قلعة حلب.. وظائف دفاعية بلمسات جمالية


غيث خوري


تعد العمائر العربية الإسلامية في المجال العسكري، من أبرز أشكال العمارة التي أولاها المسلمون اهتمامهم الكبير، لرد غزوات الأعداء وهجماتهم المتكررة على المدن العربية، وقد انتشرت عمارة القلاع في العديد من الأقطار العربية مثل الشام ومصر والأندلس والجزيرة العربية، ومن أشهر تلك المعالم وأعظمها، تنتصب قلعة حلب شامخة في الشمال السوري.

القلعة هي الحصن الرئيسي لمدينة حلب القديمة وبالرغم من أن أقدم آثارها يرجع إلى معبد حيثي من القرن 10 ق.م، إلا أن القلعة بأسوارها وأبراجها ومبانيها ترجع للعصر الأيوبي والمملوكي وأكثرها يرجع إلى الظاهر غازي، وقد أجري عليها ترميمات في عهد كل من: قلاوون وقايتباي وقانصوه الغوري.
تعكس عمارة القلعة التطور الذي وصلت إليه فنون العمارة العسكرية، وذلك من خلال طريقة عمارتها، وأشكال أبراجها المربعة والمستطيلة والسداسية، والمدخل المتعرج والأعمدة العريضة في السور التي تجعل الجدار متماسكاً، بالإضافة إلى المسامير الحجرية، والكوات المتعددة لرشق السهام والأبواب الحديدية المصفحة والمعترضات الهندسية التي تؤلف عنصراً زخرفياً ذا طابع جمالي في المنشآت المدنية كالقصر الملكي، وقاعة العرش، وأعالي الأبواب.‏
وداخل القلعة يوجد مسجدان أقدمهما هو جامع إبراهيم الخليل الذي شيده نور الدين زنكي عام 1162، أما الجامع الكبير فقد بناه الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي عام 1210، ويحوي مئذنة مربعة ارتفاعها (20) متراً في القسم الشمالي من القلعة، وإلى الشرق من المسجد الكبير تقع ثكنة إبراهيم باشا التي شيدت من الحجارة المنتزعة من سفح التل.
في وسط القلعة يقع القصر الملكي الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثالث عشر الميلادي، بالإضافة إلى حمام كبير مؤلف من عشر غرف تمر فيها أنابيب المياه الحارة والباردة وهي مصنوعة من الفخار ويوجد أيضاً صهاريج لحفظ الماء وعدة آبار يبلغ عمق بعضها (60) متراً، وقد استخدمت هذه الآبار كسراديب خفية. كما يوجد داخل القلعة مجموعة من القاعات ذات استخدامات متعددة بعضها ذو طبيعة دفاعية كالتي تطل على المدخل الرئيسي وقاعة للعرش تعود إلى عهد المماليك (القرن الخامس عشر والسادس عشر)، والقاعة الكبرى الموجودة تحت مستوى القلعة يتم الوصول إليها بواسطة درج وقد سميت (حبس الدم)، كما يوجد قاعات أخرى كانت تستخدم كمستودعات.
والقلعة مبنية على هضبة طبيعية وركام مبان قديمة وهي ترتفع عن المدينة حوالي 33 متراً ويحيط بها خندق واسع يتراوح عرضه بين 26 و30 متراً وعمقه 22 متراً تقريباً والسفح المحيط بالقلعة تكسوه حجارة منحوتة لحماية القلعة أما أسوارها فتأخذ شكلاً بيضاوياً، يبلغ قطرها الأكبر 310 أمتار والأصغر 170 متراً.
وللقلعة مدخلان أمامي ويقع في مقدمة الخندق ويرجع إلى القرن الثالث عشر الميلادي، وهو عبارة عن برج مستطيل الشكل يبلغ ارتفاعه 20 متراً وبه فتحات لإلقاء السوائل الحارقة ورمي السهام، وكان يتصل بالقلعة عن طريق جسر خشبي متحرك يُرفع وقت الخطر. أما المدخل الخلفي الذي يقع أعلى السفح فهو عبارة عن برج ضخم أيضاً يرجع إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وفيه عدة أبواب تفتح على محاور متعامدة تعوق المهاجمين ويتصل من جانبيه بالسور، وفيه باب من الحديد المطروق يؤدي إلى ممر على جانبيه إيوانات لإقامة الجنود، ويلي ذلك باب أعلاه فتحة لإلقاء السوائل الحارقة وخلف الباب ممر ينعطف إلى اليمين نحو قاعة مستطيلة بها بئر عميقة تنتهي إلى سراديب تؤدي إلى خارج القلعة ويتصل المدخلان أو البرجان بجسر مائل تحمله ثمانية عقود عبر الخندق ويزين المدخل نحت على شكل ثعابين.
أما الباب الأخير ويسمى باب «الأسدين» فمصراعاه من الحديد المطروق وهو من صنع الظاهر غازي سنة 1209، وقد بنيت الأبراج والسور من الحجر الجيري الأبيض وقد اتخذت القلعة منذ العصر الفاطمي مقراً للحكام فأصبحت عبارة عن مدينة بها قصر ومسجد وصهاريج للمياه وسجون وحمامات وملاعب وحدائق، وداراً لسك العملة بحيث تستطيع الصمود أمام أي حصار.
——–
الخليج

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *