الأديبة سلوى بكر: لا أكتب عن شخصيات خارج الحياة


سماح عبد السلام


أصدرت الأديبة سلوى بكر مؤخرا رواية {شوق المستهام} التي حاولت خلالها استقراء الماضي وطرح أسئلة خاصة به، وذلك في إطار شغفها الدائم بالتاريخ الذي برعت في تحويله من مادة جافة إلى قصة إبداعية متكاملة لإيمانها بأنه مادة هائلة للتخييل، وتراهن بكر على ذكاء القارئ وقدرته على تجديد الأسئلة التي يطرحها، مؤكدة أن أسئلتها ليست خاصة بها ولكنها للناس كلهم.

وصف البعض روايتك الجديدة {شوق المستهام} بانحيازها المطلق إلى الباحثين عن المستقبل، فكيف ترين ذلك؟
أعتقد بأن ذلك رأي موضوعي يستند إلى فكرة وهي تقول إنه كي نرى المستقبل علينا أن نعرف الماضي، لأن المستقبل هو الماضي بشكل من الأشكال، بمعنى أن المعطيات المستقبلية كافة في حياتنا نتاج لحدث في الماضي.
ولكن كيف نستشف من الماضي ما هو مستقبلي؟ هذا هو السؤال. والرواية تحاول فعلاً أن تستقرئ الماضي البعيد وتطرح أسئلة تتعلق به، وهو المستقبل، وهنا أرى النقاد مصيبين في رأيهم ورؤيتهم.
تتماشى لغة {زمن المستهام} مع الواقع الراهن، فما تعليقك؟
ما هي وظيفة اللغة في الرواية عموماً؟ بالطبع أن تجسد الشخصيات وترسمها من الداخل والخارج، تستنطقها بلغة عصرها، اللغة الحاملة للتصورات والمفاهيم الحاملة لهذا العصر، فإن لم تفعل رواية من هذا النوع، رواية تدور في القرن الثامن الميلادي، إذا لم تجسد الشخصيات وإذا لم يستطع السرد أن يصور عوالم هذه الشخصيات على هذا النحو فكان سيحدث نوع من الخلل في هذا السرد.
يؤدي التاريخ دوراً مهماً في كتابتك، لماذا؟
لأن التاريخ هو مرجعية الأسئلة الراهنة في حياتنا. ثمة عشرات الأسئلة المتعلقة بحياتنا، وهذه الأسئلة تتمحور حول فكرة أن حياتنا برمتها ماضوية. نحن نعيش بقيم ومفاهيم الماضي على مستوى المنطقة العربية كلها. حياتنا غير معاصرة رغم أننا نعيش بأدوات تكنولوجية وتقنيات معاصرة، ولكن في ما يتعلق بالمنظومة القيامية السائدة ورؤيتنا للعالم ولحياتنا فهي رؤية ماضوية، من هنا تتأتى الأسئلة. هذه الأسئلة هي التي تجعلنا نبحث عن الماضي ونجدد الأسئلة المتعلقة به بهدف إيجاد إجابات تتعلق بالحاضر.
والسؤال الأهم هو: لماذا نحن غير معاصرين؟ لا نعيش بمفاهيم وقيم كما يعيش الناس في الغرب، ولكن نعيش بمفاهيم كلها تتعلق بالماضي، نحزن نصرخ، نفرح نزغرد، ألا يوجد طريقة أخرى للتعبير عن هذه الأمور؟
علينا أن نطور طرائقنا بحيث تصبح معاصرة ولا نقلد الآخرين، العالم كان يرتدي ملابس القرون الوسطى لم يعد يرتديها الآن، نحن مازلنا نرتدي ملابس هذه القرون رغم تطور الحياة، من هنا بحثي الدائم عن التاريخ.
ولكن كيف يتسنى لك تحويل التاريخ من مادة جافة إلى إبداعية؟
أولاً، التاريخ هو حوادث وحكايات وقصص، ومن حسن حظ الكاتب المصري والعربي أن لدية تاريخاً طويلاً ممتداً وغنياً جداً ومليئاً بالمفارقات والتناقضات المعينة على أن يستنبط منها متخيل أدبي. التاريخ مادة هائلة للتخييل علينا أن نتفحصها ونستنبط منها ما يمكن أن يكون صالحاً لإثارة الدهشة في الأدب وهذا ما أفعله.

لكل مبدع رهانه الخاص به ، فعلى أي شيء تراهنين؟
أراهن دائماً على ذكاء الناس وفهمم وقدرتهم على تجديد الأسئلة، لأني أتصور أن أسئلتي ليست خاصة بل هي أسئلة الناس. ربما أنا املك أداة تعبيرية وهي الكتابة الأدبية. تساعدني هذه الأداة على طرح الأسئلة بطريقة إبداعية، ولكن أثق أن هذه الأسئلة لدى كل الناس، لأن الجميع يعيش حالة فصامية.
نعيش التناقض بين الماضوية والمعاصرة، لدينا طوق هائل لأن نكون معاصرين ولكن رؤيتنا للعالم ماضوية، وهذا الفصام هو الذي يجعل الناس تبحث عن الأسئلة.

وسط الكم الكبير من الجوائز أين سلوى بكر؟
لست متصارعة سواء على مستوى حياتي الخاصة أو العامة، والجوائز تحتاج إلى ذلك بالإضافة إلى التحالفات والكواليس، أنا سيدة بسيطة أجلس في بيتي، أحياناً أجلس على المقهى أرى الناس، أنتج الكتاب ولكني لا أركض أو ألهث لأجل الدعاية عنه، مع العلم أن ثمة الكثير من الكتاب الذين يعدون قائمة بأسماء الصحافيين والنقاد لإرسال أي كتاب جديد لأجل الكتابة عنه، ولكني لا أملك هذه القدرات. واقعنا الثقافي شديد التشويه، إذا لم تأت الجوائز فلا بأس، فماذا ستصنع لي الجوائز إذا جاءت لي حالياً، هل ستعطيني مالاً وبريستيجاً وشهرة، لا أريد كل هذا، فأنا أكتب مادةً للعالم.
ما هي رؤيتك لانتشار الجوائز والجهات المانحة لها على مختلف دول العالم؟
للجوائز إيجابيات، الدول التي تمنحها تريد أن تقول إنها مهتمة بالثقافة، لكن آلية الجوائز وطريقة توزيعها هي السؤال المطروح دائماً حتى لدينا هنا في مصر، بعض الجوائز يعتمد على العلاقات. نجد صحافياً ليس بناقد أو أكاديمي أو متخصص وهو عضو في لجان التحكيم. تشوّه هذه الأمور وتلوث نقاء وصفاء الكاتب.
لا أكتب لأفكر بجائزة أو غيرها، هذا ليس تعففاً، ولكني بالفعل لست مشغولة بالجائزة، بل أمارس حياتي بشكل طبيعي مثل ملايين البشر الذين لا يعرفهم أحد.
ولهذا لقبت بـ{صوت المهمشين}؟
ثمة كتاب كثيرون صوت للمهمشين، مويان الصيني وشتاين بك صوتا المهمشين. لا أكتب عن شخصيات خارج الحياة بل أكتب عن الحياة نفسها.
كثرة استخدام الرواية هل تعد استسهالا لفن جاد؟
أرى أن الكم والتدفق في إنتاج الروايات هو ظاهرة سيسولوجية في المقام الأول، لأننا مجتمعات لديها مأزق تعبيري حاد، عشرات الناس الذين يرغبون في التعبير لا يجدون قنوات متاحة لذلك، قد يكون الفيسبوك قناة للتعبير لكن ما يقُال في الرواية قد لا يستطيع الفرد أن يقوله في على جدار افتراضي.
عملت في الصحافة سنوات عدة، فهل كان لها تأثير على إبداعك؟
عملت في الصحافة اللبنانية لسنوات، وسعدت بذلك كثيراً حيث إن الصحافة اللبنانية لا تسأل من أنت ولكن تسأل عن إنتاجك فقط وتبتعد تماماً عن البيروقراطية، كذلك اشتغلت بالصحافة في قبرص، وقد استفدت من طبيعة العمل الصحافي خصوصاً عندما كنت أتابع الأحداث في لبنان. وفي مسألة الكتابة، نجد أن الصحافة تساعد على توهج الكاتب فتضعه في قلب الأحداث وتصنع علاقة وثيقة ودائمة بينة وبين الكتابة والقلم، ولا تقتل الإبداع كما يُقال.

احتفت بك السفارة المصرية أخيراً في فيينا؟
كنت في النمسا لحضور لقاء بين 6 كاتبات من بلاد إسلامية مختلفة منها إندونسيا وتركيا ولبنان ومصر والجزائر في بلاد هيستاو بجبال الألب وعندما علم السفير المصري بوجود كاتبة من مصر أقام لقاء بين أبناء الجالية العربية وتحدثت عن كتاباتي، أقدر احتفاءه لأنه يعكس اهتمام السفراء في الخارج بالثقافة وهذا نادر ما يحدث، والاهتمام فعلاً كان بالثقافة المصرية وليس بشخصي، وأنا لا أعرف هذا السفير المحترم ولكن احتفاءه يعكس مدى تقديره للثقافة.
——
الجريدة الكويتية

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *