الرواية اللاتينية.. خبرة فنية خاضت في صميم التجربة الإنسانية




خالد القعيب


حين نتحدث عن الرواية اللاتينية، فهذا يعني أننا نتحدث عن ثورة في الفكر والجمال، ويمكن وصفها بأنها الخبرة الفنية الفريدة التي خاضت في صميم التجربة الإنسانية. وفي واقع سياسي واجتماعي تعيشه الدول اللاتينية بحث الكتّاب اللاتينيون عن صيغة أكثر استيعاباً لتعقيدات الواقع ومتاهاته وعن أحلام الإنسان وآماله، فوجدوا في الرواية مجالاً خصباً لموضوعات اجتماعية ونفسية، فتوغلت في أحوال المهمشين والمعدمين؛ ما جعلها تنتج أدباً عالمياً حاز على جل الجوائز الأدبية.
طفولة مبكرة
يتسم الأدب اللاتيني بعراقة تاريخية تعود جذورها إلى ما قبل الميلاد وتعود نشأة الأدب اللاتيني بالتحديد إلى عام 82 ق.م حيث بدأ بالرسائل الخمس ل”هيرناندو كورتيز” المُرسلة إلى المملكة الأسبانية، التي يصف فيها بأسلوب أدبي سحر الطبيعة وجمالها الأخاذ. وتعد الكاتبة المكسيكية سورخانا رانس دولا كروز إحدى الرائدات الأوائل في الأدب اللاتيني حيث ألّفت العديد من المسرحيات والكتب الفلسفية والنقدية. وحين جاء القرن التاسع عشر وهي الفترة التي ناهضت أميركا الجنوبية لتحظى بالاستقلال صدرت روايات كثيرة تدعو إلى الاستقلال والاحتجاج على المستعمر الأوروبي من ذلك: رواية “الببغاء الغاضب” للروائي خوزيه خواكين فيرينانديز.
الحركات الأدبية في الساحة اللاتينية
لم يكن الأدب اللاتيني بمعزل عن الحركات الأدبية التي عمّت أوروبا حيث كانت بيئة خصبة تشرّبت العديد من المذاهب والتيارات الفكرية والأدبية بتفاعل إيجابي لم يسلبها هويتها القومية من ذلك الرومانسية التي تجلت في أشكال أدبية جديدة، ومن رموزها: جورج إسحاق صاحب رواية “ماريا” عام 1867 وخوان ميرامرد مؤلف رواية “كومندا”، والشاعر خوان زوريلاند دو سان مارتين وله مؤلف تحت عنوان “الإكوادوري والقصيدة الملحمية”، والبيروفي ريكاردو بالما. أما الواقعية فقد انعكست ظلالها على عدد من الروائيين والكتّاب ومن قادة هذه الحركة: ألبرتو بلست غانا من تشيلي وفدريكو غاموا من المكسيك، جواكيم ماريا دي أسيس من البرازيل.
زمن الرواية
جاءت الخمسينيات من القرن الماضي وقد بلغت الرواية اللاتينية أوجها واكتملت عناصر بنائها الحكائية على يد عدد كبير من الروائيين الذين استحدثوا تقنيات جديدة في الفن الروائي دعمها في ذلك عدد من العوامل، وتحولت الرواية بذلك إلى عمل رؤيوي احتجاجي على الحياة صار يحمل في طياته أسئلة جديدة عن الوجود والإنسان وتصدّت لمعالجة المعضلات الفلسفية الكبرى: الموت، الحروب، الاستبداد، اغتراب الإنسان المعاصر، وغيرها. ومن أهم الروائيين: كارلوس فونتيس مؤلف روايتي “حيث الهواء الصافي”، و”وفاة أرتيمو كروز” وخورخي ماريو بيدرو فارغاس يوسا ومن أعماله: “قصة مايتا”، “حرب نهاية العالم”، “بنتاليون والزائرات”، “دفاتر دون ريغوبرتو”، امتداح الخالة”، “من قتل بالومينو موليرو”، “حفلة التيس”، “رسائل إلى روائي شاب”، “الفردوس على الناصية الأخرى”. ويأتي غابرييل جارسيا ماركيز بوصفه أحد الأسماء الروائية المهمة في العالم وتميزت رواياته بالواقعية السحرية التي تخلط الأسطورة والحلم بالواقع والتاريخ، ومن رواياته: “الحب في زمن الكوليرا”، “الحب وشياطين أخرى”، “مئة عام من العزلة”، “الجمال النائم”، “خريف البطريرك”.
أما إدوارد غاليانو فقد كتب بحسّ متوقد عدداً من المؤلفات، من أهمها: “أفواه الزمن”، “أبناء الأيام”، “مرايا: ما يشبه تاريخاً للعالم”، “كرة القدم بين الشمس والظل”. ومن الروائيين اللاتينيين عالم الفيزياء والمفكر إرنستو ساباتو فمن مؤلفاته: “النفق”، “ملاك الجحيم”، “عن الأبطال والقبور”.
_______
*الرياض

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *