«3000 ليلة».. 3 أسباب جعلت منه تحفة سينمائية


*سعيد أبو معلا


تتطوع الفنانة الأردنية القديرة نادرة عمران في نهاية عرض فيلم “3000 ليلة” للمخرجة مي المصري في تزويد الجمهور بمعلومة أن جميع الممثلات اللواتي قدمن ادوار سجانات إسرائيليات هن ممثلات فلسطينيات من فلسطين المحتلة عام 1948، تفعل ذلك لوحدها ليصفق الجمهور مرة أخرى للمخرجة وبطلات عملها (ميساء عبدالهادي، وركين سعد)، والمنتجة سابين صيداوي، على الإبداع الذي راق الجمهور والنقاد على حد سواء. التجربة الروائية الأولى للمصري والتي تعرض في مسابقة المهر العربي للأفلام الطويلة في مهرجان دبي السينمائي الثاني عشر، كان بعد تجربة سينمائية طويلة اخلصت فيها للوثائقي، الذي اعتبرته المخرجة سبب خروج فيلمها الروائي الأول، فهي ترد الفيلم إلى تجاربها في التوثيق لكل ما يخص القضية الفلسطينية. ويحكي الفيلم قصة ليال المدرّسة الفلسطينية التي تعتقل ويُحكم عليها بثمانية أعوام في السجن (3000 ليلة)، حيث توضع بداية في سجن للنساء الإسرائيليات (الأمنيات) كوسيلة للضغط عليها وعقابها ودفعها للاعتراف، وتنقل لاحقا بعد ان تضغط عليها مديرة السجن للتجسس على رفيقاتها لتكتشف أنها حامل. تضع ليال مولودها في السجن، فيتجدد إحساسها بمعنى حياتها، لكنها سرعان ما تجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ قرار سيغيّر حياتها إلى الأبد، عندما تقرر السجينات الفلسطينيات الاضراب احتجاجاً على تدهور الأوضاع في السجن، وعندما تبتز بسحب حضانة طفلها منها أو تعليق الإضراب. الفيلم الطويل (103 دقيقة) نسج بلغة سينمائية فذة، وامتاز بمجموعة من المميزات نجملها في ثلاث وهي التي جعلت منه قصيدة سينمائية كاملة، أولا: هناك اشتغال كبير جدا على ثنائية الضوء والعتمة، لدرجة كانت بمثابة مثير رمزي يحفز المشاهد على إدراك هذه الثنائية وخدمة الأغراض الدرامية، وهو لم يكن بالأمر السهل، أن يكون في فيلم كل هذا الوعي في الاشتغال على هذه الثنائية التي خدمت تماما أغراضه الدرامية وكثفت الصراع نقلت المعاني وأضدادها (ضوء النوافذ/ الممرات/ الشبك، الفتحات الصغيرة..الخ. خدم هذه الثنائية وعززها قدرة كبيرة لدى المخرجة جعلت من فيلمها الملون يبدو للمشاهد وكأنه أبيض وأسود، أو أبيض وأزرق: كحلي (لباس السجن)، وهو خيار فني ذكي اتقنته بدرجة عالية جدا. النقطة الثانية الواقعية التي امتاز بها، فقد قدم مقاربة للسجن الحقيقي، ليس من ناحية كونه يوثق تجربة اعتقال أسيرات فلسطينيات في مرحلة الثمانينات وما قبلها بل من ناحية أن المشاهد يشعر أن ما يشاهده على الشاشة هو سجن حقيقي، وهو بلا شك يؤشر على قدرة عالية لدى المخرجة من انتقاء المكان وإدارة مكان التصوير ومن ثم إدارة الممثلين، ربما تماما هو ما جعل من الممثلة عمران تذكر معلوماتها التي بدأنا بها المقال، فالجمهور أحس فعلا أنه امام سجن إسرائيلي بكل ما يحفل من صعوبات وعذابات وتفاصيل. نضيف إلى ذلك أن تلك الواقعية العالية لم تلغ الدراما ولم تؤثر على الخط الدرامي للفيلم أبدا، بل كانت عاملا في خلق دراما حقيقية من نسيجه ونفس بنائه، حيث الصراع على أشدة بين السجين والسجان وبين السجين والسجين، وبين السجين والحياة التي تقضم منه. كما أن المخرجة بدا ان لها وعيا كاملا لما يجري بالسجن، فضم مجموعة كبيرة من المفردات والقصص التي نقلت عالماً مغلقاً إلا لمن عاش التجربة، وهو عالم قالت عنه المخرجة أنه “مخفف أيضا”، حيث على المشاهد مهما اختلف جنسه أن يعي ويدرك أن الواقع أكثر قسوة وألما وبشاعة وبطولة أيضا. النقطة الثالثة تتمثل في قدرة المخرجة وعبر بناء كادراتها/ لقطاتها إلى تقديم سجنين في الفيلم، سجن تظهر فيه الأسيرات الفلسطينيات، وسجن آخر هو في الحقيقة للسجان، وهي فكرة فلسفية وحقيقية في ذات الوقت لكن المخرجة بصريا عملت عليها وأتقنت ذلك عبر تصوير منتقى بعناية. حيث جاءت الصورة من خارج السجن وعبر نوافذه وشبكه وقضبانه لتعكس فضاء واسعاً داخل الغرفة (زنزانة انفرادية/ غرفة عادية، الساحات التي تخرج إليها الأسيرات وقت “الفورة”)، وهو أمر بدا مشغولا بعناية تستحق الدراسة، فيما جاء جزء كبير من اللقطات لعالم السجان ضيقاً ومحاصراً بالقضبان ذاتها، لكن الفارق أنها قدمت عالم هذا السجان ضيقا محاصرا محاطا بالأسلاك والعتمة. هذا العمل ذو الانتاج المشترك: فلسطين، الأردن، لبنان، فرنسا، الإمارات العربية المتحدة وقطر، ضم فنانات من فلسطين، والأردن، وسورية، (ميساء عبد الهادي التي قدمت اداء لافتا، نادرة عمران، رائدة أدون، عبير حداد، هيفاء الآغا، أناهيد فياض، ركين سعد، وهنا شمعون)، وصور في سجن أردني حقيقي، ما يجعله فيلم مراة وفيلم قضية أيضا إن كان التصنيف مهماً لنا. وبصراحة، هناك محاولات أفلام فلسطينية، وهناك أفلام فلسطينية عن حق وحقيق، وفيلم المخرجة مي المصري “3000 ليلة” فيلم من طراز رفيع.. رغم كونه تجربتها الروائية الأولى. قضية وسينما معا بامتياز… هذا هو. مي المصري: سينمائية فلسطينية، أخرجت وأنتجت مع زوجها جان شمعون مجموعة من الأفلام الوثائقية، وعرضت أعمالها في أكثر من 100 محطة تلفزيونية، في أنحاء العالم، وفازت بأكثر من 60 جائزة دولية، بما فيها جائزة «تريل بليزر»، من كان، وجائزة «شاشة آسيا والباسيفيك» في أستراليا. من أفلامها: «تحت الأنقاض» (1983)، و«زهرة القندول» (1987)، و«أطفال جبل النار» (1990)، و«أطفال شاتيلا» (1998)، و«أحلام المنفى» (2001)، «يوميات بيروت» (2006)، و«33 يوماً» (2007). 
________
*الأيام

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *