المسرح المغربي: آفاق وآليات


عبدالحق ميفراني


خاص ( ثقافات )

المسرح المغربي: آفاق المهنة والتنظيم وتطوير آليات الدعم

اعتبر الأستاذ عبدالحق أفندي أن ندوة “المسرح المغربي: آفاق المهنة والتنظيم وتطوير آليات الدعم” تمثل أرضية للوقوف على مواضيع تهم الجانب التنظيمي في المسرح المغربي. وتوقف مدير مديرية الفنون بوزارة الثقافة، عند تدخل الوزارة وطبيعته في الحقل الثقافي والفني من خلال، أولا التكوين من خلال أجيال من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي والذين يتلقون تكويناً أكاديمياً، كما أن هناك مجموعة من الورش، تضمن تجسيداً فعالا للتربية الفنية والتي أمست مطلباً أساسياً. ثانياً البنيات التحتية، إذ استطاعت وزارة الثقافة أن تخلق بنية تحتية كفيلة باستقبال الفرجات المسرحية. ثالثاً التنشيط المسرحي، وذلك من خلال تظاهرات قارة كالمهرجان الوطني للمسرح وفاعليات وملتقيات ومهرجانات مسرحية تحظى بدعم الوزارة. رابعاً تنظيم الحقل المسرحي، إذ أمست وزارة الثقافة مطالبة بتأطير الحقل الفني من خلال الآليات الكفيلة بانتظامه القانوني ومن ضمن مؤسسات هذا المنحى قانون الفنان، وهو نظام إطار تتفرع منه مؤسسات أخرى (الاتفاقيات الجماعية للشغل..).

ولذلك ارتأت وزارة الثقافة أن تنظم ندوة محورية، ضمن فاعليات الدورة الساعة عشرة للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان، انشغلت بمحورين أساسيين: يرتبط الأول بتنظيم وتأطير المسرحي بالمغرب، المخرجات القانونية الحاصلة والممكنة لمواكبة التحولات، والثاني يرتبط بالآليات الجديدة للدعم المسرحي وأثرها في تطوير الممارسة المسرحية بدءاً من الابداع ووصولاً الى التلقي. 

تنظيم وتأطير المسرحي بالمغرب: المخرجات القانونية الحاصلة والممكنة لمواكبة التحولات

حكيم قرمان: لمحة عن مشروع قانون الفنان الجديد
وقد تدخل في البداية، الخبير حكيم قرمان، والذي كرس بحوثه للملكية الأدبية وكان ضمن فريق صاغ قانون الفنان، اعتبر أن للموضوع راهنيته بحكم أن القانون مطروح للمسطرة التشريعية، وثانيا لأن المهرجان هو المجال الخصب لنقاشه. القانون الجديد، هو اجتهاد جماعي للعديد من الأطراف المعنية بالقطاع الفني، وهو استجابة للمستجدات التي حدثت بالحقل الفني الى جانب استئناسه بالعديد من التجارب الدولية. والمقترح الجديد من حيث المنهجية كان أمام خياريين للمعالجة، فالأول أكد على ضرورة الحفاظ على القانون الأول والبحث داخله لتطويره. والثاني اتجه، بالنظر لما يعرفه المجال من تطورات وتحولات على الصعيدين الدولي والوطني وفي ظل دستور جديد، الى إخراج قانون جديد. ولعل حضور إرادة سياسية عند الدولة، زاد من راهنية إخراج قانون يستجيل لتطلعات الفنانين المغاربة.
تم التعامل مع النص القديم، من خلال روحه وأخذ كل الإيجابيات الواردة فيه. وفي صيغة النص الجديد، تم إضافة أحكام عامة في علاقة الثقافة بالتنمية، كما خصص باب للتعاريف إذ ظهرت إشكالية لبعضها نذكر هنا، ممثل احترافي وهاوي. وضمن إشكالية التعريف، تم اعتماد المعايير الدولية (فرنسا، كندا، اليونسكو). ولم يكتف المشروع الجديد بالتعريف بل عرف كل المقتضيات والتبعة (العقود)، وربط النص بالقوانين الجاري بها العمل، الى جانب الملاءمة. واستطاع النص الجديد، يشير قرمان، الى طرح قضايا أخرى كانت مرتكزاتها غائبة (الحماية الاجتماعية للفنانين). ولعل طرح المبدأ الدستوري سيشجع على التفاوض الجماعي، بما أن كل الأطراف ستصبح شريكا.

النص الجديد لقانون الفنان يفتح للهيئات التمثيلية للفنانين كي يضمن الفنان حقوقه، مع التمييز بين الوضعيات المهنية للفنانين. ويظل النص الجديد قانون إطار عام للمجال الفني، مع نشوء مهن فنية جديدة، لذلك تم جرد هذه المهن والتمييز بينها حتى يتسنى للجميع الاحتكام للقانون. واستطاع النص الجديد أن يضيف بابا لحالات استثنائية، نظرا لضبابية وقصور في بعض البنود. بالنسبة للدعم العمومي، القانون الجديد وضع صيغا قانونية تعطي الأفضلية للفنان المغربي الحاصل على بطاقة الفنان (70 في المائة)، كما يحمي نفس القانون الفنان الأجنبي.

مسعود بوحسين: مفارقات القانون الجديد
اتجه المسرحي مسعود بوحسين الى تناول نقط أكثر تقنية في صيغة القانون الجديد للفنان، كما سجل تحفظه وأشر على بعض مفارقات المشروع احتكاما لرؤيته من الداخل. والاستعانة بالخبرة الدولية في هذا المجال مطلوبة، خصوصا التجربة الفرنسية والكندية. والمفارقة المسجلة هنا، أنه عند الحديث عن الموضوع من زاوية التجارب الدولية، فإننا نؤشر على فنون العرض الحية والتي تعتمد على موظف يلتحق بالأنظمة العامة. مع العولمة انضاف مجال المهمة المحددة، مما حدى بالعديد من المؤسسات الى مقاربة الإشكالية (اليونسيكو ومنظمة العمل الدولية).

إذ أضحت الممارسة الفنية، في ظل العولمة، مهددة في كيانها الداخلي وتحتاج لأنظمة خاصة تحمي الفن وهذا راجع لطبيعة العمل الفني. وكان الموضوع أساس اجتهاد بحثي من طرف علماء الاجتماع، إذ بقدر ما يتطور الفن تصبح هناك صعوبات أمام الفنانين والذين يعتبرون من منتجي الفكر، ويصبح عمر التألق الفني قصيرا. ففي فرنسا مثلا تم إحصاء 1 من 5 يمكنهم العيش من الفن، وهو ما طرح إشكالا حماية الفن ومراعاة خصوصيته.

الاعتراف بالفن كخصوصية قانونية، ويجب أن يتلاءم القانون مع الوضعية الجديدة للفنان وليس العكس. والخصوصية القانونية ملاءمة القانون التجاري وقانون الشغل من جهة أخرى، فالدعم يوجه الى المؤسسة وليس الى الفرد، ومجال الفنون الحية يجب أن يخضع لنفس المعايير. ومادام فنانو العرض يعتبرون أجراء فيجب ارتباطهم لقانون الشغل، مع ما يطرحه من إشكالات جديدة لعل أهمها حق الإضراب الغير ممكن في حالة الفنان فضد من سيضرب؟ التجربة الكندية حلت جزء من الإشكال بلجوئها الى تقنيات التفاوض الجماعي، بحكم أنها اختيارية وليست إلزامية، لذلك جعلوها إجبارية متى كان الدعم العمومي حاضراً.

في وضعية الدعم العمومي، يكون الإطار (المؤسسة) هو المستفيد، وهو وسيط فعلي. من هنا يصبح الدعم يؤثر على الجودة وممارسة الفنان بحكم أنه غير مستفيد. وفي الوضع المغربي، يشير بوحسين، الى أنه كلما ارتفعت ميزانية الدعم، كلما ظهرت مقاولات جديدة للاستفادة من المال العام، وهنا سنكون أمام ترسيخ للريع. من تم إجبارية التفاوض الجماعي، ومع وجود التعددية النقابية والغرف والجمعيات، يصبح الأمر موجها للجهة الأكثر تمثيلية. من هنا تظهر قيمة وأهمية بطاقة الفنان، للتمييز وغربلة هذا التعدد، ولتكون آلية احتساب للتفاوض الجماعي. وينهي نقيب النقابة المغربية لمحترفي المسرح، مسعود بوحسين تدخله بالإشارة الى مفهوم العرضانية، حيث لا يجب التمركز على وزارة الثقافة، فضرورة وجود إطار قانوني كمؤسسة الفنون الحية/ العرض. 

الآليات الجديدة للدعم المسرحي وأثرها في تطوير الممارسة المسرحية بدءا من الابداع وصولا الى التلقي
توقف الباحث محمد العزيز عند الدعم المسرحي (انطلق سنة 1998)، فعلى امتداد عمره شكل نواة لمراكمة الاخفاقات والنجاحات معا. غير أن الجامع هو عدم الرضا مما أثمر عدة مواقف وظهور إرادات لتصحيح مساره وتعديلات مست في العمق القانون المنظم للدعم المسرحي. وقد ساهمت هذه الصيرورة في مراجعة وزارة الثقافة لسياسة الدعم في كل مرة، كما أفرزت على الساحة أراء ومواقف بل حتى المرسوم الأخير خلق نقاشا حادا. ومع حضور هذه الحركية الإصلاحية المتجددة والمستمرة، فقد أضحت دينامية أكبر للجسد الفني في أفق تطوير المسرح المغربي. والدعم بكل ما واكبه من نقد لا يستطيع أن يطور المسرح المغربي لوحده ولن يستطيع خلق حركية ودينامية لوحده. وتوقف الباحث العزيز كثيرا عند مسؤولية لجن الدعم، بل وطالب بمراجعة بفتح حوار جدي حول طبيعة اللجن والمعايير المتحكمة في اشتغالها. خصوصا عندما يتم الإشارة الى 11 معيار الكفيلة بالاختيار، مما يؤكد رغبة وزارة الثقافة في اختيار نموذج المسرح الذي تريده، في غياب معاينة ركحية للعروض. 

أما المسرحي عبدالمجيد فنيش، وهو عضو لجنة الدعم هذه السنة، فتوقف كثيرا عند آليات ورهانات سياسة الدعم اليوم في ظل التنوع الذي بدأ يشهده الدعم السنوات الأخيرة. فاللجن لا تشتغل بمنطق طلبات العروض، كما أن التفاعل الفني في ظل الوضع القانوني الحالي لا يفيد في عمل اللجن. وبما أن وزارة الثقافة هي في الأساس منفذة لسياسة حكومية، فقد وصلنا الى دعم في دورتين خلال السنة الواحدة. الى جانب انفتاح الدعم على فعاليات أخرى، كالإقامة الفنية، والتي طالب فنيش بإضافة الناقد والموثق لبنودها عوض المؤلف فقط، والتكوين والتوطين، هذا الأخير يعتبر أحد أحدث رهانات سياسة الدعم الأخيرة. ويبدو أن التوطين المسرحي لا زال يطرح العديد من التحديات، بحكم جدته، فالمطلوب خلق حراك وتنشيط ثقافي خلال السنة، لا إنتاج عرض مسرحي فقط، والتنشيط اعتبر الحلقة الأضعف ضمن هذا المنحى. وزارة الثقافة لها عدت تلاوين للدعم، لكن غياب المنظومة التدبيرية المالية، يجعل الموسم يبدأ متأخرا وينتهي مبكرا. لذلك طالب فنيش بإحداث مديرية خاصة بتدبير الدعم في شقه المالي، مع ضرورة حضور المسرح الوطني ضمن تركيبة اللجن نظرا لتدخله المباشر في الدعم المسرحي. 

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *