مرة عام 1952 ، و كما صدرت ترجمة عربية ثانية لها في العام 2014 ضمن سلسلة إبداعات عالمية الكويتية، حيث قام بالترجمة الدكتور أحمد موسي، والمراجعة وكتابة تقديم للرواية الدكتورة زبيدة اشكناني المتخصصة في الأدب الفارسي.
تبدأ رواية “عيناها” للكاتب الإيراني بزرك علوي بتقديم الجو العام المهيمن على طهران وإيرن كلها في سنوات الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي ، حيث القبضة القوية للديكتاتور رضا شاه بهلوي ، مع انتشار الأمية والتخلف والفقر والفساد والقمع ، وإجراءات التحديث بالقوة من قبل نظام الشاه ، وترسخ النفوذ الغربي في البلد ، كل ذلك مع بروز طبقة من المتعلمين والمثقفين المتأثرين بالثقافات الغربية وسعيهم من أجل ادخال الحداثة في إيران ، وانتشال الشعب من تغلغل الخرافة و الجهل والتخلف في عقول الإيرانيين من عامة الشعب .
تنساب أحداث الرواية من خلال ثلاث شخصيات رئيسية: ناظر المتحف الفني، والسيدة فرنكيس، والرسام ماكان، الذي يجسد بلوحاته أهم ما كان يمر به البلد أثناء حكم الشاه .
من خبر وفاة الرسام “ماكان” في العام 1938 م ، وتزايد النقاش والاهتمام حول أبرز لوحات الرسام “ماكان” وهى اللوحة التى تحمل عنوان “عيناها” يتحرك ناظر المتحف الفني باحثا ًعن تفاصيل غير معروفة وجوانب مجهولة من حياة الرسام “ماكان” فيبدأ البحث عن المرأة الملهمة التي رسمها الفنان ، حيث يقوده البحث إلى تخمين وجود امرأة تحمل اسم “فرنكيس” تزور المتحف في الذكرى السنوية لوفاة الرسام “ماكان” .
وفي الذكرى الخامسة عشر لرحيل الفنان ينجح في لقاء السيدة ويقنعها أن تروي له سر اللوحة ، وما خفي من حياة الفنان “ماكان ” ، وتحديدا عن الظروف التي أوصلته للحكم عليه بالنفي في احدى القري الإيرانية النائية حيث قضى ماتبقى من سنوات حياته التي قام فيها برسم لوحته الشهيرة عيناها قبل أن يتوفي.
من هذا اللقاء ينطلق السرد على على لسان “فرنكيس” التى ستروي ذكرياتها مع الفنان التشكيلي “ماكان” و هو صاحب شهرة كبيرة داخل إيران وخارجها ، المناضل المهموم بالكادحين ، المشغول بالقضايا السياسية والاجتماعية للوطن ، أما “فرنكيس” فهى الفتاة الجميلة المنتمية لأسرة إقطاعية غنية ، وحيدة والديها ، مدللة ، وصاحبة نزوات ورغبات متقلبة ، يقودها نزوة الولع بالرسم إلى مرسم الاستاذ “ماكان” لتعلم الرسم على يديه ، ولكن تصدمها لامبالاته وعدم وقوعه تحت تأثير جمالها ، ومن خلال تلك الزيارة تكتشف أنها لاتملك أية موهبة ، رغم ذلك تقرر السفر إلى فرنسا للدراسة والتعلم في أرقى أكاديمية للفن في أوربا ، لتضعها الظروف في طريق الطالب الإيراني اليساري “خداداد” الذي يقودها باتجاه العودة ولقاء استاذه “ماكان” حيث تنخرط بالعمل السياسي السري رغبة في التقرب من الفنان الكبير، وكي تكسب حبه واحترامه .
ينتهي الحال بالفنان للوقوع في قبضة شرطة “رضا شاه” أثناء تعقبها للمعارضين السياسيين ، لتقدم “فرنكيس” على تضحية كبيرة لتخفيف عقوبة الاستاذ “ماكان” من السجن المؤبد للنفي لمنطقة نائية ، بزواجها من رئيس جهاز الأمن الإيراني ، الذي تتركه بعد سقوط حكم الشاه رضا بهلوي ، لتعود إلى ايران بعد وفاة ماكان الرجل الوحيد الذي أحبته في حياتها.
* * *
يري المختصون في الأدب الإيراني أن ابطال رواية “عيناها” لهم وجود بالواقع ، إذ يرجح كثيرون أن “ماكان” هو الفنان الإيراني محمد غفاري (1849 – 1940)الذي اشتهر باسم كمال الملك وهو أحد كبار الفنانين الإيرانيين، ومن رواد النهضة الفنية والفكرية في البلد ، أما آرام فيُعتقد أنه أيرو رئيس الشرطة في عهد رضا شاه . 
ومن خلال هذه الرواية يكشف بزرك علوي المثقف والكاتب اليساري عن آرائه السياسية ، ورؤيته للفن ، دون أن يُثقل على القارىء بتلك الآراء الاشتراكية ، إذ يرسم لنا صورة عن المجتمع والدولة في ايران ما قبل الثورة الإسلامية ويعُرف القارىء العربي علي الصراعات بين اليسار واليمين في إيران، عن مظاهر الفقر والأمية والتعلق الشديد بالخرافات ، كما نتعرف على التناقضات في حياة الأسر المحسوبة على الطبقة العليا بالمجتمع الإيراني ، وصراع العادات والتقاليد الموروثة منذ أجيال وبين الأفكار الحديثة التى بدأت تغزو المجتمع الإيراني بعد زوال حكم الاسرة القاجارية التى أبقت إيران في العصور الوسطي لزمن طويل ، عن التحديث بالقوة الذي انتهجه الشاه رضا بلهوي بالأخص في قضية نزع حجاب النساء الإيرانيات بقوة والتي صارت واحدة من الأسباب التي تقود للتطرف في إجبار الإيرانيات على ارتداء الحجاب بعد انتصار الثورة الإيرانية . 
كما يتطرق علوي لقضية الإقطاع في المجتمع الإيرانى والتدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للبلد، وتجذر الفساد والمحسوبية في نظام الشاه رضا الذى لا يتوانى هو شخصيا عن التلاعب بملكيات الفلاحين والأغنياء من سكان القرى للاستيلاء على أراضيهم وأملاكهم .
يري الكثير من المختصين في الأدب الإيراني الحديث أن أهم عناصر رواية “عيناها” هو أنها محاكاة مشاعر المرأة العاشقة ، صاحبة النزوات ، والشخصية النرجسية بقلم رجل بطريقة مدهشة.
* * *
بزرك علوي ولد في العام 1903 م بأسرة دينية لها نشاط سياسي بارز ، إذ ناصر كلا من والده ووالدته الحركة الدستورية في إيران مطلع القرن العشرين أواخر أيام حكم الأسرة القاجارية ، ولكن دراسته بأوربا في سنوات الثلاثينات ساعدته على الاطلاع بشكل عميق علي الفكر الأوربى الحديث ، والتعرف على الكتابات والأفكار الاشتراكية ،وقد دخل السجن في إيران لمدة خمس سنوات ، باعتباره أحد مؤسسى الحزب الشيوعي الإيراني”توده” في سنوات الأربعينات ، وقد نفي إلى الخارج في زمن رضا بلهوي حيث توفي في برلين في العام 1997.
و تذكر د. زبيدة أشكناني في مقدمة الرواية أن بزرك علوي يعد اليوم أحد الأصوات الأدبية المهمة في إيران ، حيث شكل مع كل من مسعود فرزاد ومجتبى مينوي ما أُطلق عليه (عصبة الأربعة) ، في مواجهة التيار الأدبي الكلاسيكي المحافظ (عصبة السبعة)، ومن ضمن أعضائه سعيد نفيسي وعباس رشيد ياسمي .
___________
*عضو هيئة تدريس بجامعة بنغازي

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *