علي المقري *
قليلة هي الدراسات التي تتناول تاريخ الأقليّات في الخليج العربي، ومنها الأبحاث الخاصّة بحياة اليهود في هذه المنطقة التي كانوا جزءاً من تاريخها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي. لهذا تكمن أهمّية كتاب “اليهود في الخليج” للباحث يوسف علي المطيري الصّادر حديثاً عن دار مدارك في دبي وبيروت.
يتناول الكاتب في مبحثه، الذي هو بالأصل رسالة أكاديمية قدّمت إلى جامعة الكويت، تواجد الأقلية اليهودية في الكويت والبحرين بشكل رئيس إلى جانب وجودهم في الأحساء والبحرين والساحل العماني والشارقة ودبي وقطر.
يرجع الباحث تاريخ وجود الأقلية اليهودية في الخليج إلى هجرات بعض أتباع هذه الديانة من “بلاد فارس والهند والعراق” لظروف عدّة، إلاّ أنّه لا يستبعد “وجود أقلّية يهودية استقرّت في بعض مناطق الخليج العربي منذ القدم”.
ومن أسباب تلك الهجرة ما تعرّض له اليهود من إضطهاد ديني أو سياسي في مناطق استقرارهم، كما حدث لهم في العراق في عهد داوود باشا، كما أن “بعض الأسر اليهودية هاجرت من صنعاء تقريباً في الربع الأخير من القرن الثامن عشر إلى عمان بسبب تعرضها لاضطهاد ديني من قبل السلطات هناك”، حسب ما يذكر الرحالة كرستين نيبور. ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى تزايد عدد اليهود، هي قدومهم للعمل في بعض الدوائر الإدارية والمالية الحكومية والتجارية، والبحث عن فرص تجارية أفضل إلى جانب الهروب من الخدمة العسكرية الإلزامية في بغداد والبصرة؛ وبذلك تبيّن للباحث “أن غالبية اليهود في مناطق الخليج العربي كانت من العراق ثم بلاد فارس والجزء الأقل كان من الهند واليمن مع عدد قليل من مناطق أخرى مثل كردستان وأرمينيا وأفغانستان”. ويدرس الباحث تواجد الأقلية اليهودية في الخليج منذ القرن التاسع عشر، مع قوله أن تواجدها في عمان يرجع إلى قرون سابقة. وهناك عوامل كثيرة وراء استقرار اليهود في المنطقة إذ “كانت الكويت والأحساء والبحرين تتمتع باستقرار سياسي وأمني في فترة هجرة الأقلية اليهودية إليها في منتصف القرن التاسع عشر بالنسبة للكويت والعقد الثامن من القرن التاسع عشر بالنسبة للأحساء والبحرين. فالكويت ومنذ أواخر القرن الثامن عشر مروراً بمنتصف القرن التاسع عشر كانت تعيش ازدهاراً اقتصادياً واستقراراً سياسياً وأمنياً ويتضح ذلك من خلال انتقال الوكالة التجارية الإنجليزية في البصرة إلى الكويت عندما تواجهها مشاكل مع السلطات هناك، كما حدث في عامي 1792 و1821”؛ واستقرت هذه الأٌقلّية في الأحساء بعد ضم الدولة العثمانية لها عام 1871، وفي البحرين في السبعينات من القرن التاسع عشر أثناء توقيع معاهدات مع بريطانيا في السنوات 1861و1881 والتي فرت الاستقرار السياسي والأمني، حسب الباحث.
وينوه يوسف المطيري إلى تميز المناطق التي هاجرت إليها الأقلية اليهودية بالتسامح الديني “ونبذ التعصب وتقبل الآخر المتمايز عنهم دينياً” دون أن يغفل فوارق التعامل معهم في بعض هذه المناطق، ونشوب صراعات في ما بعد خاصة قبيل وأثناء الصراع العربي الإسرائيلي عام 1948 وبسبب رفض بعض المسلمين لبعض ممارسات الطائفة اليهودية كصناعة وبيع الخمور.
ومن ملامح نشاط هذه الأقلية هو علاقتهم مع الحكّام من خلال العمل في الإدارة وتوسع نشاطهم الاقتصادي حيث عملوا في كثير من المجالات كالصرافة وصياغات الفضة والذهب وتجارة اللؤلؤ والأقمشة والجلود، وكوكلاء للشركات العالمية؛ ويذكر الكاتب أسماء العائلات اليهودية التي اشتهرت في هذه الأعمال ومنها أنور منشي كوهين وسليم عبيد وصالح ساسون محلب ويوسف يعقوب وحسو إخوان في الكويت وإبراهيم نونو وناجي هارون كوهين ويوسف خضوري وإبراهيم إسحاق سويري في البحرين ويوسف بن يعقوب وداوود بن صالح شنطوب في الأحساء.
يتطرق الباحث إلى الإسهام الثقافي للأقلية اليهودية في الخليج، فيشير إلى افتتاحهم لأول دار عرض سينمائي في البحرين عام 1937، وإنشاء شركة إبراهيم فون لتسجيل الأغاني “حيث سجلت عدد من الأغنيات لبعض الفنانين المشهورين في ذلك الوقت مثل محمد زويد وعبدالله فضالة”، وبسبب تزايد نشاط اليهود “عرف سوق البحرين باسم سوق اليهود في فترة من الفترات، كما عرف شارع المتنبي في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين بشارع اليهود لوجود أغلب محال ودكاكين اليهود في هذا الشارع، والتي كانت تغلق يوم السبت تأكيداً ودليلاً على الحرّية والتسامح الديني التي تمتعوا بها في البحرين”.
من جانب آخر يبحث الكاتب العلاقات الاجتماعية بين المسلمين واليهود وخاصة الزواج الذي كان محصورا على زواج المسلمين بيهوديات، أو زواج يهود أسلموا بمسلمات، في ظل معارضة الطائفة اليهودية لذلك. ويشير إلى تواجد دور العبادة والمدارس الخاصة باليهود. ويذكر إسهام الأخوين صالح وداوود عزرا بن يعقوب المعروفين بـ “الكويتي” في مجال الغناء والتلحين والعزف، حتى هجرتهما إلى البصرة عام 1922 ومن ثم استقرارهما في بغداد إلى أن هاجرا منها في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين حيث “أسسا فرقة غنائية في القسم العربي من الإذاعة الإسرائيلية
( الاتحاد الثقافي – الإمارات )