حسام عبد القادر
قد لا يجد القارئ أي رابط بين كلمتي العنوان “الأتيليه” و”محطة الرمل”، إلا أن هناك رابطا كبيرا بين الاثنتين. الأول مكان يمارس فيه المبدعون والكتاب نشاطهم من خلال جمعية أهلية مسجلة بوزارة التضامن الاجتماعي هي “الأتيليه”، ومكان للفنانين التشكيليين يرسمون ويعرضون لوحاتهم، ويقيمون معارضهم، كما ينظم محاضرات وندوات متعددة في مختلف جوانب الفكر والثقافة، والفيلا التي يؤجرها الأتيليه هي مبنى أثري تابع لوزارة الآثار منذ التسعينيات.
والثاني مكان في وسط البلد يرتاده المثقفون بكل أشكالهم وانتماءاتهم ليطلعوا على الجديد في عالم الكتاب والصحافة من خلال بائعي الصحف المنتشرين حول المكان في شكل ثقافي وجمالي يتخلله بائع فشار وآخر للآيس كريم، وحتى مشهد ماسحي الأحذية أصبح جزءا أساسيا من المكان، كما يتوسط المكان سنترال ومكتب بريد تابع للشركة المصرية للاتصالات.
ورغم أن كلمة “محطة الرمل” تدل على منطقة كاملة بها العديد من الشوارع وتشتهر بوجود محلات تجارية لبيع الملابس وكل ما يحتاجه المواطن، إلا أن الاسم ارتبط بهذا المكان فقط، مكان بائعي الجرائد، ومعنى أن يعطي أحد موعدا لصديق في محطة الرمل معناه أنه سيلتقيه في هذا المكان.
فوجئ المثقفون باحتلال بعض البلطجية لأتيليه الإسكندرية بحجة حصولهم على حكم قضائي لأحد الورثة بأحقيته في جزء ملحق بالمبنى، فقام بتكسير مرسم ملحق بالأتيليه، ودمر بعض اللوحات وألقى بها في صندوق القمامة.
الورثة يرون أن المبنى من حقهم وأن حكاية تبعية المبنى لوزارة الآثار غير صحيح، وهي مجاملة من فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق للمثقفين، وقيمة المبنى المادية هائلة وأنهم أحق بالمبنى وليذهب المثقفون لأي مكان.
وقبل هذه الحادثة بأيام قليلة فوجئ أهالي الإسكندرية بمجزرة في محطة الرمل بالإسكندرية عندما قامت محافظة الإسكندرية بحملة لإزالة بائعي الكتب والصحف بمحطة الرمل ومحلات الفشار والآيس كريم، الذي يعتبره المواطنون تراثا وتاريخا للمدينة، وله تاريخ لدى كل مثقف في الإسكندرية وخارجها.
الغريب أن هناك نقطة شرطة تحتل المكان منذ سنوات قليلة ورغم منظرها السيئ والذي لا يمت للتخطيط أو للجمال بصلة، فإنه لم يتحرك أحد ضد هذا الشكل المسيء للمدينة ولشكل محطة الرمل، وعندما انتفضت المحافظة بحجة تطوير محطة الرمل قامت بهدم أماكن الصحف والكتب تاركة قسم الشرطة الذي بنى أسوارا وكتلا اسمنتية حوله حماية له مما زاد الأمر سوءا.
وتعجب عدد كبير من مثقفي الإسكندرية ومواطنيها من قيام محافظ الإسكندرية بمثل هذا الإجراء في الوقت الذي تعاني فيه الإسكندرية من مشاكل عديدة من انتشار القمامة ومشاكل الأمطار وعدم وجود صرف مثلما حدث في النوة الأخيرة، بينما اتجه ليزيل جزءا من تراث المدينة وثقافتها.
والتقط العديد من نشطاء الفيسبوك صورا للكتب وهي تلقى في الطريق وعلى الأرض في مشهد مأساوي صعب على كل مثقف، ولطريقة إزالة هذه الأكشاك التي يعتمد عليها كل مثقف في الحصول على الكتب والصحف يوميا.
وبغض النظر عن نوايا محافظة الإسكندرية وهل تريد التطوير أم تريد إخلاء المكان لفتح باب المزايدات وقفز بعض رؤوس الأموال على هذه المنطقة الاستراتيجية بالمدينة واحتلالها وعمل محلات أطعمة أو غيرها، بغض النظر عن هذا، فالطريقة التي تم بها الإخلاء خالية من الثقافة في الوقت الذي يظل فيه قسم الشرطة قابعا ومحتلا للمكان في مشهد مستفز لكل المثقفين الذين شاهدوا الكتب وهي تلقى على الأرض.
محطة الرمل ثم الأتيليه.. رغم اختلاف الوظيفة والموقع وطبيعة النشاط، فإنهما ارتبطا في رأيي بهجمة عنترية تحدث ضد الثقافة والمثقفين، تتم في هدوء ودون أية ضجة، في غيبة كاملة من الدولة التي تعاني هيئاتها الثقافية من ترهل وعجز ويكفي حال قصور الثقافة التي تعاني من قصور في كل شيء، ولولا وجود مكتبة الإسكندرية لهجر المثقفون المدينة دون رجعة.
——
ميدل ايست أونلاين