“عمّان” عبدالله حمدان


*معن البياري



فقدت الأسرة الإعلامية والثقافية الأردنية، قبل أيام، الكاتب والصحافي، عبدالله حمدان، ومع تجربته الصحافية العريضة في غير منبر وصحيفة، وفي غير بلد، إلا أن زملاءه وأصدقاءه العديدين، في الأردن والعالم العربي، توقفوا كثيراً، في نعيه واستذكار شخصه، عند رئاسته تحرير مجلة عمّان، وتأسيسه لها، ودأبه عليها، منذ عددها الأول في إبريل/ نيسان 1993 إلى عددها الثامن والستين بعد المائة في يونيو/ حزيران 2009. وبدا المصاب بوفاة صديقنا مناسبةً متجددة لنعي تلك المجلة التي أصدرتها أمانة عمّان الكبرى (ما يشبه البلدية)، وتوقفت عن الصدور، بعد ثلاثة أعداد من مغادرة عبدالله حمدان الموقع الأول فيها، وكانت فكرته، وكان وراء إطلاقها، عندما أقنع أمين عمّان في حينه، محمد البشير، بها، مراهناً على نجاحها، وهو ما تحقق بشكل لم يسبق أن حازته أي مجلة ثقافية منوّعة في الأردن، في تجربة لم تتكرّر. ومن أسفٍ أن المشاريع الثقافية والإعلامية الناجحة في بلادنا العربية، غالباً ما تحظى بحماس لها، عند إطلاقها، ثم يفتر، فتُصاب بالسكتة والموت. ولعل هذا ما لحق بالمجلة الأردنية الثقافية الأهم، منذ خمسين عاماً، (عمّان)، التي لم نعرف أسباباً مقنعة لتوقفها، وكانت في ذروة مقروئيتها، وتحوز سمعةً طيبة عريضة، ليس في الأردن فحسب، بل بين أوساط عربية ثقافية عديدة، وكان عبدالله حمدان شديد الحرص على إيصالها إلى مختلف البلاد العربية، بل وإرسالها بالبريد إلى أسماء وأعلام ثقافية وفنية وأدبية وازنة خارج الأردن. 

  

نستدعي المجلة المغدورة، ونحن في حزنٍ كبيرٍ لفقد أستاذنا (أبو مروان)، وقد كان سخاؤه فياضاً في محبة أصدقائه، وفي التواصل اليومي مع المثقفين والكتّاب، لا من أجل تأمين المواد والنصوص منهم فقط، بل لإيصال مستحقاتهم النقدية عنها، وبشخصه في أحيان كثيرة. وقد نجح حمدان في المعادلة التي ميّزت (عمّان)، وجعلتها تُحافظ على نجاحها العام، في متابعة جمهور واسع لها، وكذا النخب المثقفة. المعادلة التي توازن بين الاهتمامين، العام والخاص، بشأن الجديد في الفنون والنتاجات الإبداعية والفكرية والأدبية. وذلك في جاذبية في العرض وأناقته، مع تنوّع أجناس المادة المنشورة، من الحوار والاستطلاع والمطالعات والنصوص الإبداعية والمقالات النقدية والإطلالات والقراءات، وكذا متابعات الأنشطة والتظاهرات، بعين ٍنقدية، تحتفي بالجيد والحسن، وتؤاخذ البائس والرديء. نجحت مجلة عبدالله حمدان في هذا كله، وفي غيره، واستطاعت أن توفر لقرائها، بالإضافة إلى المادة الأردنية، موضوعات في النقد والتشكيل والمسرح والآداب، لكتّابٍ عرب من المغرب والمشرق والخليج، وكان ذلك جهداً محموداً، ولافتاً، ودافعاً مضافاً لأن ينتظرها مثقفون عرب عديدون، عدداً بعدد. 


سبعة عشر عاماً أمضاها عبدالله حمدان في محبّة عمّان، مدينته التي كان من أبرز أسمائها، صحافياً وكاتباً، وفي محبّة مجلة عمّان، وقد حدب عليها، بشكل استثنائي ونادر، لم نحظ، في الوسط الثقافي الأردني، بمثله. كان ذلك قبل طغيان الإنترنت، وقبل انحسار مقروئية المجلات والدوريات، وقبل هذه الخفة المتعاظمة في الصحافة الثقافية العربية، في غير مطرحٍ ومنبر، إلا أن الإشارة إلى هذا الأمر، هنا، لا تعني الانتقاص من جهودٍ طيبة، يبادر إليها أهلُ كفاءةٍ وخبرة في عدة بلاد عربية، ينهضون بدورياتٍ ثقافيةٍ عربية، ذات حضور محمود، ولها مقروئية مشهودة، إلا أنه لزوم التذكير بما كان عليه الراحل عبدالله حمدان، في انقطاعه إلى إنجاز عملٍ صحافي ثقافي محترم، متنوّع، أوجب هذا التأشير إلى عطبٍ غير هيّن في الإعلام الثقافي العربي الراهن. ويجوز، في هذا المقام، سؤالٌ عمّا إذا كان لدى أَحد في أمانة عمّان سلطة القرار، يُبادر إلى مغامرةٍ، كالتي كانت في بال صديقنا الراحل، لمّا جالت في خاطره مجلته، ومجلتنا، الموقوفة، فيستنهض في قدرات شابةٍ وطموحة في الوسط الثقافي الأردني، مشروع إصدار مجلة ثقافية، منوّعة، غير متخصصة، جذّابة، تأخذ اسم عمّان نفسه، تُراكم على نجاح عبدالله حمدان، وتواصله، بأفقٍ جديد، ومثابر. هل لهذا السؤال وجاهة؟ لا أعرف. 
_________
*المصدر: العربي الجديد

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *