كان لديَّ


أسماء الجزائرية


خاص ( ثقافات )
خرجنا من كتبنا وأحلامنا وتركنا كلَّ شوارع المدينة مضاءة
لم تعد تهمُّ الفواتير دفعناها مُسبقاً على غير عادتنا
خرجنا ونسينا كيف نرتدي الجوارب والشالات ونسينا ملابسنا الداخلية
لا وقت لنكون بشراً أصبحنا من الرُّعب نحمل مراحيضنا معنا
نسينا وضع وضعيات للقُبلِ على شفاهنا الشَّاحبة
ولا وقت لتجفيف دمُوعنا تركناها داخل المِغسلة
نسينا ابتساماتنا المُتَّسخة ملقاة على أرضيَّة الغرف الدافئة
وحكاياتنا على الطَّاولة وجبةً بائتة
حتى أننا تركنا من دهشتنا سحَّاب قبورنا مفتوحاً لالتهامنا
نسينا أسماءنا وحين عبرنا المحطَّة كانت الكلاب تنبح ولا أحد منَّا أدار ظهره للهويَّة
كان لديَّ حبيب
يبسَ فصرتُ أفتِّته وأنسُفهُ في الهواء: عش طويلاً في هذا الخلاص.. البشرُ ورقة خاسرة!!
كان لديَّ أصدقاء
صنعوا لأنفُسهم أحجيات واختفوا داخل القُبعة
كان لديَّ وقتٌ بجرَّة مثقوبة أهدرتُه على الطُّرقات الغريبة
كان لديَّ حلم استفاقَ
وجعل الحياة كوميديا إلهية
كُنت أحلم بسماء بعيدة عن حُلمنا..
بأشقاء لا يمُوتون بطلقة عشاء طائشة
بسيارة إسعاف كأمٍّ تحضر في الأوقات المُناسبة
فأخبرها عن الانتظار البارع في اصطيادنا
بباب كورقة يناصيب أقشطُها فأعثر على بيتي
أنشر بعدها دمُوعي لتجفَّ وأجلسُ أنتظر متى تنظف من جروحُها ابتساماتي
أجمع الحِكايات من الصُّحون وأقول للدُّود: لا أحد ينظر داخِل القُبور والقُمامات إلا السَّحرة والمُتسولين
أطفئوا الشَّوارع وأتمنى لكلِّ القُلوب “نومة هانئة”
وللحُروب أقول: نظِّفي قذارتك أيَّتها الخادمة
للأطماع: لا تُورقي على المدار “حاجة”
للوحِدة: كوني خياراً لا فرضاً
للعزلة: أنتِ غرفة فندق على طريق لم يكتمل
للسلام: لا تُدخننا كثيراً فتُصاب بوعكة مميتة
للبلاد: أيَّتها العاهرة.. وأسقط على أحضانها كغيمة باكية
وحين أنام أنسى كيف يُمكنني أن أستيقظ من جديد.. فتضيع منِّي الطريق ولا أعود
أحلم.. قبل أن أستطيع النَّوم لأحلم سريعاً بما قرَّرت الحلم به
فالنوم أصبح زائراً خفيفاً
نرغبه ولا يرغبنا
لي حبيب جديد وضعتُ في جيبه كل عناويني.. حتى بيت الآخرة
قلتُ: كنْ مفتاحاً
فقال: لستُ فرجاً
قلت: كنْ إذن فرجاً
قال: لستُ صبوراً بما يكفي
قلت: وما يكفيكَ؟
قال: الكفاية بما أنا عليه؟
ثم قال: أحمل النَّهر.. يحمل النَّهر غرقاهْ.. يحملُ غرقاه قضاياهم.. تحمل القضايا ما يكفي من الخُرافات..
وما في الخُرافات سوى الخسارات
ثم قلتُ: كنْ مفترقاً
قال: كنتُ الطريق إليه
قلتُ: كنْ وصولاً
قال: لست نبياً
قلتُ: كنْ رسالة
قال: “ما في الجبة إلا الله”(1)
ثم قلتُ: كن خساراتي الكبرى
فكــــــــان
ابتسمنا كبرق.. وانطفئنا تنهيدات راعِدة
على المقعد الخلفيِّ للسَّماء دوَّنت ملاحظاتي:
استعدت كل عناويني إلا الأخير أنا ماضية الآن إلى الآخرة
لسنا ضَلالة ولا ذئاب تُدافع عن أنيابها
نحن عشاق ومجانين ويتامى وموتى
لكن هذا العالم كبيت بعنوان لم يدوَّن.

(1): محيي الدين بن عربي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *