منة الله الأبيض
في نظرة تشريحية، يلقي الدكتور خالد زيادة، سفير لبنان بالقاهرة والمندوب الدائم لها في جامعة الدول العربية، الضوء على التحولات التي طرأت على العلاقة بين المشرق العربي وأوروبا في العقود الأخيرة، الأمر الذي نتج عنه، بحسب رؤية زيادة، تنامي دور التيارات الأصولية.
يأتي ذلك في كتاب “لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب”، الصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية.
يتناول الكتاب تاريخ هذه العلاقة الإشكالية بين العرب وأوروبا، ويستعيد الجوار الفريد في التاريخ والجغرافيا الذي وضع العالم العربي، وبالتالي الإسلامي، على تماس مباشر بأوروبا، مركزًا على الإشكالية التي نمت وتجذرت بين العرب من جهة وأوروبا والغرب من جهة، حتى بات أغلب الإنتاج الثقافي العربي تعبيرا عن هذه الإشكالية التي تحكم أوروبا والغرب.
يأتي الكتاب ضمن مشروع بحثي ضخم، يتناول إحدى المسائل المركزية التي يثيرها الوعي العربي المسلم على حد سواء، وهي العلاقة مع الغرب، تلك العلاقة المغرقة في القدم والتي هي حصيلة الجوار الفريد، وقد أصبحت مصدرا للقلق الذي طبع الأفكار منذ أن صارت أوروبا مركز الحداثة في العالم.
يقع الكتاب في ثمانية فصول تناولت موضوعات: “الجوار”، “التحديث”، النهضة”، “الإصلاحية الإسلامية”، “الثورة”، “الأيديولوجية”، “الدولة”، “الأصولية”، وخاتمة تتناول المراحل التاريخية للعلاقة وتفاعلها بدء من الجغرافيا مع أوروبا، وانتهاء بربيعنا العربي.
ويوضح زيادة أنه من جهة ثانية، فإن الثورات العربية التي قامت العام 2011، والتي لم يكن أحد ليتوقعها على النحو الذي جرت فيه، جاءت لتؤكد أنه لا أفكار كبرى تقود هذه الثورات، على غرار الثورات التي عرفها العرب منذ مطلع القرن العشرين، والتي حركتها أفكار الحرية والوطنية والاستقلال، كالثورة العربية العام 1916، والثورة المصرية العام 1919، والثورة الجزائرية في خمسينات القرن الماضي.
وغياب الأفكار الكبرى، بحسب رأي الكاتب، يفسر جانباً مهماً من جوانب التعثر الذي شهدته الثورات العربية، فلم يكن شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” كافيًا. سقطت أنظمة من دون القدرة على صياغة إجماع حول النظام البديل.
الدكتور خالد زيادة، من مواليد مدينة طرابلس بلبنان عام 1952، حصل على إجازة الفلسفة من الجامعة اللبنانية سنة 1977، والدكتوراة من جامعة السوربون الثالثة، باريس 1980. وهو أستاذ جامعي وباحث تاريخي مرموق له العديد من المؤلفات في التاريخ الاجتماعي والثقافي؛ منها: “الكاتب والسلطان ـ من الفقيه إلى المثقف”، و”الخسيس والنفيس ـ الرقابة والفساد في المدينة الإسلامية”.
——
بوابة الأهرام