*سعدي عباس العبد
( ثقافات )
• إذا كان الموت ينتظرني , في الغرف المظلمة .. او في البرّية ..او عند الاقاصي .. او في قاع النهر ..او حتى في الشوارع المزدحمة .. فلماذا اقف مشلولة . إذا كان يتحتم عليَّ انّ اموت كأي زانية , او مغتصبة .. فلماذا ابقى انظر كنعجة بلهاء إلى الأنصال المدماة التي مرّت على رقاب نساء زانيات , مغتصبات , سبقنّي إلى ذات المصير ..
• كان الظلام الناضح بردا وعطونة قد ازداد قتامة , لما تصاعد في فضاء الحجرة صوت فاتر ..لم تمرّ غير برهة من ظلام عندما اندلق نور بدّد الظلام المرين . نور عرى ملامح الوجوه . ذات الوجوه المتخفّية بلثامات او خرق سود , ذات الوجوه التي اقتادتني من امام مبنى الجامعة .. كانت الريح تعوي في الخارج المكتظ بنباح كلاب , نباح يأتي من بعيد محمول على امواج الريح . الريح التي اطاحت بظلفة النافذة وازاحت العوارض وازاحتني يد ثقيلة امتدت في الريح والظلام . امتدت ترفع طرف ثوبي وتتحسس صدري وذلك الشيء بين فخذيّ الخافق بالخوف , كانت الريح تأتي لاذعة عبر النافذة فتلتحم بفحيح وانفاس الرجل الثقيلة وحالما تدفق الدم , اشتد نباح الكلاب فخمد الفحيح , فتلاشت الرائحة الذكورية في هبوب الريح , ولكنها لن تتلاشى عن ذاكرتي , فما زالت تتصاعد عنيفة صادمة مفعمة برائحة الدم المتدفق من ذلك الشيء , بين فخذيّ ,.. والعرق المتصبّب على ثدييّ المدّميتين .. كان الوقت نهارا , لما اختطفونا , والشمس ميّتة والهواء خفيفا باردا يحمل من بعيد رائحة خشب يحترق ..صرخت فلم يسمعني احد , اطلقت صراخا طويلا متصلا ولكن دون جدوى . كما لو انّ الشوارع كانت مقفرة .. فيما كانت يد ثقيلة تضغط على شفتيّ , لها رائحة الصدىء ! وكلما يزداد الضغط تزداد رائحة الصدىء ! تنفذ عميقا في روحي وذاكرتي وانفاسي , تاركة اثرا مخيفا يجوس في الهواء , وفي ذلك الصوت المريع المتصاعد من حلوق تنضح رائحة حديد !! , فخيّل ليّ إني انحدر إلى هوة داكنة ازدادت ظلاما حالما قذفوني لفضاء السيارة , فارتطمت بشيء بارد ليّن فغاصت يدي في المقعد الرخو , فتحسست لزوجة علقت باصابعي . لزوجة تفاقمت رائحتها في الحجرة التي اغتصبوني فيها الرجال الملثّمون . اغتصبوني بالتعاقب وسط رائحة ذكورية نفّاذة ..
• في صباح اليوم التالي وجدتني واقفة , وحيدة , تحف بي رياح عزلة عاصفة , كان وجهي باتجاه الريح , باتجاه اشرعة صباح مخيف , صباح ينوء باثقال نداء مهوّل , نداء يتدفق من بدني , يتدفق من هناك , من اقصى طفولتي , .. قذفوني وسط الصباح والمدينة والعزلة والغربة وغادروا بلثاماتهم ورائحتهم الصدئة وآ ثامهم ومسدّساتهم . وبذلك الرعب الذي تركوه ينمو وسط الشرخ المدمى في روحي واحشائي , وبذلك الخوف المتناسل في ذاكرتي .. جعلت ارى إلى البعيد .. فلاحت لعينيّ خليقة او اشباح او بقايا خليقة ! , تتقاطع في حراكها ..لاحت ليّ من بعيد ايادي تلوّح في الصباح , تومىء في المدى البعيد , ايادّي طويلة مشوّهة باصابع مدبّبة تشبه الانصال الرهيفة كأنها تومأ ليّ .. وعبر ذاكرتي المكتظة بالاشباح والصدىء , لاح رهط مشوّه من الملثّمين ومن المدى النائي هبّت رائحة حديد ودم وصدىء .. رائحة تدفقت من ذكرى ليلة البارحة , ومن نور هذا الصباح , ومن الخليقة والفضاء والشوارع ومن الاشجار الشاخصة هناك .. [ لم تبحث في ذهنها المزدحم بالخوف والاشباح , عن مأوى , .. فقد شعرت بنداء يأتي اليها عبر مديات بعيدة , مديات باتت كالحلم , فقد هجست بنداء اختها يتدفق من ذاكرتها . يتدفق من تلك الطفولة الغائمة , نداء يأتيها قوّيا , يخترق حجب الرعب والظلام , وينفذ لروحها ..
• عند بيت اختها شعرت , شعرت بلغط غامض يتصاعد في الخفاء اشبه ما يكون بتلك الانصال الملثّمة .. لغط يحفر في الذاكرة والروح وفي ملامح الوجه , وجهها ,الذي يطل عليها شاحبا مخيفا عبر المرآة وفي العينين اللتين خبا بريقهما وباتتا مثل ثقبين رمادّيين ] لما تناهى لاسماعي ذلك اللغط المخيف وهو يتصاعد في الغرف المغلقة , امتدت يدي عبر ظلام اللغط والفضيحة , الى الدولاب بحثا عن ثيابي ,امتدت وسط عاصفة من رائحة صدىء ذكوري جعلت تتنامى وتتناسل في تصاعد واشتداد مرعب عبر ذاكرتي .. فخيّل ليّ … عشرات الانصال الرهيفه تنشطر وتتشظى الى مئات الحافات الحادة المتلامعه .. انصال تومض في بريق لاهث هناك عند فضاء الغرفة , غرفتي البعيدة . فخلّتني وسط بريق الانصال اهيء نفسي للذبح , هناك في غرفتي وذكرياتي واحلامي . فتراءى ليّ رأسي وهو يتدحرج بشعره الطويل المفعم برائحة الظلام والدم والاحلام الميّتة .. شرعت المّلم شتات افكاري وخوفي وثيابي . ومالبثت انّ هبطت الدرج مسرعة وذهبت باتجاه الريح , كان النهار في اوّله عندما سلكت الجادة المفضية الى كراج العاصمة . وجدتني ادرج في زحام ارهاط ومواكب من الخليقة , خليقة صاعدة إلى مسارات غامضة , وقفت وسط الزحام ارنو إلى نهايات الافق البعيد , حيث اللاجدوى واليأس والصدىء , الصدىء المنبعث من رائحة ذكورية لم تزل تتصاعد عنيفة نفّاذة صادمة .. لا ادري كيف قادتني قدماي إلى النهر وقفت فوق كتفه المعشوشب بمحاذاة شارع طويل , مقفر [ فطنت إلى الفراغ المخيف الذي يحف بها , الفراغ المفعم برطوبة الهواء والنهر ورائحة الاشجار . ارتقت مرتفعا مكسوا باخضرار داكن , فلاحت صفحة النهر البعيدة , تلتمع في نور النهار .. جعلت تتحسس بطنها , فاجفلتها تلك الذكرى العابقة برائحة الذكورة والصدىء .. قبل حلول طلائع المساء قادها الشارع الطويل إلى نهايات غامضة .