*سماح إبراهيم
قالت الكاتبة والروائية سلوى بكر إن الثورة لم تصل إلى التعليم حتى تصل إلى الثقافة، ومعظم المشكلات التي نعانيها هي من تجليات مشكلة التعليم الماضوي.
وأضافت “بكر” أن الناقد الذي يكتب عن عمل رديء ويمجد فيه، إذا كان يحسب حساب القارئ المتعلم، والذي لديه قدر كبير من الذائقة، لما تجرأ وكتب عن شيء عديم القيمة.
وترى “سلوى بكر” أن تعليمنا ماضوي. مضيفة: عندما جاء محمد علي أرسل بعثات للخارج، فتقدمت الحياة وفقاً لسياقها الزمني. لكن التعليم الحالي ثابت، ومن ثم لن تصل الثورة إلى الثقافة.
وعن رؤيتها لآلية النهوض بالحركة الأدبية والمشهد الثقافي قالت: إذا لم ينهض التعليم والمجتمع ككل، وإذا لم تكن للمجتمع رؤية لذاته، فلن نتقدم.
وتابعت: ليست لدينا أسئلة مطروحة لما نريد فعله. نحن نسير بقوة الدفع الذاتي. لدينا عبارة جميلة وفضفاضة “نحن نريد أن نعيش على نحو أفضل”، لكن لا نعرف كيف ننفذ ذلك.
أصدرت سلوى بكر مؤخرًا رواية “شوق المستهام”، وقد وصفها البعض بأنها تنحاز انحيازًا مطلقًا للباحثين عن المستقبل، وقد رأت “بكر” أن هذا الرأي موضوعي يستند إلى فكرة، هي: لكي نرى المستقبل علينا أن نعرف الماضي، لأن المستقبل هو الماضي بشكل من الأشكال.
وأوضحت أن كل المعطيات المستقبلية في حياتنا هي نتاج لحدث في الماضي. كيف نستشف من الماضي ما هو مستقبلي؟ هذا هو السؤال.
وأردفت: الرواية بالفعل تحاول أن تستقرئ الماضي البعيد، وتطرح أسئلة تتعلق بهذا الماضي، وهو المستقبل.
توصف سلوى بكر بالكاتبة المتمردة، وتؤكد: أتمنى أن يديم الله عليّ التمرد، لأن التمرد هو تمرد عقلي وفكري.
وتعترف: أنا متمردة بالفعل وما زلت، وأزداد تمرداً بسبب حياتنا الماضوية التي أعيشها. أشعر بأنني أعيش قى القرون الوسطى. حياتنا متخلفة جدًا في كل تفاصيلها. لذلك أشعر دائماً بالرفض، والرفض يسمى تمردًا.
وبالنسبة لتمرد المرأة وضرورته تقول “سلوى بكر”: أرى أن المرأة هي التيرمومتر الذي يكشف مدى التخلف. كل القيم المتعلقة بها متخلفة. غياب المواطنة عنها يجعلها أكثر تخلفاً، وهذا معناه غياب الحقوق الإنسانية وبالتالي لابد أن تتمرد.
تراهن صاحبة رواية “الآس والصفصاف” دائما على ذكاء الناس وفهمهم وقدرتهم على تجديد الأسئلة. وتوضح: أتصور أن أسئلتي ليست خاصة، ولكنها أسئلة الناس. ربما أنا أمتلك أداة تعبيرية، وهي الكتابة الأدبية.
واستطردت: هذه الأداة تساعدني على طرح الأسئلة بطريقة إبداعية. ولكني أثق بأن هذه الأسئلة لدى كل الناس. لأن الجميع يعيش حالة فصامية. مضيفة: نحن نعيش التناقض بين الماضوية والمعاصرة. لدينا توق هائل لأن نكون معاصرين لكن رؤيتنا للعالم ماضوية. وهذا الفصام هو الذي يجعل الناس تبحث عن الأسئلة.
تشهد قصص وروايات “سلوى بكر” على براعتها في الحكي، وهنا تكشف صاحبة “البشموري” أن الأمر لا يتعلق ببراعة لكن بأمرين، وتقول: أولاً لكي تحكي عليك أن تعيش الحياة وتجربها. أزعم أني فعلت هذا وما زلت مستمرة.
أما الأمر الثانى، فهو أن أتمثل شخوصي وعوالم تمثلي للحياة ذاتها، ربما لأن الإحساس الذي ينتابني لا يتعلق بالبراعة، لكنه ناتج من وجود صدق.
وفي السياق ذاته تؤكد سلوى بكر: ما أطرحه من سرد قابل للاستيعاب. لا أتحدث عما حدث في الحياة، لكن أستمد تجربتي السردية من تجربة الحياة وهذا هو الذي يحدث تفاعلاً يؤول إلى الإحساس بأن الأمر به براعة حكي.
لقبت “سلوى بكر” بـ”صوت المهمشين”، وهنا تقول: هناك كتاب كثيرون يعدون أصواتًا للمهمشين. لا أكتب عن شخصيات خارج الحياة، لكن أكتب عن الحياة نفسها.
وبسؤالها عما إذا كانت تجربتها الإبداعية قد نالت الاحتفاء اللائق بها أم لا، تقول: الإجابة ليست بـ”نعم”، وليست بـ”لا”.
وتوضح: أحياناً كانت التجربة تجد الاحتفاء وأحيانًا لم تجد. مضيفة: المناخ العام يجعلنا نتساءل: ما هو الاحتفاء؟ كتب عن تجربتي الكثير، وأجريت عليها العديد من الأبحاث والدراسات الأكاديمية في مصر والعالم كله. كما ترُجمت لـ17 لغة، إذا كان هذا هو الاحتفاء، فحسنًا.
وتتابع: لكن ألا تكتب الصحافة أو أحصل على جائزة، فهذا أيضاً عدم احتفاء. أنا لا أكتب في أي صحيفة، وليس لدي عمود ثابت، بينما ربما كاتب آخر لديه بدايات كتابة، يمتلك عمودًا ثابتًا أو ناصية.
احتفت السفارة المصرية بفيينا مؤخراً بسلوى بكر، وأوضحت أنها كانت في النمسا لحضور لقاء بين 6 كاتبات من بلاد إسلامية مختلفة منها إندونيسيا وتركيا ولبنان ومصر والجزائر في بلاد هيستاو بجبال الألب، وعندما علم السفير المصري بوجود كاتبة من مصر أقام لقاءً بين أبناء الجالية العربية، وتحدثت سلوى عن كتاباتها..
وقالت: أقدر احتفاءه لأنه يعكس اهتمام السفراء في الخارج بالثقافة، وهذا نادرًا ما يحدث. والاهتمام كان بالثقافة المصرية وليس بشخصي. وأنا لا أعرف هذا السفير المحترم، لكنّ احتفاءه يعكس مدى تقديره للثقافة.
وعن تحويلها التاريخ من مادة جافة إلى إبداعية، تقول سلوى بكر: التاريخ هو حوادث وحكايات وقصص. ومن حسن حظ الكاتب المصري والعربي أن لديه تاريخًا طويلاً ممتدًا وغنيًا جداً ومليئًا بالمفارقات والتناقضات المعينة على أن يستنبط منها متخيلاً أدبياً. التاريخ مادة هائلة للتخيل علينا أن نتفحصها ونستنبط منها ما يمكن أن يكون صالحًا لإثارة الدهشة في الأدب، وهذا ما أحاول أن أفعله.
وربما النهايات المفتوحة في أعمالي، يكون المستهدف منها إحداث شراكة مع القارئ. إن القارئ طرف. أطرح أسئلة وإشكاليات. النهاية المفتوحة تجعل القارئ شريكًا وطرفًا فاعلاً إيجابياً في النص، بحيث عليه أن يشاركني في طرح الأسئلة وإيجاد إجابات عنها. النهاية المفتوحة هي بالنسبة لي بمثابة إلقاء الكرة في ملعب القارئ.
__________
المصدر: بوابة الأهرام