*يوسف ضمرة
في عام 1989 كتب فوكوياما (منظّر المحافظين الجدد في أميركا) مقالاً بعنوان «نهاية التاريخ»، سرعان ما حاز شهرة عالمية على جرأته في طرح فكرة غريبة، مفادها أن الإنسان وصل إلى أرقى أشكال التطور، عن طريق الليبرالية الديمقراطية. وقد شجعته شهرة المقال على توسيع الكتابة، فتحول المقال كتاباً حاز شهرة واسعة.
في هذه المرحلة ظهر كتاب آخر بعنوان «صراع الحضارات» لمؤلفه «هنتنغتون»، يؤكد فيه أن الصراعات البشرية المقبلة ستكون بين حضارات فكرية وثقافية ودينية، وكان الإسلام والكونفوشيوسية أبرز الحضارات المرشحة للتصادم مع الغرب.
هذان الكتابان ظهرا إثر انهيار الاتحاد السوفييتي، وفشل النظرية الاشتراكية كمنهاج حياتي قادر على نقل البشر من مرحلة إلى أعلى. ومن الطبيعي أن يؤكد الكاتبان المحافظان أن انهيار الاتحاد السوفييتي يعني قوة الليبرالية الديمقراطية وانتصارها، بما تمنحه من حقوق للأشخاص ومن حريات فردية على مستوى الحياة كلها.
بالنسبة لفوكوياما، فقد تناسى حركة التاريخ، حتى في التسمية، حين كتب «نهاية التاريخ»، فالتاريخ لا ينتهي على صورة ما، إلا في مناخ ديني أو أسطوري، بحيث تصل البشرية إلى مرحلة معينة من الابتكار والاختراع والفسق والفن، وما إلى ذلك، ولا تجد شيئاً بعدها، فتنتحر، أو يقرر الله سبحانه وتعالى نهاية البشرية، ومحاسبة الناس على أخطائهم.
والخلط بين الفكري والتاريخي والديني والأسطوري لا يستقيم في قراءة فلسفية معمقة للتاريخ. كما أنه يحدد سقفاً للخيال البشري وللمقدرة الفكرية لدى الإنسان. وهو أمر منافٍ للتطور الذي شهدته البشرية منذ طفولتها إلى اليوم. فلربما ظن إنسان عصر ما ـ وهذا حتمي ـ أن البشرية وصلت أعلى مراتب الفكر والتفكير والإبداع الذي عاشه ورآه.
في هذه الأثناء، طرحت رابطة الكتاب الأردنيين في السنة الفائتة مشروعها «طريق الحرير»، فتبناه الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ثم تبناه اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا. وقد أصدرت الرابطة كتيباً صغيراً يحتوي على أهداف المشروع، التي تتلخص في البرهنة على حوار الحضارات والثقافات في مواجهة صراع الحضارات. وقد تضمن الكتيب ملخصاً لنشأة طريق الحرير، وللتلاقح الثقافي الذي نشأ عبر هذا الطريق وبسببه، وسهولة انتقال الأفكار والإبداع الإنساني عبر هذا الطريق. وهو الطريق نفسه الذي سهل وصول الإسلام بأفكاره الإنسانية المتسامحة الحريصة على التعايش السلمي بين أبناء البشر، إلى الهند والصين ومناطق وسط آسيا، وصولاً إلى حوض المتوسط شمالاً وجنوباً. وهي بمعنى آخر طريق الحرير بتفرعاته الصيفية والشتائية والبرية والبحرية.
طريق الحرير مشروع يحتاج دعماً كبيراً ليتحول إلى مراكز دراسية وبحثية ورحلات دائمة، فهل يكون هذا الطريق مشروعاً ثقافياً، حضارياً وسلمياً، في مواجهة أفكار التطرف؟
_______
*المصدر: الإمارات اليوم