*د.حسين مجدوبي
تختلف المعايير في انتقاء واختيار الكتب الأكثر تأثيرا، وهناك معيار البيع والانتشار وتفاعل النقد ويطبق أساسا على الروايات. بينما في الكتب السياسية يحضر معيار مدى ارتباط الكتاب بالأحداث الساخنة علاوة على الانتشار ومدى التأثير في المجتمع حاضرا ومستقبلا. وإذا كانت الروايات موجهة للجمهور العريض فالكتب السياسية تقتصر على فئة معينة من سياسيين وإعلاميين وباحثين ومهتمين بعالم السياسة عموما.
وخلال سنة 2015، هناك كتب سياسية عديدة واكبت الأحداث العالمية وتحمل تأثيرات لسنوات طويلة وتشكل أو تؤسس لظاهرة جديدة. ونختار أربعة كتب تنتمي الى أربع ثقافات مختلفة وقراء مختلفين، الفرنكفونية والأنجلوسكسونية والعربية والإسبانية، وهذه الكتب تمس مباشرة العالم العربي والجالية العربية المقيمة في الغرب، سواء بتأثيراتها المستقبلية أو بسبب ما تلقيه من ضوء على أحداث الماضي، وهذا معيار رئيسي في هذا اختيار الكتب الأربعة بعيدا عن لوائح واختيارات كبريات الجرائد مثل «نيويورك تايمز» أو «لوموند».
السود الآن وهل المسلمين مستقبلا؟
عاش العالم طيلة 2015 على إيقاع مقتل الكثير من الأمريكيين السود على يد الشرطة الأمريكية وارتفاع العنصرية في دولة ترغب في نشر الديمقراطية في العالم. ومن الناحية الاعلامية، كان مقتل الأمريكيين السود من ضمن المواضيع العشرة التي اهتم بها العالم سنة 2015 علاوة على الإرهاب والملف السوري وشبح الحرب الباردة بين الغرب وروسيا ضمن قضايا أخرى. ووجد هذا الحدث ترجمته في كتاب «بين العالم وبيني» (دار النشر سبيغل أند غرو) لمؤلفه تا هيسي كوتش الصحفي في مجلة «أتلانتيك».
الكتاب الصادر في صيف 2015 هو عبارة عن رسالة وجهها الكاتب الى ابنه ساموري البالغ من العمر 14 سنة ينبهه الى قسوة وصعوبة العيش في الولايات المتحدة بين مطرقة الشرطة وسندان العصابات الإجرامية للشباب التي وجدها فيها ملجأ بعد اليأس الذي سقط فيه. ويبدأ كتابه بما يلي: «هذا ما أرغب في أن تعرفه، في الولايات المتحدة تدمير جسم المواطن الأسود هو تقليد، هو إرث».
«بين العالم وبيني» يعتمد الرسالة أسلوبا للخطاب ويمزج بين الذكريات ومعطيات التاريخ والتحليل السياسي لتخطيط مؤلف بدأ يصبح منعطفا في معالجة العنصرية في الولايات المتحدة ويمنح الشباب السود وعيا سياسيا جديدا.
فكريا، الكتاب ينتمي الى ذلك الصنف من الكتب التي تندد بواقع السود وهو حلقة أخرى من التيار الذي بدأه جون هوارد غريفين في كتابه الشهير «في جلد الأمريكي الأسود» الصادر سنة 1961 الذي يسرد فيه ما عاشه من تمييز عنصري في تكساس ما بين 1959 و1960، ورغم أنه أبيض كاد أن يتعرض للقتل بسبب هذا الكتاب. ثم مساهمة مفكرين سود بعد نهاية الحرب الباردة، أمثال كورنيل ويست حيث اعتقدوا بدورهم كجسر للتفاهم بين البيض والسود وتعاطوا بنوع من الاعتدال مع مطالب الأمريكيين السود. لكن كتاب «بين العالم وبيني» يتميز بميزة جديدة وهو الأطروحة الراديكالية في طرح مشاكل السود، الأمر الذي يشير الى احتمال ظهور جيل راديكالي من المفكرين يصرخون بقوة لتغيير الواقع.
في الوقت ذاته، الكتاب هام للقارئ العربي المتواجد في الولايات المتحدة لأنه قد يتحول الى ضحية على شاكلة السود بسبب انتعاش أطروحات متطرفة مثل التي ينادي بها المرشح الجمهوري دونالد ترامب تجاه العرب والمسلمين.
«الانتحار الفرنسي»
أو تحميل العربي مشاكل فرنسا
في مقدمة الكتب السياسية التي طبعت سنة 2015 كتاب «الانتحار الفرنسي» الصادر عن دار ألبن ميشيل وموقع باسم الكاتب المثير للجدل إريك زيمور، صدر في أواخر 2014 لكن تأثير مفعوله السياسي والفكري حصل طيلة سنة 2015 خاصة مع تقدم الجبهة الوطنية وسيمتد الى سنوات أخرى.
يقدم إريك زيمور في كتابه رؤية حول ما يعتبره تدمير المجتمع الفرنسي بسبب انتصار أفكار ثورة مايو 68 التي تهمين بطريقة أو أخرى على النخب السياسية والاقتصادية والفكرية في فرنسا طيلة العقود الأربعة الأخيرة. وفي هذا الكتاب الذي يحمل رؤية تشاؤمية يجعل من المهاجر العربي وأساسا المغاربي مظهرا رئيسيا من مظاهر ما يعتبره تراجع فرنسا بين الأمم وتفككها داخليا. وينتقد تيار مايو 68 لدفاعه عن تصورات مثل التلاقح الثقافي وقبول الآخر الذي هو العربي والمسلم عموما.
وتتجلى خطورة أفكار إريك زيمور في تأثيرها في المجتمع خاصة وأنه يتمتع بحضور مكثف في وسائل الاعلام. ويحدث هذا في وقت تشهد فيه فرنسا ارتفاعا مخيفا للجبهة الوطنية ذات التوجهات العنصرية التي من ضمن ركائزها إعادة النظر في سياسة فرنسا داخليا وخارجيا مع تركيز خاص على الفرنسي من أصل عربي أو المهاجرين العرب والمسلمين.
ونشرت جريدة «لومانيتيه» الفرنسية نقدا حول فكر إريك زيمور متهما إياه بالنهل من العنصرية، وهذه الأخيرة ليست حرية فكر بل جريمة. وبهذا تؤكد الجريدة كيف يختلط الفكر بمخالفات خطيرة تحت حرية التعبير. أهمية الكتاب أو خطورة هو مستوى الاقبال الكبير عليه طيلة سنة 2015 وما رافقه من جدل بشأن تأسيس فكر يتجاوز القيم التي تقوم عليها الجمهورية الفرنسية، ويجد ترحيبا من الكثير من الفرنسيين.
إريك زيمور بكتابه هذا يصبح الوجه البارز لكتيبة من الكتاب الذين يهددون بأفكارهم التعايش في المجتمع الفرنسي وهم أربعة: إريك زيمور وآلان فيلكنكروت ومشيل أوفراي وروائيا ميشيل ولبيك صاحب رواية «الخضوع». وتساءلت جريدة «لوفيغارو» المحافظة: هل ربح هذا الرباعي معركة الأفكار في فرنسا بسبب التأثير القوي الذي يمارس هؤلاء المفكرون على المجتمع الفرنسي؟
الجواب سيكون: هم في طريقهم الى ربح معركة الأفكار، ويكفي أن الجبهة الوطنية المتطرفة التي تلتقي مع أطروحات الأربعة حصلت على سبعة ملايين صوت في الانتخابات الإقليمية الأخيرة التي جرت خلال كانون الأول/ ديسمبر 2015.
«الحسن الثاني:
«الملك المظلوم» تأسيس الكتابة حول الملوك
صدرت كتب كثيرة في العالم العربي تعالج الوضع السياسي والتطرف الديني، وأغلب الكتب إما تتخذ موقف وموقع الدفاع عن العربي المسلم في مواجهة الغرب، أو تلك التي تتبنى نظرة استشراقية في معالجة المجتمع العربي. وعلاوة على تمويل مراكز مرتبطة بالسلطة في العالم العربي أو بالغرب هذه الكتب، فإضافتها النوعية للحقل السياسي والفكري تبقى محدودة وتسقط في التكرار في الكثير من الأحيان.
ورغم تأثير السلطة على الكتب في العالم العربي، هناك كتب تستحق التنويه ومنها كتاب «الحسن الثاني: الملك المظلوم» للصحفي المغربي مصطفى العلوي والصادر عن دار النشر (دار أبي رقراق للنشر 2015). الكتاب يأخذ أهميته من المميزات التالية: إصدار مستقل عن كل مراكز القرار في العالم العربي، الإقبال الكبير الذي شهده الكتاب في المغرب والاهتمام به في دول عربية أخرى. ويضاف الى كل هذا، المعالجة القيمة من طرف الكاتب بصفته شاهدا ومعاصرا للكثير من الأحداث التي وقعت في العالم العربي والمغرب أساسا خلال الستين سنة الأخيرة من القضية الفلسطينية، وغزو العراق وحرب 67 والصراع الملكيات العربية والتدخل الغرب.
وتبقى النقطة الأخيرة وهي أن العالم العربي اعتاد على صدور كتب بأسلوب المدح والثناء في حق الملوك، وقليلة هي الكتب التي تكون انتقادية ولكنها تصدر في أوروبا والولايات المتحدة، بينما كتاب «الحسن الثاني: الملك المظلوم» يصدر في المغرب وليس في الخارج. ورغم عنوانه الذي يبدو دفاعا عن الملك الراحل فهو يتضمن انتقادات قاسية لهذا الملك في المجال الحقوقي والسياسي والفساد الإداري. الكتاب يؤسس للكتابة عن الأنظمة الملكية العربية بعين عربية وإصدارات في العالم العربي وليس من عواصم مثل باريس ولندن وواشنطن.
«استحق العناء»
أو لماذا نفذ الغرب حربه ضد العراق؟
الكتاب الرابع من العالم الناطق بالإسبانية، وكثيرة هي الكتب الفكرية والسياسية التي صدرت في اسبانيا والأرجنتين والمكسيك وفنزويلا ودول أخرى خلال 2015. عدد منها يعالج الوضع الداخلي والآخر يتطرق الى ما يمكن اعتباره «الصوت الهسباني في العالم» أي الناطقين بالإسبانية. ومن هذه الكتب التي تمس العالم العربي مباشرة كتاب «استحق العناء، حياة بين الدبلوماسيين والجواسيس» (دار النشر بلانيتا) الصادر في اسبانيا للدبلوماسي ومدير الاستخبارات الإسبانية الأسبق خورخي ديسكيار.
الكتاب صدر خلال تشرين الأول/ أكتوبر 2015، والميزة التي ينفرد بها كونه أول كتاب موقع من طرف مدير مخابرات غربية خلال السنوات الأخيرة يتحدث عن العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي بعيدا عن هاجس الاستخبارات والتجسس بل من منطلقات فكرية. كما تتجلى أهميته في معالجة أكبر قضية تتسبب الآن في تمزيق العالم العربي وهي قضية العراق وما ترتب عنها من فوضى في الشرق الأوسط وإرهاب.
وإذا كان بعض حكام الغرب وعلى رأسهم الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الابن قد برروا الحرب بامتلاك العراق «أسلحة دمار»، فخورخي ديسكيار يؤكد أن مختلف تقارير الاستخبارات الغربية سنة 2003، أي قبل شن الحرب، كانت تفيد بعدم وجود أسلحة نووية وبيولوجية في حوزة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
كتاب من هذا النوع، يهم العالم العربي على ضوء هذا التساؤل العريض: لماذا قرر قادة الغرب خوض حرب ذات طابع حضاري في وقت كانوا يدركون فيه جيدا، وبشهادة تقارير استخبارات دولهم، عدم وجود أي أسلحة نووية وبيولوجية لدى العراق؟
___________
*القدس العربي