السلام عليك أيتها الريح


*زياد خدّاش


يد
 أسميه الرجل -اليد، لا أعرف اسمه، لم أسمع يوماً صوته، لكني أعرف جداً يده، يده شقيقة يدي، من أم اسمها رام الله وأب اسمه الصباح، كل صباح في الخامسة والنصف تماماً، أراه من الرصيف المقابل جالساً على الأرض برفقة يده والريح والجرائد وعمود كهرباء مطفأ.
 فيما بعد عرفت أن ليده أشقاء كثيرين وشقيقات، فكلما نبح كلب في الجوار رفع الرجل- اليد يده محيياً، يميل خلفه غصن شجرة بفعل ريح فترتفع على الفور اليد : السلام عليك أيتها الريح.
يسعل رجل في سيارة تتوقف قرب إشارة المرور، فتسعل مرتفعة يد الرجل اليد: مرحبا يا شقيقي السعال، ينبجس صوت مؤذن جامع فتعلو اليد باتجاه صوت المؤذن.
 صباح الخير يا شقيقتي التي تنتظرني عند أول مفرق وأول خطوة لي من بيتي. صباح الخير لأشقائي: صوت المؤذن والغصن وسعال السائق ونباح الكلب.
يا أبناء أمنا الطيبة والهائلة: رام الله.
_____
رغبة
رغبة مجنونة تأكلني الآن، أن أسرع لمبنى بريد رام الله، أقيّد الحارس بصرخة، أحطم بابه بلهاثي، أزحف نحو صندوق بريدي القديم جدا (644)الذي توقفت عن دفع رسومه منذ ثلاثين عاما، أكسر قفله برموشي، أمد عمري داخله وأسحب روحي.
______
 فلسطين

ما الذي يجعل مجموعة من الرجال الخمسينيين والستينيين والسبعينيين، في مخيم منخفض، داخل مقهى شعبي صغير، بست طاولات، يلعبون الورق، يقفون فجأة بشكل هستيري، مسقطين عن الطاولات الأوراق والمنافض وكاسات الشاي والطاولات نفسها؟ ما الذي يجعلهم ينسون، بسرعة، أنهم على وشك هزيمة الخصم أو الانتصار عليه؟ كيف يمكن أن يكون هذا الشيء الذي حدث أكثر أهمية من صوت أولادهم وزوجاتهم، وهم يتصلون بهم، مطالبين بصحن حمص، أو قالب شوكلاتة، وبلعبة، أو بعودة مبكرة للبيوت. فلسطين فقط من تجعلهم يفعلون ذلك، فلسطين التي على هيئة زوار قادمين منها.
_____
 مصعد

في مصعد عمارة قديمة، من عشرة طوابق، جدرانها متهالكة الطلاء، وحدي مع امرأة، لا أعرفها ولا تعرفني، هي واقفة تنتظر طابقها، كان طابقي رقم 3، كان طابقها رقم 9 .
 فوجئنا مذهولين بالمصعد وهو يقف عند رقم 93. كلانا لم يعرف، من الذي يتوجب عليه أن يخرج أولا. 
تلك طريقة الحب السحرية والغامضة في الهبوب نحونا، هكذا نصعد معا برفقة صديق ثالث هو الذهول، الى طابق واحد مفاجئ دون أن ندري لماذا وكيف.
____
*الأيّام

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *