بيروت- أن يصير الشاعرُ ناقداً أمام قصيدة شاعر آخر، فهذا دليل على طاقة عجيبة في القصيدة نفسها. وهذا ما فعلته «يوم الأحد الواقع فيه صمتي» لمحمد علي شمس الدين في عمر شبلي. قصيدة كشفت عن الناقد المختبئ خلف شخصية الشاعر عند عمر شبلي، هو الذي قضى عشرين عاماً في السجون، فخرج منها حافظاً القرآن الكريم وشعر المتنبي وضليعاً باللغة الفارسية ومترجماً لأشعار الشيرازي، حتى بدا السجن في تجربة شــبلي أقرب إلى نافذة خرج منها إلى الفضاء اللغوي والأدبي الرحب.
يصف شبلي في كتابه «نفي الغياب في رحلة الإياب» (دار العودة، 2015) قصيدة شمس الدين هذه بـ «الرؤيوية»، بحيث أنّ الشاعر يبدو فيها كمن يسير في طريق شاقة بحثاً عن الذات المطلقة. رحلة يُطلق عليها شبلي «معارج الطين من الشك إلى اليقين»، ويقول فيها: «كانت تجربة اليقين تمتحن أرضيته طوال الرحلة، وكان الرجوع إلى رمزية الذين وصلوا ذا أثر مغذٍّ لروحه الظمأى لرؤية بارئها، وإلاّ فكيف نعود اليه راضية مرضية قبل إشراق نوره فيه؟… كان الشك محنة، ولكنه تلاشى أمام بروق الرؤيا وسطوعها».
لا يعتبر شبلي أن كتابه عن قصيدة واحدة «يوم الأحد الواقع فيه صمتي» – جاءت ضمن ديوان شمس الدين الأخير «النازلون على الريح» – هي دراسة بمقدار ما هي محاولة سعى من خلالها إلى الفصل بين مساحات الشك واليقين، وهي النقطة الرئيسة التي شكلّت «العمود الفقري» لقصيدة يعتقد شبلي بأنها «خالدة».
يتعمّق الشاعر/ الناقد هنا في خصائص القصيدة الفنية والشعرية والموضوعية، ويحاول اجتراح أسئلة عن علاقة الحب والخوف في هذه القصيدة، وعن تراب الجنوب والأنربة الأخر وعن الإنسان والكون… «إن قصيدة شمس الدين هي رحلة إشراقية بين تخوم الريح ومناكب الأرض التي صنعت وجد الشاعر لمراقبة غيمها… رحلة الشاعر هنا لا تُحدّ لأنها حمّالة أوجه، وتحتمل التأويل». فهل هي رحلة الإحتجاب؟ أم الإنكشاف والرؤيا؟ ويظنّ شبلي أنّ هذه القصيدة تكشف وجه الشاعر بلا حجاب. فيقول في هذا السياق: «صحيح أنه شاعر صعب ولكن التعبير البديع عن عمق الرؤيا يكشف صاحبها ولو لبس ألف قناع شعري».
_______
*الحياة