هل يكون الاستغراب طريق الشرقيين لفهم الغرب ؟


حواس محمود


يسلط كتاب “الاستغراب: المنهج في فهمنا للغرب” لعلي إبراهيم النملة والصادر عن المجلة العربية 2015، الضوء – بصورة مكثفة- على الأفكار التي انطلق منها كتاب أحمد الشيخ الأول “من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب”، والثاني “من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب”، كتابان امتازا بتنوع الرؤى والأفكار حول الموقف العربي والغربي من الدعوة إلى قيام علم الاستغراب.
ويرى المؤلف أن التشاحن السائد الآن في القطبين الشرق والغرب له أسبابه، وبعض هذه الأسباب مفتعلة، فرضتها السياسة التي تقوم على مبدأ “الهيمنة الاحتلالية” والرغبة في التبعية السياسية من الشرقيين للغرب، في كل صور التبعية السياسية والاقتصادية وغيرهما، تبعية لم تسلم منها حتى الثقافة، رغم رفع شعار “الاستثناء الثقافي”، أو مصطلح الحدود بين الثقافات، وليست القطيعة الثقافية التامة، التي ربما يدعو إليها من طغى عندهم الحماس الانتمائي بروح دفاعية متوجسة من أن تدنس الثقافات الأخرى ثقافتنا النقية الخالصة، دون إغفال التماس الحكمة أينما كانت.
وفي ضوء الاهتمام بالاستشراق، من حيث الانبهار به أو التصدي له أو محاولات الالتفاف عليه، ظهرت فكرة قيام حركة مواجهة تعنى بالغرب ثقافة وفكرا وآدابا وعادات وتقاليد، مما حدا ببعض المفكرين العرب المعاصرين إلى أن يدعوا إلى قيام علم الاستغراب، إذ انبرى حسن حنفي ( 1935) ونشر كتابا ضخما بعنوان “مقدمة في علم الاستغراب”، ليأتي هذا العلم مواجها للاستشراق الغربي، الذي رأى أنه امتد أثره ليس فقط إلى الحياة الثقافية وتصوراتها للعالم وهدد استقلالنا الحضاري، بل امتد كذلك إلى أساليب الحياة اليومية ونقاء اللغة ومظاهر الحياة العامة وفن العمارة.
لقد نبعت الدعوة إلى وجود مثل هذا العلم من الشعور بأن الساحة العربية العلمية والثقافية تكاد تخلو من معرفة ثقافات الأمم الأخرى نتيجة التقصير في تتبع النتاج الفكري العربي الإسلامي، الذي لم يخل في زمن من أزمان ازدهاره من الحوار العلمي الثقافي مع الآخرين، لكن ذلك لم يسمّ علما أو استغرابا أو نحو ذلك، ولكنه أخذ طابع الردود على الآخرين، وتبيان الحق في الديانات الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلام.
ويشير علي إبراهيم النملة إلى أن مصطلح “الاستغراب” لم ينل العناية التي يستحقها، وظل جانب معرفة الأمم الأخرى قاصرا، متوقفا عند جمع من المثقفين الذين يرغبون في توسيع آفاقهم، وفتح مجالات للحوار بين الثقافات، مما أدّى عند بعضهم إلى أن ينقلب السحر عندهم على الساحر، فيسمون سفراء للثقافة الغربية، ممتهنين للتسويق لها في المحافل الفكرية، بدلا من أن يكونوا خبراء فيها يبينون ما فيها من حق وما فيها من خلاف ذلك، فأطلق على هذه الفئة مصطلح التغريبيين، والمفهوم الذي تتولاه هذه الفئة يدعى “التغريب” وليس الاستغراب أو الغربلوجيا، وهي المندرجة في إطار التعامل مع الآخر بالمنطلق نفسه الذي تعامل به معظم المستشرقين والغربيين عموما مع المسلمين وعلوم المسلمين وثقافتهم وعاداتهم وآدابهم، ذلك أن عقيدة المسلمين نفسها ومنهجهم في النظر إلى الأمور تمنع من ذلك ولا تبيحه، “بينما نحن مطالبون بالعدل مع الآخرين، حتى أولئك الذين بيننا وبينهم عداوة أو شنآن”.
ويؤكد المؤلف على أنه لا ينظر إلى الاستغراب باعتباره فكرا معاديا للغرب، وليس فكرا معاديا لثقافة أيا كان مصدرها، كما أنه لا ينظر إلى الاستغراب للغرب على أنه عدوّ الحضارة العربية والإسلامية، وليس في الأمر تصفية حسابات تطغى عليها العاطفة والنزعة الانتقامية -كما تؤكد بعض الطروحات- ولا هو مضادّ للاسشراق كذلك.
لا ينكر الاستغراب حالة التوتر بين الشرق والغرب، ولا يتجاهل ما تعرض له الشرق تاريخيا من الغرب منذ أيام الحملات الصليبية وما قبلها وما بعدها، ومع عدم هذا التجاهل، لا يعين الاستغراب في الاستمرار في صناعة الكراهية بين الثقافات، وتوسيع الفجوة بينها.
——-
العرب

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *