البطل والبطولة مرة أخرى


*يوسف ضمرة


هنالك التباس واضح بين مفهومَي البطولة والشجاعة؛ هذا ما أكده كل من الأديبين عبدالرحمن منيف وفيصل دراج.
ربما نتفق مع ما يقولانه من حيث إن البطل تعبير عن رغبة الجموع أو نزعتها أو أحلامها. لكننا لا نستطيع القبول بفكرة غياب البطل الفرد، فقط لأن أثر المجموع موجود فيه.
البطل الفرد يعبر عن أحلامه هو، وهواجسه هو، سواء كانت الجماعة لديها مثل تلك الهواجس والأحلام أو لم تكن.
يتساءل الدكتور فيصل دراج قائلاً في رسالته لعبدالرحمن منيف: ماذا بقي من عبدالناصر؟
والحقيقة أن مثل هذا السؤال هو في حد ذاته مقدمة لإلغاء مفهوم البطل وحقيقته. فالبطل لا يفكر في أن يكون بطلاً، حين يقوم بعمل بطولي، يقرر الناس مدى بطولته. والبطل لا يفكر في تخليد اسمه أو مشروعه. إنه ببساطة يقوم بما يرى أن عليه القيام به. ربما يكون هذا العمل صعباً أو يشبه المستحيل، وربما لا يفكر فيه أحد. فلا أظن أن الشعب المصري كان يفكر في خلع الملك قبل حركة الضباط التي أسسها عبدالناصر.
البطولة في المفهوم الاجتماعي تعني القيام بعمل معاكس للسائد، وغير متوقع، وفيه الكثير من المجازفة والمغامرة وربما التضحية أيضاً. وقبل السؤال عن ما بقي من عبدالناصر أو سليمان خاطر، علينا أن نسأل: ماذا بقي من سليمان الحلبي مثلاً؟
يبدو لنا أن البطولة، كمفهوم، تضيق إلى أن تتمثل في بدايات. وهي بذلك أو لذلك قريبة في الجوهر من مفهوم الأساطير. فلم يعد القيام بثورة أو انقلاب عسكري أمراً بطولياً كما كان من قبل. ولم يعد اغتيال قائد عسكري أو شخصية سياسية كبيرة ذا أثر وسحر كبيرين كما كان من قبل، والسبب أن تكرار الحالة ينزع عنها ثوب البطولة، تماماً كتكرار الأسطورة، الذي يخلع عنها ثوب القداسة. فالقول الآن بأساطير خلق تشبه أساطير الإغريق والرافدين والفراعنة، لم يعد عملاً مفاجئاً أو مثيراً. والقول بميزان الحسنات والسيئات عند حورس بعد الموت، أبطل مفعوله تكرار الحديث عن الحساب والعقاب والثواب في الأديان السماوية. وهذا الإيمان تحديداً هو الذي ألغى عملية علمية معقدة كانت سائدة في مصر، ونعني بها التحنيط.
ينقلنا هذا الكلام إلى مفهوم البطل والبطولة في الأدب، في الرواية والقصة والحكاية. فإلى يومنا هذا لايزال مفهوم البطل قائماً كما كان من قبل، وإن اختلفت تقنيات الحكاية. لكن هذا الاختلاف كان ظاهرياً وشكلياً، حيث تناول الزمن والحبكة الخارجية، وأبقى على جوهر الحكاية الشعبية كما كان موجوداً عند فلاديمير بروب في كتابه مورفولوجيا الحكاية الشعبية.
فالبطل في الرواية الحديثة يعبر عن طيف واسع من الجماعة، ويمثل أحلام الكثيرين ورغباتهم. لكن الفرق هنا هو أننا نزعنا ثوب القداسة عن البطل الحديث، بحيث لم يصبح منتصراً على الدوام، ولم يصبح دائم القدرة على تحقيق الأحلام، وإن حاول ذلك. فما البطولة التي كانت ستمثلها آنا كارينينا في ما لو استمرت علاقتها بالضابط فرونسكي؟ على العكس تماماً، فقد بدا في انتحارها شيء من البطولة، لأنها تداركت خطأها بالمفاهيم الأخلاقية السائدة، ودفعت وحدها ثمن خطأ يفكر في ارتكابه طيف واسع من المجموع، لكنه لا يقدر على البوح به.
«يتبع»
________
*الإمارات اليوم

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *