إلى شمشون في صمته


تغريد أبوشاور*


خاص ( ثقافات ) 
بعيدًا عن كل ما قاله ترامب، وأبعد ما يكون عن جمال السفيرة الموشحة بالأوطان!
بعيدًا عن كل من هتفوا في صلاة الجمعة للخبز وللحب…! ونسوا الله!!
بعيدا عن شمشون حكاية التوراة، وجدائله التي فُتنت بها دليلة، بعيدًا عن الروايات الدينية والتفاصيل الحكائية ، كل البعد … !
قريبًا من شمشون الجثة المهيبة الضخمة، والشعر الأسود المسدول.
شمشون الوحيد كما ثوبه، الغريب كمشيته ، المتربع على ألواح خشبية عالية موصولة بالسماء فكانت له عينًا على الرب، وعينًا على البلاد التي تولد الآن قرب النهر .
شمشون ” طمطم أتى”…
بطل الطفولة المحكية، الشقية، والقفزات الواسعة فوق تليلات قصيرة الظل، وعشب بري أخضر، وأصوات القرية المصابة بالخنة.
كل ذلك، كان لا يعني لي إلى حد ما، فأظل متأهبة كأي قطة زغللت عينيها كرة صوف على الرف البعيد. سريعة أترك كل فرحي وشقاوتي عندما يظهر وحش مخيلتي الطيب شمشون.
فأنصت لوقع خطواته الثقيلة، ودبة قدميه الثخينة؛ ثم يقف ليملأ جوفه بالقليل من ماء النهر ويستكثر من أن يرتشف منه مرة أخرى!
غريب!!! كيف يعبأ هذا الجوف العميق بتلك الرشفة الصغيرة، كيف يرتوي هذا الجسد الضخم بالماء القليل؟
ثم يمضي في حقول البطاطا، والفراشة تحط على كتفه، وثوبه القصير المزركش تلفحه الريح، ولا تلفح حملقته بفراغ الأبدية .
شمشون … دهشة الطفولة، وحيرة المرأة الكبيرة الآن!!
هكذا، منذ اللقاء الأول، وأنا أجمع المعلومات عن الأظافر!
وكيف تتوزع على الخلائق، وبأي مقياس تنضبط؟ 
حاولت جاهدة أن أجد علاقة بين الحكمة وأظافره الكبيرة المنقوشة كنحت في صخر مستطيل.
الشعر اشيّب يا شمشون، والعيون الخرزية الصغيرة باتت كبيرة مترهلة، تحت نظارات القراءة.
وصوت الناسك الضنين والحكيم قليل الكلام، صار موجة تعلو موجة أخرى، تتكسر على كتف الشاطئ.
وإلى الآن لا زلنا عالقين بخرافة الصَدفة، مأخوذين بصوت الحوريات المسكون فيها، وننسى همهمات الجميلات الغارقات في بحار من العته والزيف، جمعت في قرارتها السر ولفظت الأساطير.
هكذا ما زلنا نبتلع الحقائق، ونتغنى بالأساطير كما تركتنا!
كان لعلوك يا شمشون مصيدة لكل الفئران الصغيرة، الذين لم ولن يفهموا معنى كسرة الخبز في يد جان فالجان، و سمّ حبر هوجو، ولم يستوعبوا إلى الآن أن البحارة يفقدون أقدامهم وهم يتصدون للموج وللقرش، ويعلون أكثر في دواخل البحار.
لم يفهم الصغار إلى الآن أن الوحدة صناعة الرب، وبذات الوقت أُعطيته المجيدة ، فهي انكشاف الحجب عن الماورائيات الكثيرة ، وأن العذاب ، ضريبة كل ذلك الكشف .
لم يفهم الصغار أن السلالم يأكلها الدود، وأن عصاك التي عدت متكئًا عليها ، هي حصتك من ميراث سليمان..
شمشون يا طفولتي الشاسعة، والأنوثة المتأخرة، يا رجلي الكرتوني الصامت …
لكمْ وددت لو أني نجحت في تدبير لقاء بينك وبين (جان فالجان) ، لتتقاسما الحكمة والصبر وليكتب عنكما ( دستوفوسكي ) قبل إعدامه سلسة من الأحلام في ذاكرة الصغيرات المتيقظات كالحكمة ، المتأهبات للحزن منذ الفطرة .
كم وددت لو أطلعك، أن (طمطم) لم يعد بطلي الأول، بعدما كسر (مارك) اللعين قلبي بحبه لساندي بيل!! 
و كنت ستضحك علي، لو أخبرتك أني رفضت (فيرسن) بنبل الأنثى الشرقية لأني علمت هيام (أوسكار) به!! 
لو تعلم كم مرة رسمت اسم صاحب الظل الطويل في دفتر (جودي أبوت)، ولم تفلح في معرفته، كما أني لم افلح في قراءة الحكمة في كتاب غير كتابك !.
كنت صغيرة يا شمشون، وأنا أعتلي كتفك وأحدثك، أني أرى جدائل النهر تَقصر كلما اتجهنا جنوبًا، وصغيرة على أن أسالك عن الفارق بين الفِطر والفطرة، وكيف أميّز بين وسوسة الشيطانة، ووسوسة الشيطان؟؟
والآن كبرت أنا، وجئت تحمل عصاك الخضراء؛ لتجدني أحمل ذات السؤال والأفكار تحكمني، والأحمال تثقلني ، ولا زلت ألوذ بفراش أمي كلما قرأت نصًا شعريَا لرجل غريب..
أنا التي لا زلت أراجع دروس (أبو العريف) عن البشرية الأولى ، ووحدي من انشغلت بالسؤال عن علوك و أرضيتنا .
كان عدلًا أن أتعلم الطيران في بيتك الخشبي السماوي، وأفتح ذراعي للريح و ألقي بعد ذلك بكل العادات التي لا تصلح إلا للأرضيين ..
كم مرة أشرت إلى السماء ومن ثم إلى الماء، ثم للطين، كلما سألتك، “منْ نحن؟” 
ولليوم الذي التقيتك فيه رجلًا حزينًا وحيدًا صامتاً كما كنت، لا زالت تلك الأسئلة تؤرق بشريتنا وتقض مضجعي ولا نجد لها جوابًا! 
من نحن ؟ وما معنى السماء؟ وما علاقة الماء بالزرع؟ والحر بالعبد؟ والثمرة بانتفاخ بطن الفتاة؟ 
لا زلت أسألك وأنت مصدر حكمتي، عما تراه في علوك خلف النهر، في الضفة الأخرى في الحياة المجاورة.
ولا زال الكلام يجر الكلام، إلى أن صرتَ كهلا، وابيضت حكمتك أكثر والحقائق ظلت سوداء كما هي!
وأنت لا زلت تشير إلى السماء وتعلو بطفولتي نحوها، دون أن تنسى، فتضع حفنة من تراب في يدي وفي اليد الأخرى غرفة ماء.

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *