محمد أبو عرب
يقدم الكاتب محمد شعبان في كتابه الصادر عن مشروع «أي كتاب» «الحروب من أجل المقدسات»، ملخصاً شاملاً لتاريخ الحروب التي شنها الأوروبيون على الهنود الحمر وهدمت كيانهم لتتشكل ما يعرف اليوم بأمريكا، فاتحاً بذلك الباب على مفهوم الحرب المقدسة ومقدماً مقاربة واسعة لمختلف الحروب التي جاءت بدوافع دينية خصوصاً الاحتلال «الإسرائيلي» لفلسطين.
ويقدم شعبان مؤلفه الصادر في 532 صفحة من القطع المتوسط، في سلسلة من الحكايات التي تروي تفاصيل الاحتلال السياسي والجغرافي والثقافي لأرض الهنود الحمر، سارداً ذلك في حكاية تاريخية موثقة كثيفة تجمع مختلف الصور التي تناولت ذلك الاحتلال.
ولا يختار الكاتب فصولاً تتمحور حول المفاصل التاريخية، وإنما يلجأ إلى السرد الأدبي في العناوين وفي توثيق تاريخ الهنود الحمر، فتأتي عناوين الكتاب على شاكلة: «الغيمة الحمرا يصد غزاة نهر البارود»، و«الثور الجالس بطل المقاومة الهندية للاستعمار الأمريكي الشمالي»، و«مواجهة الأخطار المحدقة بالتلال السوداء»، وغيرها من العناوين.
ويحرص الكاتب في مؤلفه على الصورة المقابلة للهنود الحمر التي يمثلها الشعب الفلسطيني، إذ يبدأ في أطروحته تلك تحت عنوان: «من أمريكا «الإسرائيلية» إلى فلسطين الهنود الحمر».
يقول شعبان في تمهيده للكتاب: «قبل الدخول في الموضوع الرئيسي تحسن الإشارة إلى أن كثيراً من الدراسات تفيد بوجود علاقة وثيقة بين الجرائم الأمريكية ضد الهنود الحمر والجرائم الاستعمارية والصهيونية في المشرق العربي الإسلامي، فقد كان اكتشاف أمريكا ابتداء جزءاً من محاولة الالتفاف على المشرق العثماني لإيجاد طريق آخر إلى الشرق الأقصى، إضافة إلى البحث عن ثروات تمول غزو الأراضي المقدسة في فلسطين لانتزاعها ثانية من أيدي المسلمين».
ويضيف أن «رؤية المستوطنين الأوروبيين الأوائل في أمريكا لأنفسهم وللوضع الذي نشأ من اكتشاف العالم الجديد كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالكتب المقدسة التي اعتقد المتطهرون أنها تنبأت باسم وصف أمريكا، ورصدتها لهم بصفتهم الشعب المختار الذي يستحق هذه الأرض نتيجة لنبوءات عودة المسيح وأحداث آخر الزمان، فأمريكا هي أورشليم الجديدة والمستوطنون هم شعب «إسرائيل» الجديد الذي تفوق على شعب «إسرائيل» القديم».
ويبين أن «معاملة الأوربيين لسكان أمريكا الأصليين كانت تطبيقاً للرؤى الدينية المستقاة من الكتب المقدسة عن سكان فلسطين القدماء، إضافة إلى الرؤى التي تكونت لدى الفرنجة عن المسلمين أثناء الحروب الصليبية، ثم أعاد الأوروبيون والأمريكيون الكرة ثانية لينظروا إلى العالم عموماً، والمسلمين عامة والعرب خاصة من خلالها».
ويروي شعبان: في عام 1866 شنت قبيلة «سو Sioux» حرباً على الجيش الأمريكي الذي اقتحم أراضيها في شمال السهول العظمى حيث ولايات داكوتا ومونتانا ووايومنج اليوم ليحمي طريق المستوطنين والمنقبين الذين جذبتهم حمى الذهب بعيداً في مونتانا، واستمرت الحرب سنتين إلى أن أذعنت الولايات المتحدة لشروط الزعيم «الغيمة الحمراء»Red Cloud وأخلت المنطقة من الدخلاء ودمرت ما بنته من حصون على الطريق المؤدي للمناجم ومنحت القبيلة محمية كبرى تتضمن أراضيها المقدسة في التلال السوداء Black Hills وأراضي صيدها وسكناها، وكانت المرة الوحيدة التي حققت فيها قبيلة هندية انتصاراً سياسياً تبع الانتصار العسكري، ووقع الطرفان على ذلك في معاهدة حصن لارامي 1868.
——–
الخليج