أمين خيرالله
نفدت الطبعة الأولى من رواية «أن تحبك جيهان» للروائي مكاوي سعيد، بعد خمسة أسابيع من طرحها في المكتبات.
في حواره مع «الجريدة»، أكد سعيد أنه اختار عام 2010 كي تدور أحداث الرواية خلاله لأن هذه الفترة لم يتم التطرق إليها أدبياً، خصوصاً أنها سبقت ثورة يناير في مصر مباشرة، مؤكداً أنه يراهن على القارئ المحب لكتاباته، ولا يقتنع بأقاويل تدعي أننا في زمن لا يحتمل قراءة روايات من الحجم الكبير، معتبراً أن من يقول مثل هذا الكلام من ذوي الإمكانات الأدبية المحدودة.
رصدت في رواية «أن تحبك جيهان» عورات المجتمع المصري من خلال سيدتين هما جيهان وريم، وظهر المجتمع من خلالهما مفككا ومهترأ، ويعاني كل أفراده العزلة.. لماذا؟
الرواية بصفة عامة تتحدث عن انهيار الطبقة الوسطى في المجتمع المصري أو تفتتها في نهايات عصر مبارك من خلال كل شخوصها وليس ريم وجيهان فقط، فريم سليلة الأرستقراطية المصرية بعد القبض على والدها بتهمة الفساد تراجعت إلى الطبقة الوسطى، وجيهان من أسرة من القضاة، وهي طبقة في أعلى الشريحة الوسطى، وكذلك عماد صدقي ضابط البوليس الذي من أسرة متيسرة وأحمد الضوي بطل الرواية الأساسي من بيئة دنيا من الطبقة الوسطى، لكن عمله كمهندس وتأسيسه شركة مقاولات ارتفع قليلاً إلى حافة الطبقة الوسطى، فكل هؤلاء الأبطال المستريحين مادياً تأثروا عن طريق غير مباشر بتردي الأحوال السياسية في الفترة التي تتناولها الرواية، لكن السياسة تبدو هامشاً يتحرك من خلاله هؤلاء الأبطال من دون أن يدروا مصائرهم.
ماذا أردت أن تقول بإيقاعك بطل الرواية أحمد الضوي في حيرة شديدة بعدما استغرق في علاقتين متضادتين إحداهما جنسية مع ريم، وأخرى عاطفية ناقصة مع جيهان؟
الحياة قائمة أساساً على التناقض، وكلما كان التناقض حاداً كان مربكاً، وأحمد الضوي وجد نفسه وسط هذا التناقض، بين ما يصبو إليه من علاقة حب رومانسية تمثلها له جيهان وبين تتبع خطى والده في علاقاته الجنسية بالاكتفاء بالعلاقة الجسدية مع ريم المتوترة إلى حد الخلل النفسي، ولأنه بطبيعته شخص عادي يخشى الصراعات والتورط مع السياسة التي قضت على خاله الذي يحبه، ويجد نفسه في هذا الأتون المرعب بين المتع الحسية مع ريم ومحاولات التقرب إلى جيهان التي يحيط بها مثقفون وأشخاص لهم ميول سياسية.
تدور «أن تحبك جيهان» في العام 2010… هل كنت تقصد رصد الأسباب والتغيرات المجتمعية التي دعت المواطنين للخروج ضد الحاكم في 2011؟
لم يتطرق كثيرون إلى هذه فترة سواء من أحبوا ثورة 25 يناير أو من كرهوها، وقد اخترتها بالقصد، لأنها فترة مهمة جداً في تاريخ مصر الحديثة، ولها أهمية مستقبلية، خصوصاً وسط الصراع الدائر بين الطرف المعادي للثورة الذي يحاول جاهداً إلغاءها. ورغم أن أبطال روايتي بمعظمهم غير مسيسين، فإن الأحداث التي تدور حولهم في العام السابق للثورة تشي بأن ثمة حدثاً مهماً على وشك الحدوث، لكنهم كانوا عنه غافلين كغالبية الشعب المصري والعرب، لذا اتحدت رغبتي في كشف انهيار الطبقة الوسطى مع التوثيق البسيط لثورة مهمة، بغرض أن تظل الثورة متأججة حتى لو انكسرت في بعض السنوات.
جاءت روايتك في 700 صفحة. يرى البعض أن هذا العدد الكبير من الصفحات قد يسبب الملل للقارئ والبعض الآخر يراها سبباً في الجذب. ما رأيك؟
هذا رهان على الكتابة وعلى حب القراء لكتابتك مهما بلغ حجمها، وقد صح رهاني، فدار النشر كي تقلل تكلفتها حتى يقل سعرها طبعت ضعف ما تطبعه من الطبعات الأولى، والاستقبال الحافل للرواية، وأن تنتهي الطبعة الأولى في خمسة أسابيع دليل على أن القارئ لم يشعر بالملل، والعبرة في الكتابة بالتشويق وبأن تقدم كل جديد في التناول ولا تغفل المعلومات وفي الوقت ذاته لا تثقل بها الأعمال وهذا ما حرصت عليه. وليست العبرة بالحجم القليل أو الكثير، فثمة روايات عدد صفحاتها لا يتعدى الـمئة صفحة ولا تستطيع تكملة قراءة 30 صفحة منها، والأقاويل التي تدعي أننا في زمن لا يحتمل قراءة روايات من الحجم الكبير أقاويل مغلوطة يستشهد بها ذوات الإمكانات الأدبية المحدودة، والدليل أن القصص القصيرة والنوفيلات لا يقبل عليها القارئ العربي بقدر إقباله على الروايات التي تحقق له المتعة والإشباع.
تمنيت في أحد حواراتك التلفزيونية تحويل «أن تحبك جيهان» إلى فيلم سينمائي. هل ترى أن تحويل الروايات إلى أعمال درامية يعود بالنفع على العمل الأدبي؟
طبعاً، لأن معظم أبناء وطننا العربي أميون ثقافياً. على الأقل، ومن خلال الميديا سواء التلفزيون أو السينما، ستصل روايتك إلى آفاق أرحب وستزيد أيضاً من رقعة قراءتها، هذا بالإضافة إلى حلم المبدع برؤية الشخصيات التي صنعها تتحرك أمامه على الشاشة، ويعقد المقارنات بين الصورة التي تمثل فيها الشخصية والصورة التي قدمها المخرج وأداها الممثل.
معظم أبطال رواياتك أشخاص مستهترون مثل شخصيات «فئران السفينة» وأبطال «تغريدة البجعة» والأمر نفسه في «أن تحبك جيهان»… لماذا؟
ما معنى كلمة مستهتر، هل المطحونون وسط دنيا يسودها القوي والغني تطلق عليه الصفة {مستهتر}؟ أبطالي مهمشون يحاولون الصعود ويكافحون في سبيل ذلك، وهذا ما يراه القارئ والناقد للعمل.
رغم التخوين والإساءات التي طاولت 25 يناير، هل ما زال ثمة ما يمكن كتابته عن هذه الثورة؟
ثمة الكثير دائماً، فللثورة أبطال مجهولون لم يتكلموا بعد، وقد احتجبوا عن المشهد بعد أن ركب الثورة المدعون، وأعتقد أنهم ينتظرون أن تحين اللحظة المناسبة للبوح وهي أقرب ما تكون.
هل ترى أن قلة الترجمة للغات الأخرى ساهم في عدم وصول المبدع المصري والعربي للعالم الخارجى بسهولة؟
رغم أن أعمالي نالت حقها من الترجمة، فإن هذا السؤال لا يشغلني. أكتب باللغة العربية للقارئ العربي ابن بيئتي، وأخوض في مشاكله، وأشاركه أحلامه، ولا أهتم بأن يجهلني القارئ الغربي أو يعرفني أو يشيد بي الإعلام الغربي لموقف ما يتفق مع هواهم أو يكرهونني لمواقف مناهضة لهم. أكتب، وأنال جائزتي كل يوم من قراء يستوقفونني ويصافحونني ويشكرونني.
هل فشل الأدباء العرب في إيصال كتاباتهم إلى العالمية وتداولها في الخارج؟
يسأل عن ذلك الكاتب العربي المهتم بالعالمية. أهتم بأن يعرفني جيراني وأبناء شارعي، ثم بلدي وعالمي العربي، وهذا يكفي جداً.
هل استفاد الأدباء العرب من الثورات العربية أم أنها قوضت إبداعاتهم بسبب حالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلدان العربية حالياً؟
أعتقد أنها عطلت أعمالهم، لأننا بتنا نعيش في عالم مضطرب و{ربنا يستر} على وطننا العربي الذي ولدنا على أغانيه التي كانت تصفه بالكبير وهرمنا ونحن نقلق على كل شبر فيه.
——-
الجريدة الكويتية