فصول من مذكرات أغاثا كريستي فـي سورية والعراق







قد تكون معلومة نادرة وخبراً يثير الدهشة عندما نعرف أن الروائية الإنكليزية الشهيرة أغاثا كريستي قد عاشت مطولاً في سورية والعراق ، وكتبت عن تفاصيل تلك المرحلة عند إقامتها, ولم تكتف بالتعبير عن مشاعرها وتوثيق بعض من تفاصيل حياتها اليومية وسيرتها الشخصية وحسب، وإنما رصدت بعين الروائية الدقيق الكثير من التفاصيل الجغرافية والعمرانية، كما تحدثت عن خصوصية الحياة الاجتماعية في هذه البلدان. لقد عايشت أغاثا كريستي المجتمع، وتعرفت على مكوناته عندما كانت ترافق زوجها العالم الأثري ماكس مالوان، الذي كان بدوره يقوم بأعمال التنقيبات الأثرية في بعض التلال والمواقع التاريخية في العراق . هذه المذكرات صدرت مؤخرا عن دار المدى بعنوان “تعال قل لي كيف تعيش” بترجمة أكرم الحمصي. 
_____________

ألمح من بعيد، بكثير من الإثارة، منزلنا. إنه ينتصب هناك بقبته فيبدو كمقام مكرس لأحد الأولياء الصالحين!
يخبرني ماكس أن الشيخ فخور للغاية بهذا المنزل. إذ يطوف حوله، بين الفينة والأخرى، مع أصدقائه بإعجاب. بل إن ماكس يظن أن الشيخ يجمع المال بواسطته تحت زعم أن المنزل له وأننا مجرد مستأجرين.
تتوقف ماري الزرقاء أمام المنزل بفرامل ميشيل العنيفة (فرقع!) المعهودة، ويسارع جميع من في الداخل إلى الخروج للترحيب بنا. هنالك وجوه قديمة وأخرى جديدة.
ديمتري الطاهي هو نفسه بوجهه الطويل اللطيف الذي يوحي بالأمومة، يرتدي سروالاً من قماش الموسلين عليه رسوم أزهار تشع بهجة. يمسك يدي ويضعها على جبهته ثم يريني بفخر صندوقاً خشبياً فيه أربعة جراء حديثة الولادة قائلاً إنها ستصبح، في المستقبل، كلاب حراستنا. هناك، كذلك، الفتى علي الذي كان، بدوره، معنا في السنة الماضية. إنه الآن يشعر بشيء من التفوق مع استخدام مساعد طاهٍ آخر أقل مرتبة اسمه فرهيد. ليس هناك الكثير مما يمكن قوله عن فرهيد باستثناء أن هناك، على الدوام، ما يجعله قلقاً. لكن ماكس يؤكد لي إنها طبيعة متأصلة في فرهيد.
لدينا الآن مدبر منزل جديد اسمه صبري. وهو طويل القامة ومتين البنيان ويبدو عليه الذكاء الشديد. يكشر كاشفاً عن أسنان بيضاء وذهبية منضدة بتناسق.
يجهز الكولونيل وبامبس الشاي من أجلنا. يقوم الكولونيل بكل شيء بانضباط عسكري. فقد أرسى نظاماً جديداً يكون على الرجال بموجبه الاصطفاف بانتظام عند استلام البقشيش. هم يرون في الأمر نكتة كبيرة. أما الكولونيل، فينفق الكثير من الوقت على ترتيب الرتل. وقد وجد في الأيام التي سافر فيها ماكس إلى القامشلي فرصته الكبرى. إذ يعلن بفخر أن المنزل أصبح الآن دقيقاً كدبوس جديد. فكل ما له مكان أصبح في مكانه والكثير من الأشياء التي لم يكن لها من مكان صار لها مكان الآن! إلى درجة سوف تتسبب بكل أنواع الإزعاجات!
أما بامبس فهو معمارينا الجديد. ولقبه هذا مشتق من ملاحظة بريئة أبداها للكولونيل أثناء رحلتهما. فقد رفع بامبس ستائر نافذة القطار أثناء اقترابه من نصيبين مع شروق الشمس ونظر باهتمام إلى البلاد التي سوف يمضي فيها الأشهر القليلة القادمة.
“كم هو مثير للفضول هذا المكان. الكدمات في كل مكان!” 
فيصرخ الكولونيل: “كدمات؟ ألا تدرك، أيها الزميل غير الموقر، أن كل كدمة من هذه الكدمات هي مدينة تعود إلى آلاف من السنين؟”
منذ تلك اللحظة، التصق لقب بامبس بصاحب التعليق!
هنالك مقتنيات جديدة يجب أن نلقي عليها نظرة. لدينا، أولاً، سيارة سيتروين مستعملة يطلق الكولونيل عليها اسماً هو بيلو.
يتبين، مع مرور الوقت، أن بيلو سيد في غاية المزاجية. فهو، لسبب أو لآخر، يختار الكولونيل كي يسيء التصرف معه، فيرفض الاشتغال بعناد أو يتعطل في مكان غير مناسب.
لكن حل هذا الغموض يهبط علي، ذات يوم، كالوحي فأشرح للكولونيل أن الخطأ خطؤه.
“ما الذي تعنينه بكلمة خطئي؟”
“ما كان عليك أن تسميها بيلو. فإن كانت سيارة النقل لدينا قد بدأت باسم هو كوين ماري، فإن أقل ما كان يمكنك فعله هو أن تناديها باسم الإمبراطورة جوزيفين. فلو أنك فعلت ذلك، لما عانيت من المتاعب!”
يقول الكولونيل، بما هو عليه من روح الانضباط، إن الوقت قد فات على كل حال. فبيلو هو بيلو وعليه أن يعلم نفسه حسن السلوك. أرمق بطرف عيني بيلو الذي يبدو وكأنه يراقب الكولونيل باستهتار ويساورني إحساس قوي أن بيلو يفكر في ارتكاب أخطر الجرائم العسكرية – العصيان!
بعد ذلك، يسارع رؤساء العمال كي يرحبوا بنا. يبدو يحيى ككلب سعيد أكثر من أي وقت مضى. أما علاوي، فوسيم للغاية كما هو على الدوام في حين أنه يوجد لدى العجوز عبد السلام الكثير ليقوله.
أسأل ماكس عن حال الإمساك الذي يعاني منه عبد السلام، فيجيبني أن معظم الأمسيات خصصت لنقاشات مضنية حول هذا الشأن!
ثم نمضي إلى غرفة الأنتيكات. كانت حصيلة الأيام العشرة الأولى من العمل وفيرة وأدت إلى اكتشاف نحو مائة رقيم فأحس الجميع بالبهجة. سوف نبدأ، التنقيب في تل براك، كما في شاغر بازار، في غضون أسبوع من الآن.
أشعر، لدى عودتي إلى البيت في شاغر بازار، وكأنني لم أغادره قط، على الرغم من أن المنزل يبدو الآن، بفضل ولع الكولونيل بالنظام، أكثر ترتيباً بكثير من أي يوم مضى. وهو أمر يذكرني بقصة أجبان كامامبير الحزينة.
فقد اشترى ماكس ست قطع من جبن كامامبير من حلب وفي ظنه أنه يستطيع التعامل مع هذا النوع من الجبن كما يعامل الجبن الهولندي وأنه يستطيع تخزينه كما يشاء. أكلت قطعة واحدة من الجبن قبل وصولي، ثم قام الكولونيل، الذي وقع، أثناء ترتيب المنزل، على القطع الخمس الباقية، بتكديسها بإتقان خلف خزانة في غرفة المعيشة. وهناك، اكتسبت قطع الجبن هذه طبقة من ورق الرسم وورق الآلة الكاتبة ورماد السجائر، الخ… وذبلت في الظلام وأصبحت طي النسيان وغير مرئية، وإن لم تكن غير مستنشقة إن جاز القول،إذ لم يمض أسبوعان حتى بدأنا، جميعنا، نشم ونخمن.
” لست واثقاً أنه ليست لدينا أية مصارف للمياه”، قال ماكس.
“ثم ان أقرب خط للغاز يبعد عنا مئتي ميل”.
“لذلك أظن أنه لا بد أن يكون فأراً ميتاً”.
“بل جرذ ميت على أقل تقدير!”
أصبحت الحياة في الداخل لا تطاق، فأطلقنا عملية بحث دؤوب عن الجرذ المتفسخ المزعوم. عندها، وعندها بالذات، اكتشفنا كتلة هلامية كريهة الرائحة كانت، ذات يوم، خمس قطع من جبن كامامبير، تجاوزت المرحلة السائلة إلى المرحلة الغازية.
تتجه نظرات الاتهام إلى الكولونيل على الفور ونعهد بالبقايا المروعة إلى منصور كي يدفنها في مكان بعيد عن بيتنا. ثم يشرح ماكس للكولونيل بانفعال كيف أن هذه الحادثة تؤكد له ما كان يعرفه على الدوام – وهو أن التنظيف خطأ كبير! فيرد الكولونيل قائلاً إن التنظيف، بحد ذاته، لا عيب فيه والدليل على ذلك هو أن تنظيف البيت من قطع الجبن فكرة حسنة وأن الخطأ يكمن في سهو علماء الآثار الذين لا يتذكرون أن لديهم جبن كامامبير في البيت. أما أنا فأقول لهما إن الخطأ الحقيقي هو شراء جبن كامامبير ناضج بكميات كبيرة وتخزينه! ويتساءل بامبس عن المغزى من شراء جبن كامامبير أصلاً. فهو لم يستسغ هذا النوع من الجبن يوماً! في حين يمضي منصور ببقايا الجبن بعيداً ويدفنها بامتثال، لكنه في الواقع يشعر بالحيرة. يبدو أن الخواجات يحبون هذه الأشياء لأنهم دفعوا مبلغاً كبيراً من المال لشرائها. لكن لماذا يتخلصون منها عندما تصبح مزاياها الجيدة أكثر ظهوراً مما كانت عليه من قبل؟ لا بد أن ذلك جزء من العادات الاستثنائية للمخدومين!
تختلف مشاكل الخدم في حوض الخابور عن مثيلاتها في إنكلترا. يمكنك القول إن الخدم هنا يعانون من مشكلة اسمها المخدوم! فنزواتنا وآراؤنا وما نحب وما نكره غريبة للغاية وهي، بالنسبة إلى العقل المحلي، لا تتبع أي نسق منطقي.
فهنالك، على سبيل المثال، أنواع متعددة من قطع القماش ذات نقوش مختلفة وألوان حواف مختلفة تستخدم كل منها لغاية محددة. فلم كل هذا الترتيب؟
ولماذا، عندما يستخدم منصور منديل مائدة ذا إطار أزرق في إزالة الطين عن مبرد السيارة، تخرج خاتون غاضبة من المنزل وتمطره باللعنات وقد أزالت قطعة القماش هذه الطين بنجاح منقطع النظير؟ ثم تتميز غضباً دون سبب وجيه عندما تدخل إلى المطبخ وتكتشف أن أدوات الطعام تجفف بعد تنظيفها بقطعة قماش؟
فيحتج منصور محاولاً تبرئة نفسه: “لكنني لا أستخدم قماشاً نظيفاً في هذا الأمر. إنها مجرد قطعة قماش قذرة !”
بيد أن التبرير الذي يقدمه يزيد الطين بلة، على ما يبدو، بشكل غير مفهوم على الإطلاق.
وعلى الصورة نفسها، يصبح ابتكار المدنية أدوات المائدة، بالنسبة إلى خادم قلق، مصدراً لصداع مزمن.
لقد راقبت منصور، أكثر من مرة، من خلال الباب، وهو يحاول، بكثير من العصبية، تنسيق المائدة من أجل الغداء.
يقوم، أولاً، بترتيب غطاء الطاولة – ويختبر في هذا الأمر مختلف الأساليب الممكنة ويتراجع إلى الخلف، في كل مرة كي يحدد الأسلوب الأفضل من الناحية الجمالية.
ثم يختار، بصورة لا يحيد عنها، أن يمد الغطاء على عرض الطاولة بحيث يتدلى بأناقة من جانبيها الطوليين ويتكشف جزء من سطحها على طول بوصة أو بوصتين من جهة الرأسين. ويهز رأسه راضياً ثم ترتسم علامات التجهم على جبهته ويحدق في سلة من القش شبه متآكلة اشتراها أحدهم بثمن زهيد من بيروت تضطجع فيها أدوات المائدة بانسجام.
وهنا، نصل إلى لب المشكلة. يستجمع منصور طاقاته العقلية ويضع، بكل الحرص الواجب، شوكة على صحن كل فنجان وسكيناً إلى يسار كل طبق. ثم يتراجع إلى الوراء ويميل رأسه إلى أحد الجانبين كي يدرس النتيجة. ويهز رأسه ويتنهد. هنالك، على ما يبدو، ما ينبئه أن هذا الترتيب غير صحيح. وهنالك، على ما يبدو كذلك، أمر ينبئه أنه لن يتقن المبدأ الحاكم للتشكيلات المختلفة التي يمكن تركيبها من الأشياء الثلاثة التي هي السكين والشوكة والملعقة. بل إن الترتيب الذي يعتمده في توزيع الشوكات من أجل الشاي، الذي هو أكثر الوجبات بساطة، لا يلقى القبول. إذ أننا نطلب، لسبب ما عصي على الفهم، سكيناً، في حين لا يوجد ما يستوجب تقطيعه ! الأمر ببساطة شديدة بلا معنى.
بهذه الطريقة ينفذ منصور مهمته المعقدة مختتماً إياها بتنهيدة عميقة. لكنه اليوم، بالتحديد، عازم على إرضائنا. فيلقي نظرة أخرى على المائدة. ويضيف شوكتين إلى يمين كل طبق وملعقة أو سكيناً إلى يساره. ثم يأخذ نفساً عميقاً ويضع الأطباق في مكانها وينحني فوقها وينفخ بقوة كي يزيل أثر أي غبار قد يكون عالقاً بها. ويغادر الغرفة مترنحاً نتيجة للمجهود الذهني الذي بذله ويعلم الطاهي أن المائدة جاهزة وأنه يستطيع أن يخرج العجة من الفرن الذي أبقاها فيه على مدى الدقائق العشرين الأخيرة كي تحتفظ بحرارتها وتكتسب طبقة قاسية وشهية.
عندئذ، يتم إرسال فرهيد في طلبنا، فيصل إلينا ونظراته تشي بالقلق وكأنه على وشك إبلاغنا بوقوع كارثة، فنتنفس الصعداء عندما يبلغنا إن العشاء جاهز.
نتناول هذه الليلة كافة الأطباق التي يعتبرها ديمتري الأكثر رقياً. فنبدأ بالمقبلات التي تتضمن بيضاً مسلوقاً مطهواً بالمايونيز الغني وسمك السردين والفاصولياء الباردة والرنكة. ثم يقدم لنا الطبق الذي يمتاز به ديمتري وهو كتف الضأن المحشو بالرز والزبيب والتوابل. وهذا الطبق حافل بالغموض. إذ يوجد خيط قطني طويل عليك أن تقطعه أولاً ثم تستطيع، بعد ذلك، الحصول على أجزاء من الحشوة بسهولة، أما اللحم الفعلي فيفلت منك، قبل أن تكتشف الضأن الفعلي، وقد أوشكت على الانتهاء من الطبق ووصلت إلى شريحة اللحم المغلفة للحشوة! ثم نتناول الكمثرى المعلبة. إذ يحظر على ديمتري أن يصنع الحلوى الوحيدة التي يتقنها ونبغضها جميعنا، وهي الكريم كاراميل. وبعد العشاء، يعلن الكولونيل، باعتزاز، أنه علم ديمتري صنع فاتح شهية.
توزع علينا أطباق في كل طبق منها شريحة صغيرة من الخبز العربي المطهو بالدهن الحار مذاقها كالجبن إلى حد ما. فنفاتح للكولونيل بأن فاتح شهيته هذا لا يروق لنا كثيراً!
ثم توضع على الطاولة بعض الحلويات التركية وفاكهة مجففة لذيذة من دمشق. وفي تلك اللحظة، يصل الشيخ في زيارة مسائية. كان قرارنا التنقيب في شاغر بازاز قد غير حاله بصورة جذرية من رجل مفلس بصورة لا رجاء فيها إلى رجل يمكن للذهب أن ينهمر عليه كالشلال في أية لحظة. لقد اقتنى لنفسه، بحسب روايات رؤساء العمال، زوجة أيزيدية حسناء، مستغلاً الوضع الجديد، وازدادت ديونه بشكل هائل نتيجة حصوله على قرض جديد! معنوياته مرتفعة بالتأكيد. وهو، كالعادة، مدجج بالسلاح. ينزع بندقيته بلا مبالاة ويعلقها في إحدى الزوايا ويسهب في شرح مزايا المسدس الأوتوماتيكي الذي اشتراه للتو.
يقول: “أترى؟”، مسدداً فوهة المسدس إلى الكولونيل. “الآلية هي هكذا- ممتازة وبسيطة. تضع إصبعك على الزناد بهذا الشكل وتخرج الرصاصات الواحدة تلو الأخرى”.
يسأله الكولونيل بصوت مخنوق إن كان المسدس محشواً.
إنه محشو بالطبع، يجيبه الشيخ بدهشة: ما نفع المسدس إن لم يكن محشواً؟
فيغير الكولونيل، الذي يحمل خوفاً عسكرياً مبرراً من الأسلحة المحشوة المسددة باتجاهه، مكان جلوسه على الفور ويحاول ماكس إلهاء الشيخ عن دميته الجديدة عارضاً عليه الحلوى التركية. فيخدم الشيخ نفسه بسخاء ثم يمص أصابعه بإعجاب ويطوف ببصره علينا وقد أشرق وجهه.
“آه”، يقول وقد لاحظ انشغالي بالكلمات المتقاطعة في صحيفة التايمز. “خاتونك تقرأ إذن؟ لكن هل تكتب كذلك؟”
يجيبه ماكس بالإيجاب.
فيقول الشيخ بإعجاب: “يا لها من خاتون متعلمة. وهل تصف العقاقير للنساء؟ إن كانت كذلك، فسوف تأتي زوجاتي إليها ذات مساء كي يشرحن لها آلامهن.”
فيرد ماكس ان زوجات الشيخ مرحب بهن لكن هذه الخاتون لا تفهم الكثير من اللغة العربية لسوء الحظ.
فيهتف الشيخ: “سنتدبر الأمر، سنتدبر الأمر.”
ثم يستعلم ماكس منه عن رحلته إلى بغداد.
فيقول الشيخ: “لم يجر الترتيب لها بعد. هنالك الكثير من الصعوبات والشكليات.”
ينتابنا شك كبير في أن الصعوبات ذات طبيعة مالية. إذ أن هنالك شائعات تقول إن الشيخ أنفق كل المال الذي تلقاه منا بالإضافة إلى “الخوة” التي تقاضاها من عمال قريته.
ثم عوداً على بدء: “في أيام البارون.”…
لكن ماكس يتحايل عليه قبل أن يأتي على ذكر الذهب بسؤاله عن الإيصال الرسمي بمبلغ الستين ليرة سورية الذي ناله الشيخ “سوف تطلبه الحكومة.”
فيغير الشيخ الحديث على الفور ويتحدث عن صديق عزيز وقريب يقف في الخارج وعينه في حالة سيئة. فهلا خرجنا وألقينا نظرة عليها وقدمنا له النصح؟
نخرج في الظلام ونتفحص العين بالاستعانة بنور كشاف. لا شك أن الأمر يفوق طاقتنا. فالعين في حال سيئة للغاية. هكذا عين يجب أن يراها طبيب، يقول ماكس. ثم يضيف وبأسرع ما يمكن.
يهز الشيخ رأسه. سيذهب صديقه إلى حلب. فهل لنا أن نعطيه رسالة للدكتور ألتونيان هناك؟ يبدي ماكس موافقته ويبدأ في كتابة الرسالة ثم يتوقف قليلاً ويسأل: “هل قلت إن هذا الرجل قريب لك؟”
“نعم.”
فيسأله ماكس وهو ما يزال يكتب: “اسمه؟”
يكرر الشيخ السؤال وقد أخذ على حين غرة: “اسمه؟ لا أعرف. علي أن أسأله.”
يختفي الشيخ في الظلام من جديد ثم يعود بالمعلومات المتعلقة باسم قريبه وهو محمد حسن.
يقول ماكس وهو يكتب: “محمد حسن.”
ثم يسأله الشيخ: “أم أن المطلوب هو اسمه على جواز السفر؟ اسمه على جواز السفر هو داوود سليمان.”
ينظر ماكس إليه بحيرة ويسأله عن الاسم الفعلي للرجل.
فيجيبه الشيخ بسخاء: “سمه ما شئت.”
يستلم الشيخ الرسالة ويستعيد تجهيزاته الحربية ويباركنا بحرارة ويغيب مع تابعه الغامض في الظلام الدامس.
يبدأ الكولونيل وبامبس نقاشاً حول الملك إدوارد الثامن والسيدة سيمبسون، يليه نقاش آخر حول الزواج بشكل عام سيفضي، بالضرورة، إلى موضوع الانتحار!
عند هذه النقطة أغادرهما وأذهب إلى النوم.
________
*المصدر: المدى 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *