نورمال


*نجيبة الهمامي


خاص ( ثقافات )
عدَدْتُ الثواني التي استغرقها تشغيل الآلة دهورا، دونَها الدقائق التي التقمتُ فيها عشائي التقاما. لم أهتمّ إلى أيّ ملاحظة حول تسريحتي “الغريبة” المتيبّسة بالهلام أو استهجان لشكل سروالي وطريقة ارتداءه أو أيّ حديث آخر وُجِّه إليّ. Pour moi c’est normal.
كنت دفعت الباب دفعا ودخلت غرفتي. تعثّرت في أول خطوة وسقطت. لم أشعر بأي ألم كأنّي سقطت على شيء رخْو. لم أنتبه لذلك. normal. 
نزعت ملابسي وألقيتها كما اتفق. لم ألاحظ أنّ سقوطها كان بطيئا. normal. 
وارتديت أخرى على عجل واتجهت بلا صبر إلى مكتبي وفتحت في لهفة حاسوبي. Et c’est normal. 
كنت سادرا في عوالمي الخاصة البعيدة عن الأجواء العادية التي فارقتها منذ أن استوطن الحاسوب غرفتي مدعّما بكاميرا وميكروفون. et c’est le normal bien sur.
et comme le normal، كنت أتلقى رسائل قصيرة وطويلة. كنت أجري محادثات مقتضبة ومسترسلة. كنت ألتقط صورا تظهر عضلاتي وزغب صدري وأغيّرها بأخرى. كنت أكتب تعاليق على ما كتبه أصدقائي الافتراضيون. كنت أدوّن ما أدوّن على جداري وأنزّل صورا وأحمّل موسيقى ومقاطع فيديو أتشاركها مع سكّان الحي الافتراضي. 
et normal، كنت أنتظر تعاليقهم وإشادتهم بآرائي الذكية ومواقفي ما بعد الثورية الافتراضية وإعجابهم بصوري وحسني l’anormal، هذا الذي كثيرا ما يحمل لي رفقة أثيرية ليليّة normal أن تشمّ أمي، تحت وطأة حسِّها الأمومي المرتاب، صباحا، رائحتها في المنيّ المستنزَف الجافّ على المناديل الورقيّة. 
فكانت تصرخ وتنعى ضياع السلالة في الوهم وتهدّد بقطع الخيوط. mais normal فأنا لا أكترث لما تقول. 
قلت لما دخلت غرفتي وجلست على كرسي المكتب، أحسست وكأنّه مغطى بمادة لزجة مطاطة ضاعفت التصاقي به. normal لم أكترث. 
حدّقت في الشاشة منتظرا أن ينفتح أحد حساباتي التي حمّلتها جميعا في ذات الوقت، فأنا كغيري، normal، لي حساب على كل موقع الكتروني.
شعرت وكأنّ هناك خيوطا غير مرئية التفّت حولي بقوة وشلّت حركتي تماما: normal, normal، أنا أتوهّم الشلل بسبب كثرة الجلوس وقلة الحركة.
فجأة، أظلمت شاشة الحاسوب، وبدأ يصدر منها صوت مبهم anormal.
فجأة، لمعت أعين بشعة لعنكبوت ضخمة شرهة فاض حجم رأسها عن الشاشة، ومطمئنّة لخيوطها المحكمة حولي وشللي التام أمامها، أنشبت فيّ، بشكل anormal، قنواتها الماصّة وامتصّت دماغي ودمي ولحمي. 
أنا الآن لست سوى قشرة خاوية وعقلي في بطن العنكبوت.
Et enfin, c’est normal. 

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *