لورانس ستيرن
كما أن صفحة لورانس ستيرن البيضاء تدعو القارئ إلى التوقف والهرب من كلمات الراوي في ما يبدو دوامة من الصمت، كذلك ألا تقدم كل مساحة على صفحة مكتوبة مخرجاً أو حتى مجالاً للهرب من صوت الكاتب؟ لكننا لا نبحث عن ملجأ في الصمت عندما نتوقف عن القراءة، بل نسكت بكل بساطة الصوت المتحدث الذي يقاطع وعينا الكثير الكلام، أو ربما ننجح في توليد ثنائي غنائي بين صوتين متنافسين في لحننا الخاص الذي يبلغ نغمات عالية جداً من دون أن يقاطعه، مثلاً، السيد شاندي الثرثار.
أو أقاطعه أنا. لا شك في أن القارئ رفع عينيه عن هذه الصفحات ليفكر بشك في الأحكام التي أكدتها عن تمثيل الصمت. هل القراءة، إذاً، مناظرة صامتة، مناظرة ندخلها وننسحب منها باستمرار للتفكير في آراء الكاتب وخلاصاتنا بشأن مدى صحتها؟
لا تقوم كل القراءات على هذا النوع من الثنائية: حوار اندفاع وانسحاب. فعندما تأسرك رواية مميزة وجملاً متقنة، أفلا تضيع في وعي آخر ليعيدك فجأة إلى أرض الواقع رنين الهاتف أو صوت شخص آخر يُقاطعك؟ ألا تشكل هذه القراءة بحد ذاتها مقاطعة، على الأقل لإحساسنا الخاص بنفسنا، والقرع على الباب الصفعة التي أيقظتنا من نوع من الحلم؟
على غرار أجهزة اللاسلكي التي تتطلب أن تضغط على الزر كي تتكلم وأن تحرره كي تسمع، هل تتطلب القراءة إسكات صوت الكاتب أو صوت القارئ؟ تشير هذه المقارنة إلى أن القراءة عمل ضيافة تجاه فكر آخر نسكت خلاله صوتنا في خطوة لبقة للاستماع إلى صوت وعي آخر، صوت يتناوب مع صوتنا في حوار.
ولكن ما يحدث عندما تتطلب الأوضاع اهتماماً كاملاً من وعي القارئ؟ ألا يبقى الحبر على الصفحة مجرد بقع خرساء إلى أن يبث القارئ حياة في الكلمات ويعرب عن اهتمام يحرك الأفكار التي تحملها تلك الأحرف الصامتة؟ للقراءة، ألا يجب أن يكون الوعي مرتاحاً ليتقبل صوت آخر؟ أو بكلمات أخرى، هل يرفض البال المنشغل الحفاظ على الصمت للقراءة؟ وهكذا، ألا تشكل القراءة، على الأقل، إسكاتاً مؤقتاً للذات، صمتاً لا يُحتمل عندما تكون تلك الذات مهددة؟
إسكات الذات
يُقال إن أول أمر نفقده مع بداية مرض خطير القدرة على القراءة. تعلمت حقيقة هذا الأمر قبل عشر سنوات، لا بسبب المرض بل بسبب التشرد. بعد الهرب نتيجة اقتراب إعصار كاترينا عام 2005، لجأنا عائلتي وأنا إلى منزل أخي في دالاس. كنا نتوقع العودة إلى منزلنا بعد يوم أو اثنين على أبعد تقدير. لم ينجح الإعصار، برياحه القياسية التي بلغت سرعتها 160 كيلومتراً في الساعة، ما يعني أنه إعصار قوي من الدرجة الأولى، في تدمير نيو أورلينز صباح يوم الاثنين ذاك من شهر أغسطس. ولكن عقب الإعصار، انهارت السدود غير المتقنة التي صممتها وبنتها فرقة المهندسين في الجيش الأميركي. فغرق نحو 80% من المدينة (تضاهي مساحتها سبعة أضعاف مساحة مانهاتن) في الماء، مع بلوغ ارتفاع الماء المالح أكثر من أربعة أمتار.
ولكن في يوم الخميس ذاك، أدركنا أننا لا نستطيع العودة إلى منزلنا في وقت قريب. دعتنا شقيقتي، التي تعيش أيضاً في دالاس، لمشاهدة فيلم The 40-Year-Old Virgin كي تنسينا الكارثة التي لم تنتهِ بعد. فيما كانت أحداث هذا الفيلم الفكاهية تتوالى في الصالة المعتمة، بدأت أشعر أنني عاجز عن التنفس. تلك الليلة، أخبرت زوجتي بما حدث. فصُدمت لأنها اختبرت هي أيضاً حالة الاختناق ذاتها. وأخبرتني أنها أوشكت أن تخرج من الصالة نحو منتصف الفيلم.
لم يكن لحالتنا هذه أي دخل بالفيلم، حتى إنني ما زلت أجهل حتى اليوم قصته. لكن تجربة التفاعل خيالياً مع القصة على الشاشة كانت لا تُحتمل. وفي الأسابيع التالية، فيما كنا ننتظر أن يُرفع قانون الطوارئ وأن يسمح لنا الجيش بالعودة إلى منزلنا المحطم، اكتشفنا أن القراءة باتت بصعوبة مشاهدة الفيلم.
استعدنا في النهاية القدرة على القراءة ومشاهدة الأفلام، إنما إلى حد ما. قبل انهيار السد، كنا نشاهد أحياناً ثلاثة أفلام في نهاية أسبوع واحدة. ولكن حتى اليوم، بعد مرور عشر سنوات، يكون الأسبوع الذي نشاهد فيه فيلماً استثنائياً. وما زلت أشعر أن من المستحيل أن أنغمس في كتاب كما اعتدت سابقاً.
عندما أتحدث عن هذا التأثير الدائم بين أهل نيو أورلينز الذين نجوا من الفيضان وما تلاه، يقر كثر أنهم يعانون الإعاقة عينها، ويشعرون عادةً بالارتياح حين يعلمون أن شخصاً آخر ما عاد يستطيع القراءة.
أعتقد أن ما حدث معنا، وما قد يحدث لأي شخص يعاني مرضاً خطيراً، يرتبط بإسكات الذات الذي تتطلبه القراءة. فبمواجهة مجموعة من المشاكل التي تصيب ضحايا الكوارث أو المرض تدريجاً (أما زلت أملك وظيفة؟ ماذا سأفعل لجني المال؟ هل يغطي التأمين ما أواجهه؟ هل يتخطى زواجي هذه الكارثة؟ وما التبدلات التي ستطرأ على حياتي؟)، يتمسك الإنسان بالذات، ولا يتجرأ على التخلي عنها.
لكن القراءة (أو مشاهدة فيلم) تتطلب الاستسلام لوعي شخص آخر. فلا يمكن تناسي مجموعة المخاوف التي تشغل مَن يصارع ليعيد تخيل حياته، حتى أثناء النوم. يقر أهل نيو أورلينز أنهم في الأيام التي تلت انهيار السد كانوا يظلون مستيقظين حتى الثانية أو الثالثة صباحاً، مدركين فجأة، مثلاً، أنهم لا يستطيعون الوصول إلى أموالهم لأن المصارف وكمبيوتراتها باتت مغمورة بالماء. ويمكنني أن أؤكد من تجربتي الشخصية أن الإنسان يعجز عن العودة إلى اليوم بعد استيقاظه على فكرة مماثلة. فيتمدد مستيقظاً في العتمة وعيناه مفتوحتان، منتظراً حلول الفجر. يحاول ألا يوقظ الشخص النائم قربه في السرير، الذي يكون على الأرجح مستيقظاً أيضاً، إلا أنه لا يتحرك على أمل أن يحظى أحدهما على الأقل بليلة نوم هانئة.
إ
ذاً، ما كان باستطاعتي القراءة. لكن قدرتي على الكتابة لم تتأثر بالصدمة النفسية التي تعرضت لها حين رأيت مدينتي تُدمر. عندما عدنا إلى المدينة بعد خمسة أسابيع من انهيار السد، ما كان المنزل صالحاً للسكن. فنمنا في دار حضانة لا يتوافر فيها ماء ساخن. هناك، وأنا جالس على كرسي بلاستيكي أزرق صغير بعلو 30 سنتمتراً وكمبيوتري المحمول مسند إلى طاولة بلاستيكية حمراء أعلى بقليل، كتبت 15 عموداً لصحيفة “نيويورك تايمز”.
لم أسمح للظروف بأن تلهيني عن تأليف العمود تلو الآخر، أشرت في أحدها إلى خسارتي مكتبتي الشخصية التي ضمت 2500 كتاباً أتلفتها المياه عندما اجتاحت منزلي. فراح القراء من حول البلد يرسلون إلي نسخاً من كتب محددة من كتب ذكرتها، فضلاً عن أعمال يعتبرونها مفضلة لديهم: مجموعة قصائد إليزابيث بيشوب، نسخة مذهبة الأطراف من مقالات رالف والد إميرسون، وترجمة روبرت فاغل للأوديسة. كانت كل هذه هدايا مميزة وعزيزة على قلبي، إلا أنني لم أتمكن من مطالعتها.
تأثير وتفاعل
بالاستناد إلى تجربتي، تشكل القراءة من حيث الأساس إسكاتاً ملائماً للذات، على الأقل عندما تكون الذات مستعدة لتسكت. لكن هذه الصيغة تثير الشكوك حول إمكان القراءة بصمت، التي نعتبرها نوعاً من العزلة. كما نتردد في مقاطعة شخص يصلي، كذلك نعتذر عندما نلهي شخصاً يقرأ بصمت كما لو أننا نتطفل على خصوصيته. لكن القراءة لا تُعتبر أكثر عزلة من محادثة عبر الهاتف. حتى هذا المفهوم عن أن القراءة عمل صامت أو خاص يبدو حديثاً إلى حد ما.
يشير أوغسطينوس في مطلع عمله (اعترافاتي) إلى عادة معلمه أمبروسيوس القراءة بصمت. بدا غريباً، في تلك الحقبة، أن يخصص أوغسطينوس مقطعاً لوصف هذه العادة وتبريرها. لكنه أدرك أن أمبروسيوس بذلك يلف نفسه بصمت لا يستطيع تلاميذه خرقه بأسئلتهم. ومع أنه ينتقل إلى مبررات أخرى، مثل مطالعة الكتب بسرعة أكبر والحؤول دون ازدياد صوته خشونة، يقر أوغسطينوس في النهاية أنه لا يعرف الدافع الفعلي، إلا أنه أكيد أن لمعلمه سبب وجيه لذلك.
تشير رواية أغسطينوس إلى أن القراءة في العصور القديمة شكلت، عموماً، نشاطاً جماعياً يعزز المناظرة بين المستمعين. وفي الجامعات اليوم، لا يزال تأثير هذه الممارسة كبيراً، حتى إن الصفوف تُدعى محاضرات. كذلك ترتكز بنى مؤتمرات أكاديمية عدة على قراءة تقارير بصوت مرتفع. والأكثر بروزاً في هذا الصدد تقليد في المجتمعات الدينية: تشمل معظم الطقوس الدينية القراءة من نصوص دينية أمام الجماعة، حتى إن بعض الأديرة لا تزال تزود صالاتها بمنبر لقراءة النصوص الدينية بصوت مرتفع أثناء تناول الوجبات.
يتتبع روجر شارتيه القراءة بصمت من ناسخي القرون الوسطى إلى الباحثين في الجامعات نحو الفترة التي تأسست فيها جامعة باريس في منتصف القرن الثاني عشر. ويشير إلى أن القراءة بصمت أصبحت العرف المتبع بين القراء المثقفين بحلول القرن الخامس عشر. ولكن حتى بعد مرور نحو أربعمئة سنة، تسخر مسرحية أوجين مارتان لابيش La Cagnotte عام 1864 من مزارع لأنه قرأ رسالة خاصة بصوت مرتفع، إلا أن المزارع رد أنه لا يستطيع أن يفهم ما يقرأه إذا لم يسمعه.
لا تزال وظائف القراءة بصوت عالٍ العائلية واضحة اليوم، سواء كانت قراءة سامويل بيبي لزوجته قبل ثلاث ليالٍ من عيد الميلاد عام 1667 بغية إلهائها عن ألم أسنانها، أو قراءة جيم الشابة للسيدة دوبوز فيما كانت هذه المرأة العجوز تصارع للتغلب على إدمانها المورفين في To Kill a Mockingbird، أو قراءة الرجل المسن في The Princess Bride لحفيده المريض. تتذكر كلارا كليربورن بارك في مقال نُشر عام 1980 عن طبيعة الذاكرة أن والدتها كانت تقرأ لأختها فيما كانت تحيك، وأن والد أحد أصدقائها في الجامعة كان يقرأ فصلاً من ديكنز لعائلته كل ليلة قبل العشاء. لكن عادة القراءة بصوت عالٍ للآخرين، باستثناء في المنزل لأولادنا الصغار، تراجع خلال حياتي.
ما عادت القراءة بصوت عالٍ، عموماً للبالغين على الأقل، تشكل نشاطاً اجتماعياً مع بعض الاستثناءات. رغم انتشار التعليم وغياب الحاجة إلى قراءات علنية لقرارات الحكومة على الأقل، استمرت بقايا هذه العادة في بعض زوايا مجتمعنا. فللكتاب المسجلة، التي كانت ستُعتبر أمراً مستهجناً في الماضي، جمهور معاصر واسع. كذلك تقدّم أجهزة القراءة اللوحية مثل iPad وKindle خاصية تسمح للجهاز بقراءة النص بصوت مرتفع عندما تتعب عينا القارئ. كذلك يجني معظم كتّاب الأعمال الخيالية الأميركيين، وكل الشعراء تقريباً، كمية أكبر من المال من قراءة أعمالهم أمام حشود المعجبين، مقارنة بما يجنون من بيع كتبهم. تعود شعبية القراءات الأدبية، في جزء منها، إلى عقيدة الشهرة المعاصرة: إن كان بإمكننا استخدام {الشهرة} من دون ضحك لوصف روائيي القرن الحادي والعشرين وشعرائه. لكن إحساساً بمصلحة مشتركة يوحد قراء كاتب معين، عندما يجتمعون ليستمعوا إلى أعماله بصوت عالٍ. ولا شك في أن الإنسان يخرج من مناسبات مماثلة بصورة أوضح عن نغمة كلمات الكاتب. تذكّرنا بارك في مقالها أن الادب اليوناني، كما أشار موزيس هاداس، {كان أمراً يُسمع في الأماكن العامة لا يُقرأ بصمت في عزلة}. وتكرّم القراءات الأدبية هذا التقليد.
ولكن هل حقاً نقرأ الكلمات المكتوبة بصمت؟ شككت الأبحاث العصبية الأخيرة في ما إذا كانت القراءة الصامتة حقاً صامتة. تُظهر الأدلة أن الدماغ يفسر القراءة {الصامتة} على أنها ظاهرة سمعية. في تقرير Silent Reading of Direct versus Indirect Speech Activates Voice-selective Areas in the Auditory Cortex (القراءة الصامتة للخطاب المباشر مقابل غير المباشر تنشط مناطق الصوت الانتقائية في القشرة السمعية)، الذي نُشر عام 2011 في مجلة Cognitive Neuroscience، أفاد بو ياو وزملاؤه: {تقدّم نتائجنا عموماً دعماً موضوعياً قوياً لتجربة {الصوت الداخلي} الفطرية خلال قراءة النص المكتوب الصامتة، وخصوصاً خلال القراءة الصامتة لبيانات الخطاب المباشر}.
في السنة التالية، أوضحت مارسيلا بيرون-بيرتولوتي وزملاؤها في How Silent Is Silent Reading? Intracerebral Evidence for Top-Down Activation of Temporal Voice Areas during Reading (كم صامتة هي القراءة الصامتة؟ أدلة دماغية بينية على نشاط تنازلي في مناطق الصوت الصدغية أثناء القراءة، الذي نُشر في مجلة {علم الأعصاب}: {كما تختبر خلال قراءتك هذه العبارة على الأرجح، تشمل القراءة الصامتة عنصر كلام خيالياً: يمكننا أن نسمع {صوتنا الداخلي} يلفظ الكلمات في ذهننا. وقد ربطت الدراسات الأخيرة التي اعتمدت على التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي هذا العنصر بالنشاط الأيضي المتزايد في القشرة السمعية، بما فيها مناطق الصوت الانتقائية}.
معالجة سمعية
انتقل معدو التقرير، بعد ذلك، إلى تأكيد، من خلال التجارب، ما توصل إليه ياو عن أن «القراءة تنشط تلقائياً عمليات المعالجة السمعية رغم غياب أي محفز سمعي». فباستخدام تسجيلات كهرو-فيزيولوجية مباشرة من القشرة السمعية لإظهار أن القراءة الصامتة تنشّط مناطق الصوت الانتقائية في القشرة الصوتية، استخلصوا أن «الكلمات المكتوبة تنتج تجربة سمعية ناشطة من دون أي جهد يُذكر»، وأن القارئ «ينتج الصوت الداخلي حتى عندما يقرأ رواية ليس فيها راوٍ». لكن الباحثين يحذرون من أن «تنشيط الصوت الداخلي المستدام لا يشكل عملية تلقائية تحدث مباشرة كردة فعل تجاه أي كلمات مكتوبة. ومن الواضح أنها تحسنت عندما قرأ المشاركون بانتباه أكبر (بغية فهم الجمل وحفظها) وتراجعت عندما لم تُعالج الكلمات بانتباه». عندما نقرأ النص بدل أن نمر عليه مرور الكرام، تُعالج هذه التجربة كتجربة سمعية. لا تكون القراءة الصامتة صامتة في الدماغ، في حالة معظمنا على الأقل. تشير بيرون-بيرتولوتي بطريقة عابرة، في مقدمة المقال، إلى أن «البعض قد يعترضون، قائلين إننا نمضي معظم فترة يقظتنا في التحدث إلى نفسنا سراً». ولكن في مقال نشرته جولي كروس عام 2010 في صحيفة The Daily Mail، أشارت إلى حالة بناء في الحادي والخمسين من عمره يعاني عسر القراءة ويعيش في ستوك-أون-ترانت ذُهل حين اكتشف أن زوجته تسمع صوتاً في رأسها أثناء القراءة. يقول: “لم يسبق لي أن سمعت صوتاً في رأسي مطلقاً. صُعقت حتى إنني كدت أسقط عن الكرسي”.. وتابع موضحاً: {بدا كل شيء غريباً بالنسبة إلي. بما أن قدرتي على القراءة لا تتخطى قدرة ولد في الخامسة من عمره، لذلك قلما أقرأ. وعندما أحلم، أرى أحلاماً بصرية تكون دوماً صامتة”. ويؤكد أن تأثير هذا في حياته كان كبيراً. يذكر: {صرت أفهم اليوم أعمالي بشكل أوضح. أسير وراء عواطفي لأنني لا أملك في رأسي صوتاً يحلل ما أوشك أن أقوله أو أفعله”.
يدرس البروفسور رود نيكولسون من جامعة شيفيلد الرابط بين عسر القراءة وغياب الصوت الداخلي. يوضح: {يفترض الجميع أن الآخرين يشبهونهم. لكننا أدركنا أن البعض لا يملكون صوتاً داخلياً وأن القدرة على التعلم ضعيفة لديهم. إلا أننا اكتشفنا أيضاً الكثير من الأولاد الذين يعانون عسر القراءة ويملكون، في الوقت عينه، صوتاً داخلياً متطوراً جداً”.. تضيف الدكتورة كايت سوندرس من جمعية عسر القراءة البريطانية أن “30% إلى 50% ممن يعانون عسر القراءة (وفق المقال) مصابون أيضاً باضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه، علماً أن هذه الحالة الطبية تؤثر في قدرة الإنسان على الجلوس والتركيز. ويسود الاعتقاد أن كثيرين ممن يعانون اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه يفتقرون إلى صوت داخلي أيضاً”..
قد يؤدي الإرث دوراً ايضاً: للبناء الذي يعاني عسر القراءة ولدان بالغان، يعانيان كلاهما من عسر القراءة ولا يملكان صوتاً داخلياً. إذاً، صحيح أن عوامل عدة تؤثر في عسر القراءة، إلا أن القراءة الصامتة لا تشكل تسمية خاطئة فحسب، بل يمثل الصمت بحد ذاته عقبة أمام القراءة.
———–
الجريدة الكويتية