سماح عبد السلام
يؤمن الفنان التشكيلي المصري محمد عبلة بمقولة المثقف العضوي، فيؤكد دوماً ضرورة التحام المبدع برجل الشارع. من هنا، رسخ في أعماله لمفهوم توظيف الفن في خدمة المجتمع لامساً به هموم الشارع والبسطاء والمهمشين، الذين أضحوا أبطالاً حقيقيين في جميع معارضه. من ناحية أخرى، يضع «عبلة» نفسه في مغامرات فنية جديدة في إطار السعي إلى التجريب كأحد أهم عوامل تطوير نجاح تجربة أي مبدع. في هذا الإطار جاء معرضه الحالي بغاليري مشربية “حكايات ريم”
ما الذي أردت تقديمه للمتلقي من خلال معرضك الحالي «حكايات ريم»؟
«حكايات ريم» محاولة لإظهار أن الفن لغة، واللغة يمكن أن تكون متابعة للفنان في حوارات عدة. لأول مرة قررت أحكي حكايات من خلال الصور ورغم أني لا أعرف تفاصيل الحكاية، ولكني أقول إن الحكاية تبدأ ثم تتوالد من ذاتها. المعرض إذا مجموعة من الحكايات المترابطة التي لها علاقة بحكايات موجودة وحكايات ستوجد لاحقاً.
يدخل هذا المعرض العالم ويعيش. تدفعنا هذه الصور للتفكير واستدعاء الذكريات وفي الوقت نفسه أصبحت عالما بمفرده، وحتى يقترب الفنان من عالم الحكايات عليه أن يقدم أبسط أداء ممكن، وهو ما حاولت فعله بقدر الإمكان، من خلال مجموعة حكايات متتالية أتمنى أن تصل إلى المتلقي بطريقة بسيطة ويتفاعل معها.
لماذا اخترت أن يكون البسطاء أبطالاً كتيمة أساسية بأعمالك؟
أحب البشر جداً. أعمل دائماً على الناس والنيل والقاهرة، هم العناصر المهمة في عملي، الناس بحالاتهم كافة يشكلون عالمي. كذلك تؤدي القاهرة دوراً كبيراً في حياتي حيث رسمتها في عدد كبير من معارض، أتعاطف مع الناس الذين يشبهونني وأعتبرهم أبطالي الحقيقيين.
لأنك أحد رواد اللوحة، فإلى أي مدى ترى صمودها مع التمثال أمام الوسائط الجديدة؟
التمثال واللوحة سيصمدان طوال الوقت، لأن الوسائط الجديدة غالباً ما تكون ممولة، وإذا باع الفنان الفيديو فسيبيع نسخاً عدة فقط، في حين تمثل اللوحة والتمثال القيمة المادية القابلة للتداول ومن ثم لن تنتهي، كذلك الفيديو مهم لأن الفن بمثابة الجسم الكبير الذي يحتاج إلى طرق عدة للتعبير عنه.
هل تنتمي لمدرسة فنية أو اتجاه تعبيري معين؟
لا أنتمى إلى أية مدرسة أو اتجاه تعبيري، أذكر أن الفنان {بيكار} عندما كان يطالع أعمالي وقد احتار في تصنيفها إلى أن أطلق عليّ رائد المدرسة الانفعالية، حيث رأى أنني أسير وراء انفعالاتي الخاصة، أحياناً أرسم أعمالاً مركبة أو تشخيصية أو تجريدية. كذلك لا أحب الانتماء إلى أي اتجاه لأن أغلى شيء أمتلكه هو حريتي، ولا أفضل أن يعرف المتلقي أعمالي بمجرد رؤيتها من بعيد، ولكن أريد أن يتأملها إلى أن يقرأ توقيعي، أرفض وضع نفسي في إطار أو قالب معين.
أنشأت أول متحف للكاريكاتير في الشرق الأوسط، فكيف جاءت فكرته؟
كنت أتمنى أن أرسم الكاريكاتير منذ الصغر. ارتبطت بعلاقة صداقة مع الفنان زهدي العدوي والذي احتواني وكان أحد أحلامه أن يكون لدينا متحف الكاريكاتير، وعندما توافر لي المال قررت أنشاء المتحف وضميت إليه مجموعة الكاريكاتير التي أجمعها منذ عشرين عاماً. حافظت على تراث الكاريكاتير تحية لزهدي العدوي الفنان المخلص لهذا المجال، وكل عام في منتصف يناير نقوم بعمل افتتاح جديد للمتحف حيث نضيف له أعمالاً ويُدعى فنانون للمشاركة بالاحتفاء، وقد اخترت له مدينة الفيوم كي نبعد عن مركزية القاهرة، ويضم المتحف أعمالاً من 1930 وحتى الآن، منها أعمال للفنانين الأجانب والذين عاشوا في مصر مثل صاروخان ورفقي حتى رخا وطوغان وحجازي وجمعة وعفت وعمرو سليم ومخلوف وغيرهم. كذلك خصصت غرفة لبهجوري، ونصف غرفة لمصطفى حسين وستصبح غرفة قريباً.
تتعامل مع الفنانين الشباب بصورة كبيرة، فما جدوى ذلك التعاون بين جيلين؟
ما كنت أتمنى أن يحدث معي أحاول تنفيذه مع الشباب. كنت أرفض أن يكون لدي تلاميذ شبهي أو يقلدونني. فكرة التواصل مهمة للطرفين، أستفيد من أفكارهم وطاقتهم المتجددة كما أشعر باحتياجهم إلى طرق الاحتواء. أحاول دعم الشباب بطرق عدة، وعندما أنشأت مركز الفيوم للفنون كان بهذا المنطق بحيث يكون مكاناً يتجمع فيه الفنانون الشباب من أنحاء العالم ويستفيدون من خبرات بعض. أحب رؤية معارض الشباب ومعرفة ما يقدمونه لأنهم الأمل، لديهم القدرة لرؤية ما يحدث في العالم. أريد أن أطمئن على مصر من خلالهم.
قررت تقديم جائزة سنوية في مجال التصوير لفنان شباب، فما الذي دفعك لذلك، ولماذا اقتصرت على مجال واحد؟
خصصت جائزة لفنان شاب تحت سن الـ30، لأن هذه السن بحاجة إلى دفعة قوية يمكن أن تؤثر في المستقبل، لأني في مثل هذا العمر كنت أتمنى أن يكون لدي مرسم وشقة أو أن أسافر لرؤية المتاحف، إلخ، هذا مبلغ مهم يمكن أن يعتبره الفنان وسيلة للتغيير من حياته. أعمل ما افتقدته. كنت أتمنى أن تكون لدينا جائزة خلال سنوات شبابي تكون مفيدة لحل مشكلة لي. كذلك اخترت فرع التصوير لأنه أكثر مجال أحبه، فضلاً عن حاجتنا إلى دعم التصوير لأن الفيديو يجد دفعاً خارجياً كبيراً.
عندما يتقدم العمر بالمبدع، هل يعتمد على تجربة وخبرات السنين أم يطور نفسه؟
بالنسبة إلي، أتمنى أن أكون من النوع الثاني، لأني دائماً أضع نفسي في مغامرات ولم أستثمر نجاحاً سابقاً. في السنوات الماضية، قدمت مجموعة معارض كان بإمكاني استثمار كل معرض منها مثل {العائلة} أو {كلام جرايد}، {الليل في القاهرة} وحتى {الشوارع والزحام}. لكني أطور نفسي للدخول في تجربة جديدة.
دورك بارز في توظيف الفن لخدمة المجتمع من خلال تجارب عدة. أخبرنا عنه؟
طوال عمري مقتنع بأن للفن دوراً كبيراً في المجتمع ولا يجوز أن يعيش الفنان في برج عاجي. لا بد من أن يكون له دور محسوس ومؤثر لذا أحاول النزول بالفن إلى الشارع وعمل مشاريع لها علاقة بالناس. قدمت مشاريع التجميل في مناطق عدة في مصر مثل كوم غراب، أتيلية الشارع والفن ميدان. ثمة الكثير من الأعمال قوامها أن يكون الفن متواجداً بين الناس غير منفصل عنهم.
كيف ترى المشهد التشكيلي العربي عموماً والمصري خصوصاً في الفترة الراهنة؟
في المشهد أمور إيجابية عدة حيث ازداد عدد الفنانين، نجد شباباً يعملون بجدية تامة، وتعددت فرص العرض داخل مصر وخارجها وتوافرت مساحة للشباب لتسويق أعمالهم وإنتاج المزيد، لأن تسويق الأعمال أهم أمر يساهم في استمرارية الفنان، فيما يكمن الجانب السلبي الوحيد في تكون جُزر منعزلة، حيث نجد لكل غاليري فنانيه، ولحل هذه الإشكالية لا بد من أن يحدث مجهود من الفنانين الكبار كي يجتمعوا ويتحاوروا، وهي فرصة من الممكن أن تقوم بها المؤسسة الرسمية عبر المعارض الجماعية، بحيث تتحقق محاولة لبناء كيان فني كبير، لكن الطريقة التي تدار بها المعارض تشبه {السويقة}، بالنسبة إلى المشهد التشكيلي العربي فقد اختلف في العشر سنوات الآخيرة حيث ازدهرت الحركة التشكيلية في السعودية والكويت والإمارات وسورية ولبنان وبدأوا في هذا المجال منذ زمن. حدثت في الخليج طفرة كبيرة، حيث نجد آرت دبي وبينالي الشارقة والمزادات التي أنعشت الحركة التشكيلية. أصبحت دبي مركزاً عالمياً للفن التشكيلي. عند التعامل مع الفن بطريقة اقتصادية ويتم توظيفه بطريقة صحيحة يحدث إنعاش وهو ما ندعو إليه دائماً..
—-
الجريدة