أحلام عائشة عودة.. سيرة نضالية وإبداعية



فوز الكاتبة الفلسطينية عائشة عودة بجائزة ابن رشد التي أعلنتها مؤسسة ابن رشد للفكر الحر الأحد في برلين عاصمة ألمانيا في مجال أدب السجون يعد فوزا للحرية التي كانت تطالب بها عودة طوال مسيرتها النضالية وفوزا للكلمة المقاومة والجسد المقاوم.

فقد عانت المناضلة الفلسطينية مرارة الاعتقال وظلم السجون الإسرائيلية حيث جاء بيان الجائزة بهذا الخصوص “إن عائشة عودة عاشت مرارة الحكم العسكري الإسرائيلي وظلم سجونه، وأبعدت إلى الأردن ثم عادت إلى أرض الوطن بعد توقيع اتفاقات أوسلو وحرصت على كتابة تجربتها ونقلت الكثير عن فظاعة التعذيب الجسدي والنفسي خلال الاستجواب والحبس المتواصل في سجون الاحتلال”.
ولدت عائشة عودة في قرية دير جرير التابعة إدارياً لمحافظة رام الله في العام 1944، وانتظمت في صفوف المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني بعد انتهاء حرب العام 1967 مباشرة. وقد اعتقلت في آذار 1969 وحكمت عليها محكمة الاحتلال الصهيوني العسكرية بالسجن المؤبد.
وأمضت عودة عشر سنوات من محكوميتها في الأسر، عانت فيها القهر وتجرعت أسى الأسر وظلمه وتعرضت للتعذيب وقاست سنوات تحت ذل الاحتلال، ثم حررت في عملية النورس لتبادل الأسرى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في آذار 1979، وقد اشترطت إسرائيل إبعادها خارج فلسطين، فأقامت في الأردن حتى عودتها إلى فلسطين بعد توقيع اتفاقية أوسلو وعودة كوادر منظمة التحرير الفلسطينية وتأسيس السلطة الفلسطينية في عام 1994.
يعد كتابها “أحلام بالحرية” الصادر عام 2005 تجربة حارة بالألم والقهر، فتجربة السجون بالنسبة للكثيرين من الفلسطينيين والفلسطينيات ليست بالتجربة الهينة ففيها من المعاناة والمقاساة ما يصلح لكتابة تاريخ مظلم لسجون الاحتلال، فلم تكتب عودة تجربتها الخاصة فقط، إنما خطت بلغة دامية تجارب شعب كامل عانى وما يزال يعاني القسوة والظلم.
كتبت المناضلة الفلسطينية مشاهد كثيرة وتجارب عديدة مرت بها في السجون الإسرائيلية، مشاهد قاسية وأليمة، فقد كتبت بلغة تنز دما ووجعا عن محاولة الاغتصاب التي تعرضت إليها في السجن وكيف قاومتها وانتصرت فيها، ونقلت لنا تفاصيل التحقيق معها ومحاولات المحققين إيذاءها فيمسك المحقق بشعرها بيد ويصفعها باليد الأخرى.
من خلال مشاهد التحقيق وصفت الكاتبة شخصيات المحققين الذين تناوبوا على تعذيبها بالعصا والجزرة وفضحت ممارساتهم وعنصريتهم ووحشيتهم وقالت للقاريء أن مثل هؤلاء الوحوش لا يمكن التعايش معهم.
ووصفت أيضا رفيقاتها المناضلات في العنبر الذي اجتمعن فيه وكتبت عن ظروف عيشهن معا وعن كل المعارك التي خضنها من أجل كسب أدنى حقوقهن الإنسانية في السجن.
لقد امتلكت عائشة عودة في مذكراتها هذه قدرة كبيرة على البوح بلحظات الضعف الإنساني التي مرت فيها وقد اضطرت كثيرا كما ذكرت إلى تقديم تنازلات حتى تحمي رفيقاتها اللواتي كن يتعرضن للتعذيب بطرق بشعة كشل الجسد أو إيصالهن للجنون أو ضربهن على أجزاء محددة من أجسادهن لوقت طويل.
أتيح للقاريء أن يعيش الاعتقال والأسر والظلمة في صفحات اليوميات أو السيرة الذاتية لعائشة عودة، لشخصية حقيقية من دم ولحم، لقد قدمت للقاريء حياة فعلية وأحداثا مورست على جسدها، وهي بذلك ليست رواية متمكنة فنيا فقط ولا يستطيع المتلقي التعامل معها بحيادية كنص وكتابة إبداعية، فالتجربة التي قدمتها في أحلامها بالعودة لا يمكن فصلها عن الحياة الحقيقية، ولا يمكن قياس حرارتها الموجعة بعدد الصفحات ودراسة الفنيات المختلفة للسرد أو الأسلوب، إنها ببساطة كتابة الظلام الأسود بمعناه الحقيقي وليس المجازي المهيمن على الجسد والروح.
وقد تناول هذا الكتاب نقاد أشادوا بفنيته من جهة وبشجاعة الكاتبة من جهة أخرى فقد كتب الناقد الفلسطيني الدكتور عادل الأسطة في موقع متحف ابو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة “وأنا اقرأ ‘أحلام بالحرية’ قلت: ها نحن ننجح أخيراً في كتابة نص ناضج فنيا وأدبيا ولغوياً، تعبر فيه صاحبته تعبيراً موفقاً عن تجربة الفلسطيني في السجون الإسرائيلية، نصاً يمكن أن يوضع بجداره الى جانب رواية ‘شرق المتوسط ‘ وربما يعود السبب في هذا الى أن عائشة عودة لم تتعجل الكتابة فهي التي مرت بتجربة السجن في بداية الإحتلال الإسرائيلي وانتظرت ثلاثين عاماً ونيف حتى كتبت نصها”.
وكتب الشاعر والروائي الفلسطيني في موقع الجبهة “استطاعتْ عائشة لحسن حظنا أن تعبر عن تجربتها كمناضلة، وأن تُقدِّم لنا في كتابها هذا باكورةَ أعمالِ كاتبةٍ حقيقيةٍ، متمكِّنةٍ، قادرةٍ على التحرُّك بحرية بين ذكرياتها ومناطق أحاسيسها المتضاربة العاصفة، وأن تقدم كتابا أدبيا على مستوى عال، وهذا ما يدفعني للقول: إن عائشة التي أعطتنا بتجربتها الحياتية رمزاً من أهم رموز النضال الفلسطيني، استطاعتْ أن تكون هنا هذه الكاتبة التي تحملُنا عبرَ لغتها الشفافة نحو أدقِّ التفاصيلِ التي تجعلنا نحس في أحيان كثيرة بأن عائشة كانت تدافع عن الوردة وشجرة البطم.. لقد دخلت عائشةُ السجنَ مناضلةً وخرجتْ منه رمزاً، وقد دخلتْ هذا الكتابَ مناضلةً وخرجتْ منه كاتبةً”.
——
ميدل ايست اونلاين

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *