( ثقافات )
من إعداد وتقديم ومشاركة الناقد الأستاذ الدكتور محمّد صابر عبيد وإسهام نخبة من النقاّد والأكاديميين صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت كتاب ((تجلّيات النصّ الخلّاق)) يرصد تجربة الشاعر والناقد والأكاديميّ المتألّق أبداً علي جعفر العلّاق الذي هو دائماً في موضع رصد وإغراء قرائيّ مستمرّ لا يتوقّف، وذلك لما تتمتّع به تجربته من ثراء وغنى وحيوية وتطوّر وإدهاش، على نحو يغري بمتابعة نصوصه وقراءتها ومعاينتها والتفنّن في قراءتها تحليلها، إذ شاءت نخبة من النقّاد والأكاديميين الاحتفاء بتجربته المتقدّمة على أكثر من صعيد، وتقديم قراءات نقدية جديدة وجادّة تسلّط الضوء على مفاصل ومسارات أخرى ربّما لم تكشفها الدراسات السابقة، أو أنّها لم تثرها على نحو ما.
ولعلّ التدقيق في طبيعة المعالجات النقدية المتعددة والمتنوعة التي ضمّتها هذه القراءات يكشف عن رؤيتين نقديتين عامّتين سارت فيهما على صعيد الرؤية والمنهج، الأولى تشكيلية اهتمّت كثيراً بالبعد الفنيّ الجماليّ التشكيليّ في تمظهراته المختلفة، وهو ما يُعنى به العلّاق كثيراً في تجربته، منها ما اشتغل على مفصل تشكيليّ دراميّ وقارب ((الديكور الشعريّ في قصائد العلّاق))، ومنها ما بحث في طبيعة البنية التركيبية لأنموذج حيويّ من نماذجه الشعرية ((جماليات القصيدة المركّزة في شعر علي جعفر العلّاق: القصيدة ـ الصورة أنموذجاً))، ودراسة أخرى تفاعلت مع نصوصه في رؤية أسلوبية قاربت ((بلاغة الاستفهام في شعر علي جعفر العلاّق))، وأخرى عالجت نصوصه معالجة بلاغية في إطار رؤية ذوقية مهيمنة ((فن الاستعارة في قصائد الشاعر علي جعفر العلاق))، في حين ذهبت القراءة الأخرى نحو معالجة سردية لنصوصه ((مكونات السرد في بنية القصيدة العربية الحديثة- أنماط الراوي في نماذج من شعر علي جعفر العلاق)).
وقد كشف هذا البعد الفنيّ الجماليّ عن حيوية النصّ العلّاقيّ واستجابته لكلّ هذه الآليّات المتنوعة في رصد الظاهرة الشعرية من وجهة نظر جمالية فنية، تتوسّل بالإجراءات النقدية العاملة في حقل الشعرية على مناح مختلفة، وتعطي لهذا النصّ قدرته على التجاوب مع الحساسيات الفنية والجمالية في أرقى صورها.
أمّا الرؤية النقدية الثانية في الكتاب فقد تحرّت البعد الرؤيويّ والمرجعيّ لما ينطوي عليه شعر العلّاق من اتكاء حيّ مُنتج على شبكة هائلة من المرجعيات، يستقطبها الشاعر ويشتغل عليها رؤيوياً وتناصياً بطريقة تنتج الراهن والقادم من رحم الذاكرة، ويأتي كلّ ذلك في استثمار مكنونات المرجع في سياق بنائيّ حديث يعمل على توظيف طاقات فنون أخرى، وتأتي قراءة ((صراع الشخصيات الواقعية والتاريخية والأسطورية في شعر العلاق))، وقراءة ((مرجعيات العلاق الشعرية الأسطورية والدينية))، على نحو متضامن لتعرّفَ بهذا البعد المعرفيّ والفنيّ والثقافي في تجربة العلّاق، وربما تدخل في البعد نفسه قراءة ((البحث عن الذات، دراسة في شعر علي جعفر العلاق))، وهي تروم التوصّل إلى تجربة الذات الشاعرة من وحي هذه المرجعيات وغناها، وتؤسس لقضية الذات الشاعرة وهي تنفتح على الآخر بأشكاله وصوره وتجلياته المختلفة والمتباينة من أجل إثرائها وتخصيبها.
وإذا كان العلّاق شاعراً أسهم على نحو أصيل في تجربة الشعرية العربية الحديثة منذ ستينيات القرن الماضي، وكان أحد فرسانها، فإنّه واكب النقدية العربية الحديثة المرافقة لهذه الشعرية منذ تطلعاتها الأولى أيضاً، وجاء البحث الأخير في هذا الكتاب كي يقارب أحد كتاب العلّاق المهمة في الميدان النقديّ، فقارب الفضاء النقديّ عند العلّاق على صعيد الرؤية والمنهج وأسلوبية الكتابة، بما يجعل من الشخصية الإبداعية له شخصية متكاملة تنطلق من حدود الشاعر إلى حدود الناقد ومن حدود الناقد إلى حدود الشاعر، في دورة إبداعية تضيف لممكناتها الإبداعية الجديد والمختلف دائماً.
قد تجيب قراءات هذا الكتاب عن بعض من أسئلة العلّاق الشعرية في إطار تجربة ثرّة امتدت أكثر من أربعة عقود، شهدت الكثير من التطورات الثقافية والفنية والفكرية على مستوى الذات الشاعرة للشاعر من جهة، وعلى مستوى تجربة الشعرية العربية الحديثة من جهة أخرى، على نحو يؤكّد عميقاً أصالة تجربة الشاعر علي جعفر العلّاق وحيويتها وانفتاحها وتطورها وقابليتها دائماً لقراءات ترصد التحولات المحسوبة بدقة في جوهر التجربة، وهي في النهاية تحية محبّة واعتزاز وإشادة من المسهمين في الكتاب لصديقهم الكبير الشاعر والناقد والأكاديميّ المبدع الأستاذ الدكتور علي جعفر العلّاق، تتجلّى في فضاءات نصّه الخلّاق وتضع اشتغالاتها النقدية في المسافة الشعرية الخصبة بين الرؤية الإبداعيّة والممارسة الجماليّة.
أسهم في الكتاب أ.د. محمد صابر عبيد وأ.د. محمد جواد حبيب البدراني ود. عبد الغفار عبد الجبار الدليمي ود.عبد الله حسن جميل ود. سوسن البياتي ود. علي صليبي المرسومي ود. محمد جواد علي ود. مصطفى مزاحم و د. نرجس خلف أسعد.
يقع الكتاب في 276 صفحة من القطع الكبير