محمد ابراهيم
رغم وجود الكثير من المساجد التاريخية في القاهرة القديمة، إلا أنه لا يوجد مسجد في مكانة وأهمية الجامع الأزهر، وبعد أن شرع القائد الفاطمي جوهر الصقلي في بناء مدينة القاهرة أمر ببناء جامع الأزهر عام (359هـ – 970)، كمسجد مخصّص للعبادة والتعليم ونشر الفكر الشيعي، وقد تمّ الانتهاء من بناء المسجد في (361هـ – 972).
وسُمي المسجد خلال فترة حكم الفاطميين باسم (جامع المنصورية)، واكتسب المسجد اسمه الحالي “جامع الأزهر” في وقت ما بين خلافة المعز لدين الله الفاطمي وحتى نهاية عهد الخليفة الفاطمي العزيز بالله، تيمنا بفاطمة الزهراء بنت النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) وزوجة الإمام علي بن أبي طالب.
وخلال الخلافة الفاطمية تمّ بناء جامع الأزهر ليكون قاعدة لنشر المذهب الشيعي الإسماعيلي في القاهرة، ومواجهة مدينة “الفسطاط” ذات الكثافة السكانية العالية السُنية، فخلال هذا العهد كانت القاهرة مركزاً للطائفة الإسماعيلية الشيعية، وكانت الفسطاط عاصمة أهل السُنة.
وخلال عصر الدولة الأيوبية كان صلاح الدين الأيوبي الذي أسقط الدولة الفاطمية عام 1171، معادياً لنشر وتعليم المبادئ الشيعية داخل جامع الأزهر، حيث أمر صلاح الدين الأيوبي بإزالة محراب من الفضة داخل المسجد عليه نُقوش أسماء الخلفاء الفاطميين، وأصبح المسجد خلال العهد الأيوبي مركزاً لتعليم مبادئ السُنة.
وفي عهد دولة المماليك شهد جامع الأزهر استعادة بريقه المفقود خلال العهد الأيوبي على يد السلطان بيبرس، الذي أمر بعودة رواتب المعلمين والطلاب وبدء العمل لإصلاح المسجد، مثل: (الجدران والسقف وتوفير الحصير الجديد، وتعليق الزينة والنجف، وعمل نقوش إسلامية، وكتابة آيات قرآنية).
وفي عام 1302 تعرّضت القاهرة لزلزال كبير ألحق أضراراً في بنية جامع الأزهر وعدد من المساجد الأخرى في جميع أنحاء الأراضي القاهرة المملوكية، وتم تقسيم مسؤولية إعادة إعمار جميع المساجد بين أمراء المماليك، حيث شهد الجامع توسّعات جديدة عبارة عن مدارس ومداخل وقاعات للصلاة داخل جامع الأزهر.
وخلال عهد الدولة العثمانية التي بدأت عام 1517، أظهر الأتراك احتراماً كبيراً لقيمة ومكانة المسجد باعتباره منارة العبادة والتعليم، وعمل السلطان سليم الأول – أول حاكم عثماني على مصر- على حضور صلاة الجمعة مع الأمراء العثمانيين، وحاول المماليك بين فترة وأخرى عمل مؤامرات وفتن لاستعادة السلطة من أيدي العثمانيين، إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل، ومع ذلك ظل للمماليك قوة مؤثرة داخل المجتمع المصري، وبحلول القرن الثامن عشر استعادت النخبة المملوكية جزءاً كبيراً من ثرواتهم المفقودة في معركتهم مع العثمانيين، وهو ما انعكس على جامع الأزهر الذي شهد تجديدات وتوسّعات جديدة على يد علي بك المملوكي، وكان الأزهر مركزاً لخروج الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية ضد الحكم العثماني لمصر، سواء من العلماء أو من عامة الناس.
ومع دخول الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت عام 1798، عمل على استرضاء سكان مصر وأمراء الدولة العثمانية، حيث قدّم نابليون خطاباً في الإسكندرية أعلن من خلاله احترام الإسلام والسلطان العثماني، وخلال فترة وجوده فشل نابليون في الحصول على فتوى من أئمة الأزهر تجيز طاعته وإظهار الولاء لحكمه، وهو ما دفع العثمانيين إلى إعلان الحرب ضد القوات الفرنسية، حيث خرجت ثورة الشعب المصري من مسجد الأزهر بالحجارة والرماح والسكاكين، وحاول نابليون التوصّل إلى صيغة تفاهم مع الأمراء والعلماء لوضع نهاية للقتال.
وحاول نابليون إعادة فرض هيبته مجدّداً فقام بالقبض على الكثير من المصريين المتورّطين في قتل الجنود الفرنسيين خلال التظاهرات، لدرجة أن الجنود دنّسوا المساجد وعلى رأسها الجامع الأزهر بأحذيتهم للقبض على الناس ومَنْ يحتمون بالمسجد، وفي ظل هذه الفوضى العارمة يتم اغتيال القائد العسكري كليبر عام 1800 على أيدي سليمان الحلبي، وهو الأمر الذي أدى إلى انسحاب الحملة الفرنسية من البلاد بسبب عدم قدرتها على السيّطرة على الغضب الشعبي.
وبعد انسحاب الفرنسيين من البلاد عيّن محمد علي باشا نفسه والياً على مصر استجابة للشعب، ويعدّ مؤسس الأسرة العلوية التي حكمت مصر من 1805 إلى عام 1952، وسعى إلى توطيد حكمه من خلال التقرّب إلى علماء الأزهر، وسار على نهجه أبناؤه وأحفاده، والذي كان آخرهم الملك فاروق الذي تنازل عن العرش الملكي بسبب ثورة 1952، وفي أعقاب ذلك بدأت جامعة الأزهر في فصل نفسها تدريجياً عن المسجد، وفي عام 1961 ووفقاً للقانون الصادر في نفس العام تمّ إعلان قيام جامعة الأزهر رسمياً وإنشاء العديد من الكليات.
ويقول د. فتحي السيد، الباحث في شؤون التاريخ الإسلامي: إن جامع الأزهر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ القاهرة على مرّ العصور، حيث شهد فترات ازدهار وخفوت بسبب الرؤية المختلفة لحكام مصر عبر التاريخ إلى الأزهر ودوره التنويري.
ويوضح أن المسجد يضمّ الكثير من القاعات والمآذن التاريخية – على سبيل المثال – توجد “مئذنة قايتباي”، التي بُنيت عام 1483، وتتكوّن من ثلاثة طوابق للوصول إلى قمة المئذنة، وهناك أيضاً “باب الجندي” الذي يطلّ مباشرة على فناء المسجد، بالإضافة إلى “مئذنة الغوري” المنحوتة حجرياً بدرابزين في وسطها وقرب قمتها.
ويشير إلى أن المسجد يضمّ فناءً كبيراً يعود تاريخه إلى القرن العاشر، بواجهة بيضاء منقوش عليها زخارف إسلامية وألواح مقوّسة تعود إلى الحقبة الفاطمية، ويقول: إن المسجد يضمّ مكتبة تمتلئ بالوثائق والمخطوطات وأمهات الكتب الإسلامية، ولذلك لا يُسمح بفتح المكتبة للزوّار، وتُعتبر المكتبة في المرتبة الثانية في الأهمية والمجلدات النادرة التي تضمّها بعد دار الكتب المصرية.
وكالة الصحافة العربية