*حمود سعود
تعد الحكواتية الفلسطينة دينس أسعد من أهم الأسماء العربية التي أهتمت بالحكاية الشعبية وجمع هذا التراث الشفوي، وللحكواتية مساهمات كثيرة في هذا المجال، وشاركات في الكثير من المؤتمرات في الوطن العربي، وشاركت كذلك في مؤتمر الطفل في سلطنة عمان هذا العام. الزمن تقترب من تجربة دنيس أسعد عبر هذا الحوار ..
1. البطاقة الشخصية لدنيس أسعد. المولد والدراسة والاهتمامات والعائلة؟
الأصل من قرية قيسارية قضاء حيفا المهجرة عام 1948، ولدت في الناصرة لأبوين لاجئين من قرية قيسارية، انتقلت مع الاهل الى حيفا عام 1960 نشأت وترعرعت في مدينة تم احتلالها عام 1948 وفرض على أهلها الاصلين الذين بقوا فيها الحكم العسكري حتى عام 1967 .لاجئة في الوطن لا أملك الرجوع لمسقط رأس أبي وأمي رغم وجود الوثائق التي تثبت ملكية عائلتي للأرض والدار. حاصلة على لقب مهندسه تطبيقية للأجهزة الطبية (عملت حتى عام 1988 في مستشفى في صيانة الأجهزة الطبية) من ثم حصلت على البكالوريوس والماجستير في الأدب المقارن والتربية لجيل الطفولة المبكرة، متزوجة وعندي ولدين وبنت .اسكن مع عائلتي في مدينة حيفا ، واعمل بشكل مستقل كباحثة في أدب الأطفال ومحررة للنصوص الأدبية للأطفال وكفنانة حكواتية ومدربة على فن الحكي.
2. متى بدأت مشروع جمع الحكاية الشعبية؟ وما الذي دفعك لجمع الحكايات وسردها؟
الحقيقة التي أكررها دائما هي أني عدت للاهتمام بالحكايات الشعبية بعد ولادة ابني البكر أمير والذي عانى من عمليه ولادة صعبة أدت الى اصابته بالشلل الدماغي، مما اعادني الى حكايات كان أبي قد سردها لي، عدت اليها لأتواصل مع ابني أمير خاصة انه مخدرا تماما كان وموصولا بأجهزة تساعده على التنفس والاستمرار في الصراع على حياته، وبالطبع لا وجود لاي تواصل بصري بيننا، وجدت نفسي اجلس لساعات أغني لأمير وأهدهده مع الأغاني الشعبية والتهاليل، واسرد له الحكايات لكي أتواصل معه بطريقة معينة. عند التحق امير بروضة علاجية وهو في الثالثة من عمره، عدت الى مقاعد الدراسة لأتخصص بموضوع أدب الأطفال والتربية لاني افتقدت لوجود نصوص عربية جيدة اقرأها لامير، وتعليمي اعطاني الأدوات العلمية لجمع الحكايات واعدادها للأطفال .الذي دفعني بداية لسرد الحكايات كان ولادة امير وحاجتي للتواصل معه ولاحقا صار تجميع الحكايات وسردها حاجة وجودية تساعدني على تجاوز اوجاع الحياة الخاصة (حياتي كام لطفل ولاحقا شاب معاق) والحياة بشكل عام في فلسطين.
3. هل تساهم الحكاية الشعبية في تربية الطفل إبداعيا؟ وهل لها دور في أتساع خياله؟ الحكاية الشعبية كانت منذ الازل وسيلة التواصل الأفضل بين الأجيال ، ينقل من خلالها البالغين قيم وعادات المجتمع المحيط بكل طفل وطفل ، وكانت الحكاية وسيلة لتجسير الفجوة بين الأجيال حيث كان يجتمع كل أطفال العائلة الموسعة من جميع الأعمار ليسمعوا الجدة او العمة تسرد لهم حكايات زمان فينتقلوا الى عالم ساحر فيه الخير ينتصر على الشر والأمير الصغير هو من يهزم الغول والاشرار عالم فيه شخصيات خيالية لكن يحمل مضامين إنسانية أخلاقية تصقل هوية الأطفال وتوجهاتهم الأخلاقية.، الحكاية تنمي الخيال عند الأطفال من خلال استماعهم لأحداثها الخيالية الخارقة ، كما انها تنمي مخزونهم اللغوي والثقافي حيث يتعرفون من خلال كل حكواتي او حكواتية على مخزون جديد من المفردات والتشبيهات والاغاني المرافقة للحكايات المختلفة .
4. هل هناك ثيمات تتشابة بين الحكاية الشعبية في الوطن العربي؟
بالطبع الحكايات في جميع انحاء العالم تتشابه هذا ما اثبته الدراسات العلمية في انحاء العالم من منطلق ان لجميع الناس الاحلام والطموحات والمخاوف ذاتها مهما كانت الاختلافات بينهم، وهذا اكيد في حكاياتنا في انحاء العالم العربي ومن تجوالي في انحاء الوطن اكتشف الكثير من الحكايات المتشابهة ، فمثلا تيمة موت الام وقسوة زوجة الاب التي تنال في النهاية جزائها هي وبناتها المدللات ، او تكرار تيمة الحرمان من الأطفال وارتباط الموضوع بالسعادة. انتصار الخير على الشر.
5. ما الثيمات التي ظهرت كثيرا في الحكاية الشعبية الفلسطينية؟
الحرمان من الأطفال ثيمة تتكرر كثيرا في كثير من الحكايات الى جانب ولادة مولود غير انساني مثل “نمولة” او “عديسة” “خنيفسة” وهذا برأيي يدل على أهمية انجاب الأطفال في مجتمعنا، لان مجتمعنا كان باغلبه مجتمع فلاحين يعتمد على الايدي العاملة في استمراره ، لذلك وبالإضافة لان الزواج وولادة الأطفال من سنة الحياة ، فان وجود العدد من الكبير من الأطفال وبالذات الذكور منهم هو مورد رزق وفير ومصدر مساعدة للاب لفلاح.
6. ما الصعوبات التي تواجيهيها في عملك كحكواتية وجامعة حكايات شعبية؟
في البداية كان صعب على المجتمع تقبل عملي كفنانة حكواتية لانها كانت مهنة للرجال فقط، اليوم هناك تقبل اكثر للموضوع، بالإضافة لرفض المؤسسة الفنية في البلاد الاعتراف بفن الحكواتي كفن مستقل قائم بحد ذاته فيه الكثير من المشترك مع الفنون الادائية ولكن له ما يميزه .بخصوص جمع الحكايات اواجه صعوبة في التنقل في انحاء الوطن فانا محرومة من دخول غزة منذ الانتفاضة الثانية عام 2000 ، اما دخول مدن الضفة الغربية فأحيانا نمنع من دخولها خاصة مع بداية الانتفاضة الثالثة.
7. لو تحدثينا عن مشاريعك القادمة في الحكاية الشعبية؟
المشروع الأهم الان هو تسجيل حكاياتي الشعبية صوتا وصورة ورفعها على اليوتيوب لتكون متاحة لأكبر عدد من الأطفال ومن المهتمين بالحكاية الشعبية في انحاء العالم العربي. بالإضافة لتحضيري لعرض حكايات صوفية تحتوي على حكايات موسيقى ورقص صوفي . 8. هل تعتبر الحكاية الشعبية الفلسطينية فعل مقاوم وفعل ثبات وتشبث بالأرض؟ الحكاية بدأت مع بدء حياة البشر والحكاية هي موروث شعبي غير ملموس ترصد تاريخ الشعب عراقته قيمه وجماليات ثقافته. حكايتنا الفلسطينية هي اكبر اثبات على جذورنا الممتدة في الأرض منذ الاف السنين وهذا يدحض الأسطورة الصهيونية ان فلسطين بلد بلا شعب لشعب بلا بلد. نقل حكايتنا الشعبية لأطفالنا هي فعل مقاوم لأنها تربطهم بثقافتهم وتنمي هويتهم الوطنية. للأسف بلادي مقطعة الأوصال بسبب الاحتلال والجيل الصاعد في اغلبه حرم من زيارة كافة انحاء الوطن بسبب الحواجز وجدار الفصل العنصري ، فابن الضفة الغربية محروم من زيارة القدس وحيفا يافا وغزة، والحال نفسه مع ابن غزة الذي لا يستطيع مغادرة منطقته بدون تصريح من جيش الاحتلال، لذلك تأتي حكاياتي لتعرف كل طفل في موقعه على باقي انحاء الوطن لتبقى صورة الوطن ومعالمه كاملة في قلوب ووجدان أطفال بلادي .
9. رسالتك إلى الباحثين والمهتمين بالحكاية الشعبية في الوطن العربي؟
علينا ان نبدأ بإعادة مركزية الحكاية الشعبية في عملية التربية من خلال تأهيل كوادر من الشباب على فن الحكي، مهم ان ندون الحكايات ونصدرها في كتب للباحثين لكن الحكاية عندما تكتب تموت ، لان الحكاية يجب ان تواصل تناقلها الشفوي من جيل لجيل لتبقى حية تنبض بنبض الزمن التي تنقل فيه.
10. هل حاول المحتل الإسرائيلي السطو على التراث الفلسطيني؟
حقا هو حاول مثل ما عمل مع مأكولاتنا الشعبية التي أصبحت من ماكولاتهم الوطنية، والثياب الفلسطينية المطرزة التي البسوها لمضيفات طيرانهم الوطني، يجمعون حكاياتنا الشعبية تحت مسمى حكايات يهودية من العراق/المغرب/ سوريا….. ويصنفوها في أرشيفهم الوطني في جامعة حيفا كحكاياتهم الشعبية .
________
*المصدر: الزمن العًمانية